محمد بوحوش يكتب: سرديّة الكآبة    الرّيادة تحتاج الوعي بضرورة أن يقوم كلّ بدوره    ينعقد غدا بباريس: وزير الخارجية يشارك في المؤتمر الدولي لدعم سكان لبنان وسيادته    القصرين: تفكيك شبكة ثانية للتحيّل على فايسبوك والاحتفاظ بشخصين    بلاغ تحذيري مُحدّث من الإدارة العامة للحرس الوطني    نابل..المهرجان المغربي لمسرح الهواة.. احتفاء بالفن وتكريم لحمادي ديماسي    بهدوء ...يَعركون عجين النّقد على هواهم!!    صندوق النقد الدولي ..1.6 % نسبة نمو متوقعة في تونس    دمّرته أيديولوجيا ما بعد الثورة...عودة الروح للبرنامج الوطني للتنظيم العائلي    في قضية فساد مالي ... أحكام سجنية وخطايا مالية في حقّ رئيس بلدية قابس السابق وآخرين    بحث تحقيقي في شبهة غسل أموال ضد وفاق يضم رجل أعمال وموظفين ببنك وآخرين    حزب الله يعلن رسميا ...استشهاد هاشم صفي الدين    نجل لطفي بوشناق يردّ على أحد الإعلاميين بشراسة ..أنت رمز الانحطاط الاخلاقي    غيابات بارزة في صفوف النجم الساحلي خلال مواجهة نجم المتلوي    عاجل/ اوهموا بعملية سطو: اعوان نقل شاحنة اموال يستولون على 200 الف دينار    مع الشروق .. خطوة نحو كسر الهيمنة    وزير الشباب والرياضة يستقبل بطلة إفريقيا للتايكواندو شيماء التومي    مرسوم رئاسي يعزز حقوق العاملات الفلاحيات بامتيازات ومنافع شاملة ضمن نظام الحماية الاجتماعية    تونس حريصة على تعزيز التعاون الإقليمي لتحقيق التكامل الصناعي العربي (وزيرة الصناعة)    اكثر من 250 عارضا يشاركون في الدورة 15 للصالون الدولي للاستثمار الفلاحي والتكنولوجيا "سيات"2024    تظاهرة يوم السبت 26 أكتوبر لتقديم مشروع رقمي يعرف بتاريخ موقع نيابوليس الأثري بالاعتماد على الواقع الافتراضي والمعزز    قتيل وعدد من الإصابات في حصيلة أولية لهجوم إرهابي في أنقرة    ايقاف قطارات الخط صفاقس/المتلوي وصفاقس/قابس بفعل الأمطار    طالبوا بتفعيل الراحة البيولوجية: البحارة بميناء قليبية يشتكون من نقص الثروة السمكية    النجم الساحلي يحذر جماهيره قبل ملاقاة الإتحاد المنستيري    نحو استقدام اطارات طبية وشبه طبية تونسية للعمل في الكويت    قرطاج : القبض على مقترف سرقة سيارة وإرجاع المسروق    معبر راس جدير: مواطنون ليبيون ينتظرون اكثر من 10 ساعات لدخول تونس    قتلى وجرحى في هجوم على شركة تصنيع مسيرات بأنقرة    زغوان: إيقاف شخص من أجل سرقة محصول الزيتون من داخل ضيعة فلاحية    حجز اكثر من 12 طن من الأغذية الفاسدة في مخزن عشوائي بهذه الجهة (صور)    السوبر المصري: إدارة الزمالك تحسم قرارها من مواجهة الأهلي    لجماهير الرياضة: إعتماد بطاقة تعريف المُشجّع "FAN ID" بدايةً من هذا الموعد    عاجل/ تنبيه: تحويل لحركة المرور على مستوى هذه الطريق في العاصمة..    تراجع نسبة امتلاء السدود إلى 20،8 بالمائة    زغوان : ستئناف الدروس بكافة المؤسسات التربوية والتكوينية العمومية والخاصة    عاجل/ وصول الرحلة الثالثة لإجلاء التونسيين المقيمين في لبنان    سليانة : انطلاق مهرجان circuit. Théâtre في دورته الرابعة    الليغا: ريال مدريد يفقد أبرز ركائزه في مواجهة الكلاسيكو    "بريكس" توافق على انضمام 10 دول جديدة    أبطال أوروبا: برنامج الدفعة الثانية لمواجهات الجولة الثالثة    تفكيك شبكة مختصة في تدليس بيانات هياكل السيارات..وهذه التفاصيل..    وزارة التعليم العالي تفتح باب الترشح لجائزة الألكسو للابداع والابتكار    بالفيديو: لطفي بوشناق يُوجّه وصيّة مؤثّرة لإبنه    سفارة تونس بلبنان تنشر تفاصيل عودة 92 تونسيا لأرض الوطن    أيوب اليزيدي: من ولد بلاد إلى علامة تجارية في الستريت وير    عاجل من الرصد الجوي: ''فاعلية التقلّبات ستتقلّص تدريجيّا''    تأجيل الإضراب المقرر اليوم في حقل البرمة    شهاب يحيى: قصة نجاح ولد بلاد في مواجهة التحديات الصحية والاجتماعية    تبرسق: إصابة شخصين في حادث اصطدام حافلة لنقل المسافرين بدراجة نارية    فاجعة القيروان: الحماية المدنية تكشف الحصيلة الرسمية للضحايا..#خبر_عاجل    زغوان: تعليق الدروس بكافة المؤسسات التربوية والتكوينية بمعتمديات الفحص والناظور وصواف    ألمانيا تسجل أول إصابة بسلالة متحورة جديدة من جدري القردة    المنتخب الوطني التونسي لكرة القدم: فك الارتباط مع المدرب فوزي البنزرتي    خمس أسباب تدفعك للاستقالة من شركة طيران خليجية    المهدية: تعليق الدروس بعدد من المعتمديات بسبب التقلبات الجوية    ديوان الإفتاء: إمرأة وإبنتها تعتنقان الإسلام    يا يحي .. خذ القضية بقوة..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثقافة السياسية المخزنيّة وأوهام الحداثة
نشر في الصباح يوم 07 - 07 - 2011

تقترن هذه السنة، سنة الثورة، بذكرى مرور قرن ونصف على إعلان أوّل دستور في تونس وفي العالم العربي والإسلامي (1861 .2011)، وهو حدث يتضمّن أبعادا رمزيّة تستحقّ الوقوف عندها غير أنّ عراقة الدستور التي طالما افتخرنا بها كدليل على سبقنا في مجال الحداثة السياسية، لا ينبغي أن تنسينا الجانب الآخر من المسألة.
فصورة القصر الرئاسي الذي امتلأت خزائنه بالمال والذهب توحي، لو نظرنا إلى ما وراء الأخلاق والقانون، باستمرار ما يمكن وصفه مجازا بالثقافة السياسيّة المخزنيّة (نسبة إلى المخزن رمز سلطة البايات) حتىّ لكأنّ من أسقطته الثورة ليس ثاني رئيس للجمهورية التونسية بل بايا آخر وكأنّ جهود الحركة الإصلاحية منذ القرن 19 من أجل حكم «مقيّد بقانون» وما تلاها من محاولات تحديث سياسيّ لم تصل إلى أكثر من حكم مغلّف بالقانون وبالمؤسسات الحديثة دون تغيير هيكليّ للعقليّة التقليديّة.
يجد المتأمّل للحياة السياسية منذ الاستقلال أنّ استمرار النظام التقليدي يتجلّى، على الأقلّ، في ثلاثة جوانب جوهريّة. أوّلها يتعلّق بالسلطة السياسيّة العليا التي لم تخضع في تحصيلها أو ممارستها أو انتقالها إلى القانون وإن تستّرت به. ويكفي هنا التذكير بالرئاسة مدى الحياة أو بمحاولات التوريث فضلا عن السلطة شبه المطلقة التي تمتّع بها رأس الدولة. وأما الجانب الثاني فهو الاقتصاد حيث لعبت السلطة دورا محوريّا في تكوين الثروة وتوزيعها دون التزام فعليّ بالقانون في حين يكمن الجانب الثالث في الثقافة السياسيّة السائدة التي من بين خصائصها اعتبار امتلاك السلطة في حدّ ذاته مصدرا للشرعية ومطيّة لتحصيل «الغنائم» التي توزّع حسب الولاء ضمانا لاستمرار الحكم وغيرها من الخصائص التي تحتاج إلى دراسة مفصّلة.
ومن نتائج ذلك أنّنا لم نلج عصر الحداثة السياسيّة في واقع الأمر بل لعلّ ما حصل منذ القرن التاسع عشر كان في أفضل الأحوال تمهيدا مطوّلا لما نأمل جميعا أن يأتي بعد الثورة. كما أنّ الدستور في حدّ ذاته لا يكاد يعني شيئا ما لم تكن هناك مؤسسات قويّة وثقافة سياسية تحميه. فقد سقط دستور سنة 1861 على إثر ثورة علي بن غذاهم ثم علّق دستور الجمهورية التونسيّة المستقلّة بعد ثورة 14 جانفي. وهذا ما يعني أيضا أنّ مجرّد اعتماد النظام الجمهوري لم يكن واقيا من استمرار الثقافة السياسيّة المخزنية في الأذهان وفي الممارسات ولا ينفع بعدها الحديث عن جمهورية ثانية أو ثالثة سيرا على خطى الفرنسيين ما لم نكن متّفقين على أنّنا قد عشنا جمهورية أولى وليس نظاما ظاهره جمهوريّ وباطنه مخزنيّ.
لعلّ الثورة قد فتحت الباب أمام الفكر السياسيّ الذي بقي غائبا كما قال الأستاذ هشام جعيّط وأمام العلوم السياسيّة التي لا نكاد نجد لها أثرا في تراثنا مثلما لاحظ الشيخ علي عبدالرازق قبله وبدون التفكير السياسيّ المستقلّ الذي ينطلق من خصوصيّات بلادنا وحضارتها لا سبيل إلى بناء حداثة سياسيّة. فالديموقراطيّات الغربية رغم اتفاقها في الهدف فهي قد تختلف في صياغتها لمفاهيم الحداثة. وإذا كان الفرنسيّون مثلا يعتبرون مفهوم الجمهوريّة رمزا جامعا لقيم الحداثة السياسيّة فإنّ البريطانيين والسكندينافيين أو حتى الأمريكيين والألمان لا يوافقونهم في ذلك حيث تغلب مفاهيم مركزية أخرى كالحريّة أو العدالة أو دولة القانون.
ومهما يكن من أمر فإنّ شكل النظام في حدّ ذاته لا يختزل الحداثة السياسية. فليست بريطانيا الملكية أقلّ ديموقراطيّة من فرنسا الجمهورية ولا السويد أقلّ عدالة من إيطاليا ولا أنّ ملكيّة بعض الدول العربية ستكون بالضرورة حاجزا أمام بلوغها الحداثة السياسية.
ولعلّ ازدهار التفكير السياسيّ المستقلّ يتطلّب مراجعة بعض الأفكار السائدة التي من بينها ثلاث قد تكون الأخطر وأوّلها فكرة النموذج سواء أكان أوروبيا أو أمريكيا. فقد قامت الثورة التونسية على غير مثال وخطّت طريقا لم تتّبع فيه غيرها وقدّمت للجميع درسا في الاستقلالية ينبغي استيعابه. أمّا الفكرة السائدة الثانية فتستند إلى فرضيّة استحالة التحديث السياسيّ بدعوى خصوصيّة الثقافة العربية الإسلامية أو القول بالتضارب بين الإسلام والديموقراطية كأساس لذرائع استعملها سلفيّون كما استغلّتها أنظمة مستبدّة تدّعي الحداثة لتبرير التسلّط والظلم. وأمّا الفكرة الشائعة الثالثة فهي فكرة القطيعة مع التراث رغم أنّ الواقع يثبت إمكانيّة الوصول إلى جوهر الحداثة السياسية سواء بإعلان القطيعة أو مع المحافظة على التقاليد ولو كان ذلك بشكل صوريّ مثلما هو الحال في بريطانيا أو في اليابان.
إنّ من بين المنطلقات الرئيسية للفكر السياسيّ الديمقراطي الحديث مبدأ يتمثّل في أنّ كلّ من يمارس السلطة ينزع إلى إساءة استعمالها ما لم تردعه سلطة قانونية مضادّة. غير أنّ تنزيل ذلك المبدأ العام في الإطار التاريخي والاجتماعي قد يتطلّب فيما يخصّ بلادنا في مرحلة انتقالية على الأقلّ مراعاة طرفين هما الاستبداد والفوضى التي تبرز في صورة غياب سلطة شرعية قويّة. وإذا كانت الشرعية تنقسم إلى أنواع ثلاثة هي التقليدية والكاريزمية والعقلانية حسب عالم الاجتماع الألماني «ماكس فيبر» فإنّ تونس قد عرفت بالفعل دستور سنة 1861 في ظلّ شرعيةّ تقليدية ودستور سنة 1959 تحت راية الشرعية الكاريزمية للزعيم بورقيبة ولم يبق لنا غير بناء شرعية عقلانية حديثة تنطلق من وثيقة دستورية نأمل أن تصدر إن أمكن خلال سنة 2011 لتكون خير احتفال بالذكرى الخمسين بعد المائة لأوّل دستور تونسي حديث.
نتمنّى أن يضمن الدستور الجديد سيادة قيم الحرية والعدالة والنظام (وهي مكونات شعار الجمهورية التونسية لمن لا يذكر...) في شكل متوازن بعد أن تمّ التركيز لعقود طويلة على النظام في مفهومه الضيّق والتقليدي لكي لا نقول المبتذل أي بمعنى العصا لمن عصى!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.