عن سن تناهز الاثنتين والسبعين سنة تُوفي فجر أمس الأربعاء أحد أبرز الرواد المعاصرين للفن التشكيلي بتونس وهو الأستاذ والفنان المنوبي بوصندل، أصيل منزل عبد الرحمان ببنزرت. لقد كان الفقيد مثالا للفنان الذي آمن بالمشاركة الإبداعية في البناء الثقافي والشواغل الاجتماعية والوطنية، حتى بعد أن لازمه المرض منذ سنة 2005. كان قد حصل على شهادة الفنون الجميلة بتونس سنة 1965 بتتويج رئاسي، ثم على الإجازة في الفنون التشكيلية من جامعة السوربون سنة 1973، قبل أن يقيم تربصا بالحي العالمي للفنون بباريس. كان يعرض أعماله في مجال الرسم الزيتي والمائي منذ سنة 1964 بتونس والخارج وخاصة بباريس وهولندا وبعض الدول العربية. كان عضوا نشيطا باتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين منذ تأسيسه سنة 1968، مواظبا على المشاركة في تظاهراته، كما ساهم في تأسيس التظاهرة السنوية «شمس الفنون» ببنزرت، سنة 2002، وكان مشاركا مواظبا في «الأيام المتوسطية للفنون التشكيلية بسوسة» منذ انبعاثها سنة 2000، ومهرجان الفنون التشكيلية بالمهدية، منذ 2003... وعديد التظاهرات الأخرى داخل البلاد وخارجها. عُرفت لوحة المنوبي بوصندل في مجال انطباعي وما بعد انطباعي باستثمار مكتسبات تاريخ الفن الأكاديمي والحديث خاصة. ولكنه شَخصَ هذا الإرث الفني وكون لنفسه قاموسا تشكيليا خاصا ومستقلا. فقد حلل الفضاء التصويري إلى نسيج من النقاط واللمسات. ولقد توفي الفنان ولكن لمساته المرتجلة والحركية تنبض بمعنى الحياة وستظل تقطر انفعالا ووَجْدا. وبينما كانت اللمسات انفعالية وحركية، كانت الخطوط التي توجهها رصينة وعاقلة. ولعل من أهم المدارات التقنية والجمالية لهذه التجربة ما يتمحور حول هذه المعادلة الذكية والصعبة. إن لحظة الرسم هي الزمن برمته عندما يشرق في لمسات، وهي التاريخ برمته عندما يتكون تشكيليا أمام العين، يُبشر بالحب ومجد الوطن والسلام ويبث نسغ الحياة بين الألوان. ويتوتر الزمن من جديد في كل لوحة من لوحاته، بين رائحة التراب وذاكرة الأمكنة التي كان يعرفها وتعرفه (ميناء بنزرت القديم، عين كبيرة، بحيرة «المتزوقة»...)، فيما رؤية الفنان تتحول إلى لمسات من الضوء الساطع والثورة الخلاقة، توشح صدر الوطن ولا تحتمل التحدد داخل قرار مكين واحد، ولكنها توهج في اللوحة نبض الحياة ومعنى أن يكون المرء فنانا في هذا الزمان... حصل المنوبي بوصندل على جائزة الإبداع الثقافي بولاية بنزرت سنة 2002، وعلى الرمز الذهبي، في أكثر من مناسبة، من المهرجان الدولي للفنون التشكيلية بالمحرس، الذي يشارك في دوراته منذ سنة 2000... يأتي رحيل بوصندل بعد خمسة أيام فقط من رحيل أحد أبرز رفاقة بمدرسة الفنون الجميلة بتونس وهو الفنان التشكيلي خليل علولو، أحد أفراد جيل التحديث الثقافي والفني بتونس والعالم العربي من الأكادميين المجددين. رحمهما الله.