كانت المساعي الأمريكية حثيثة في الآونة الأخيرة، فيما يخص تأزم العلاقات الديبلوماسية بين تل أبيب وأنقرة، من أجل ترميم الشرخ الذي أحدثه الهجوم على سفينة "مرمرة" التركية في القنوات الديبلوماسية بين البلدين. فالخطوة الامريكية لم تأت من فراغ بل عن قناعة تامة بأن اسرائيل في أمس الحاجة في الوقت الراهن وأكثر من أي وقت مضى الى حليف بارز ومهم له وزنه في المنطقة كتركيا. والمبادرة التي تم طرحها قبل أسبوعين من طرف الرئيس الامريكي باراك أوباما كانت موجهة بالأساس الى أنقرة فقط وليس الى الجانب الاسرائيلي لأن هذه الأخيرة أيقنت أنها في حاجة ماسة الى إعادة إحياء العلاقات الديبلوماسية، فعمدت الى إقحام الجانب الأمريكي كوسيط يحظى بالتقدير والاحترام من طرف تركيا. كما أن تل أبيب تعتبر المبادرة على مستوى هذا الملف بمثابة الاعتراف الضمني بخطئها في الهجوم على سفينة كسر الحصار على غزة. في المقابل الاصرار الكبير الذي أبدته الحكومة التركية في ضرورة اعتذار الجانب الاسرائيلي على صنيعه يأتي من حقيقة تعيها تركيا كما علمتها تل أبيب بمرارة في أنها هي التي تحتاج الى هذه العلاقات في ظل التطورات الجذرية التي طرأت في منطقة الشرق أوسطية وليس العكس. وضرورة التأكيد على أن أنقرة لا ترغب في قطع علاقتها نهائيا مع إسرائيل. فمزيد التدهور في العلاقات مع تركيا، يعني المزيد من العزلة الاقليمية والدولية في وقت تخسر فيه اسرائيل يوميا المزيد من الحلفاء والأصدقاء. فخلافا لعقد التسعينات من القرن العشرين، الذي شهد «عصرا ذهبيا» لعلاقات البلدين،طرأ تغير ملموس على المصالح الثنائية بينهما وحدثت تغيرات جوهرية في سياستهما الخارجية معا، لأسباب داخلية وخارجية، وأسفر في النهاية عن نشوب عدد من الأزمات الديبلوماسية خلال السنوات الاخيرة، تم تتويجها في حادثة الأسطول في عرض البحر المتوسط. كما أن العامل الاستراتيجي الذي كانت تعتمد عليه تل أبيب والمتمثل في المؤسسة العسكرية التركية قد اضمحل في ظل حالة الضعف التي تعتري الجيش وقدرة أردوغان على ترويض الجنرالات دون الدخول معهم في صدامات. وذلك راجع بالأساس الى الانجازات التي حققها حزب العدالة والتنمية على مستوى الداخلي، فهو حزب يكتسح الشارع التركي، الى جانب دوره الفاعل على المستويين الدولي والاقليمي، بفضل سياسة خارجية تعتمد بالأساس على العمق الاستراتيجي والديبلوماسية النشطة ومبدأ صفر أعداء.