سيدي بوزيد : حجز كمية من الحليب غير صالح للاستهلاك    قصف المقر المركزي لحزب الله ومحاولة إغتيال حسن نصر الله    مكتب الرابطة يسلط عقوبات مالية على 3 فرق    القبض على 15 عنصرا تكفيريا محل مناشير تفتيش في مختلف ولايات الجمهورية    ليل الجمعة.. سحب بأغلب الجهات تكون محليا كثيفة بالمناطق الغربية    نتنياهو امام الامم المتحدة: "لا مكان في إيران لن تطوله أيدينا.. ولن تملكوا النووي"    حمدي بن عربية إبن أحمد بن عربية في ذمّة الله    عاجل/ غدا السبت: أمطار رعدية مصحوبة برياح قوية في هذه الجهات    الحمامات: الاحتفاظ ب 3 أشخاص من أجل تعاطي الرهان الرياضي    العاصمة: الاطاحة بأحد أخطر مروجي الخمور بهذا الحي    قابس : الاحتفال باليوم العالمي للسياحة    كيف أعرف لون عيون طفلي    عاجل : مونديال الأندية 2025 مهدد بالإلغاء    المكنين: القبض على شخص من أجل محاولة القتل    عالم السحرة يفقد أسطورة التمثيل ماغي سميث    الرابطة الأولى: النادي الصفاقسي يستعيد خدمات أبرز ركائزه في مواجهة شبيبة العمران    النادي البنزرتي: تنقيحات بالجملة في القانون الأساسي    تصفيات الكان: تغيير ملعب مباراة تونس وجزر القمر    مؤشر الابتكار العالمي 2024..من حصد المرتبة الأولى عربيا ؟    ماهي القنوات الناقلة لمباراة الأهلي والزمالك في كأس السوبر الإفريقي ؟    لأول مرة بمستشفى مدنين.. استعمال حقنة "توكسين بوتوليك" لفائدة مريض بشلل نصفي    غدا.. خيمات بيطرية مجانية لتلقيح الكلاب والقطط    في أوّل مجلس وطني منذ نشأته: اتحاد الكتاب التونسيين يقرر استراتيجية عمل جديدة    تحفيزا للنمو: الصين تسعى لدعم السيولة النقدية    لجنة المالية تقرّر الاستماع إلى وزيرة المالية    الكاف: اتحاد الفلاحة يطالب المزوّدين بتوفير مستلزمات الموسم    مدنين: لقاء حول "درع جربة" ضمن مشروع "ماكلتي تونسية"    تكريم المسرحي السعودي ابراهيم العسيري في المهرجان الدولي للمسرح وفنون الخشبة بالمغرب    نائب بالبرلمان: "لا مانع من تعديل القانون الانتخابي حتى يوم الانتخابات نفسها"    الصغيري: مجلس القضاء المؤقت عبّر عن رفضه تعديل القانون الانتخابي    مهرجان الإسكندرية المسرحي : تتويج مسرحية تونسية    معاناة إنسانية كارثية في قطاع غزة    الحماية المدنية 471 تدخل منها إطفاء 40 حريق    قابس: تقدير صابة الزيتون لهذا الموسم ب70 ألف طن    القطاع البنكي التونسي: تماسك مالي يعزز الاستقرار الاقتصادي    الاحد القادم - سوسة : انقطاع التيار الكهربائي في هذه المنطقة    في السعودية: وزارة الصحة تقدّم تلقيح ''القريب'' في المنازل    الرابطة الأولى: برنامج وحكام الجولة الثالثة    عام 2100: وضع المناخ مخيف وهذا ما ينتظر البشرية...    عاجل : صاحب أغنية ''كأس العالم 2010 '' الشهيرة متهم بالاعتداء الجنسي    تفاصيل : الشركة التونسية للشحن والترصيف تتسلم معدات جديدة    مجلس الوزراء يوافق على عدد من مشاريع المراسيم والقوانين والاوامر    قربة: العثور على شخصين سقطا في حفرة عميقة...أحدهما على قيد الحياة    تونس تعاني نقصا في أدوية السرطان    اليوم: جلسة عامة بالبرلمان للتصويت على تنقيح القانون الانتخابي    رغم الانتقادات اللاذعة.. تنفيذ ثاني إعدام بالنيتروجين في تاريخ الولايات المتحدة    وزير خارجية لبنان يدعو لتطبيق المقترح الأمريكي الأوروبي لوقف إطلاق النار بشكل فوري    وزير الشؤون الخارجية يلتقي نظيره اللبناني ونظيرته الجامايكية    هذا موعد انطلاق حملة التلقيح ضد 'القريب'    بلينكن: تصعيد الصراع مع لبنان يعقد عودة المدنيين    خطبة الجمعة...المسؤولية أمانة عظمى    اسألوني    مدينة مساكن .. أجيال أسسوا تاريخها وشيدوا حاضرها    وزارة الرياضة تعلن عن هذا القرار بخصوص ملعب رادس    في ديوان الإفتاء: إمرأة أوروبية تُعلن إسلامها    معرض الرياض الدولي للكتاب ينطلق اليوم ودور نشر تونسية في الموعد    مدير عام وكالة الدواء: سحب كميات من المضاد الحيوي "Augmentin" اجراء احتياطي ومتبع في كل دول    الارض تشهد كسوفا حلقيا للشمس يوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الظلم والثورة
نشر في الصباح يوم 09 - 06 - 2011

حدّث العلامة عبد الرحمان بن خلدون قال: « أن حصول النقص في العمران عن الظلم والعدوان، أمر واقع لابد منه لما قدمناه و وباله عائد على الدول و لا تحسن الظلم إنما هو أخذ المال أو الملك من يد مالكه من غير عوض ولا سبب كما هو المشهور بل الظلم أعم من ذلك.
وكل من أخذ ملك أحد أو غصبه في عمله أو طالبه بغير حق أو فرض عليه حقا لم يفرضه الشرع فقد ظلمه فجباه الأموال بغير حقها ظلمة والمعتدون عليها ظلمة و المنتهبون لها ظلمة والمانعون لحقوق الناس ظلمة وغصاب الأملاك على العموم ظلمة، ووبال ذلك كله عائد على الدولة بخراب العمران الذي هو مادتها لإذهابه الآمال من أهله. واعلم أن هذه هي الحكمة المقصودة للشارع من تحريم الظلم وهو ما ينشأ عنه من فساد العمران وذلك مؤذن بانقطاع النوع البشري وهي الحكمة العامة المراعية للشرع في جميع مقاصده الضرورية الخمسة من حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال» (ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب و البربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر .)
ان استحضار هذه العبارات اليوم يرمي للتأكيد على مسالة مصيرية يجب أن يتنبه لها «الناقل الديمقراطي» في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ البلاد التونسية والتي باتت تعرف بمرحلة «الانتقال الديمقراطي» باعتبارها -حسب تعريف متداول- مسار سياسي تدريجي يهدف إلى المرور من نظام استبدادي الى نظام ديمقراطي.
تتمثل هذه المسألة في وجود إحساس بالظلم لدى جزء غير يسير من الشعب التونسي، خلفته دولة الاستقلال الحديثة نتيجة الاعتداء المتواصل للدولة بمختلف أجهزتها على جميع حقوق المواطنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونتيجة الفشل الذريع في التقدم بالبلاد، وهو ما لا يمكن أن تخفيه المقارنات المغلوطة مع الدول الأقل نموا فالمنطق يقتضي أن نقارن وضعنا بالبلدان التي كانت قريبة منا وتقدمت فنسأل أنفسنا لماذا تقدموا وتخلفنا
لعلنا لا نبالغ إذا قلنا أن السبب الرئيسي يعود إلى السياسة فهي دائما مدخل الفساد وهي أيضا طريق الإصلاح وفي هذا المجال نلاحظ أن الظلم السياسي بني في بلادنا على أساس من فكر وسلوك استبدادي و استئصالي لا يقبل التعدد والتعايش مع المخالفين في الرأي, برز ذلك حين أقصي اليوسفيون وغيب ذكرهم كما غيب ذكر معظم رجال وزعماء الحركة الوطنية، ثم حوصر النقابيون، ثم اعتقل وعذب وسجن ومنع المتحزبون من أصحاب الأفكار اليسارية في السبعينات ومن بعدهم الإسلاميين في الثمانينات، لأنهم يستمدون رؤاهم وبرامجهم من مصادر غير التي يراها أولي الأمر صالحة للتونسيين
وتدعم الاستبداد بدرجة اشد خطورة في عهد بن علي الذي طور صنفا من الاستبداد دخل به التاريخ من جانبه المظلم و قد يدخل به العلوم السياسية كنموذج للاستبداد والفساد، حيث تمكن من أن يعطي نظامه السياسي وجها جميلا يتمثل في نظام ديمقراطي تعددي قائم على نصوص قانونية وطنية وأخرى مستمدة من القانون الدولي ، ليخفي به وجها قبيحا تمثل في نظام تسلطي يعتمد على هيمنة «حزب-دولة» أحيلت ملكيته إلى قلة تمكنت من بسط نفوذها بواسطته على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية
وهكذا فيما عدا بعض الفترات المتقطعة التي ما إن تفتح فيها أبواب السجون والمعتقلات حتى تغلق بعد إعادة من خرج وإضافة أفواج جديدة، كتب على تونس منذ استقلالها أن تحرم في كل مرة من جزء من شعبها، كان يمكن أن يساعد على النهوض بها لو أعطيت له الحرية ليوظف قدراته في خدمة مصلحة البلاد لان البلدان لا تبنى بجزء من الشعب بل بالشعب كله.
2- أما في المجال الاقتصادي، مثلما أنهك الاستبداد الحياة السياسية، أفشل الفساد كل البرامج والاختيارات الاقتصادية التي تم إقرارها وتطبيقها منذ الاستقلال بدءا بتجربة التعاضد في الستينات، مرورا بتبني سياسة الإصلاح الهيكلي وصولا إلى الاقتصاد المتحرر الذي استطاع التحرر من كل شيء ما عدا الفساد الذي لازمه في كامل مراحل تطبيقه وتطوره وصولا إلى اليوم فقد أدى تبني اقتصاد السوق إلى التفريط في عدة مؤسسات ومنشئات عمومية كانت تمتص جزء من اليد العاملة وتوفر مداخيل مالية هامة لميزانية الدولة وقد تم ذلك بعقود وصفقات كان رئيس الدولة هو الوسيط التجاري فيها ومستغل النفوذ بواسطة أحيانا وبطريقة مباشرة في أغلب الحالات.
ولذلك لعلنا لا نبالغ إذا قلنا انطلاقا من تاريخ الاقتصاد التونسي في دولة الاستقلال، أن السياسات الاقتصادية التي وقع اعتمادها جاءت كلها اثر أزمات حادة عرفتها البلاد ولكنها كانت تؤدي في كل مرة إلى أزمة وحتى في الفترات التي عرف فيها الاقتصاد التونسي نموا كانت أزمة الدول الشقيقة، مصدر انتعاش للاقتصاد التونسي وإنعاش للاستبداد، من الحصار الذي فرضته الدول الكبرى على ليبيا في بداية التسعينات إلى الأزمة التي عانت منها الجزائر طيلة عشرية كاملة.
لم يتمكن التونسيون تبعا لذلك من بناء اقتصاد قوي نتيجة الأسباب السالف ذكرها و التي ساهمت فيها الخديعة الكبرى التي حصلت لنخبنا السياسية والفكرية، حيث لم تكافئها الدول الغربية على ولائها بتنمية حقيقية وإنما بتنمية مغشوشة، فيها كل شيء ما عدا نقل التكنولوجيات الحديثة. والسؤال الذي يطرح اليوم بإلحاح: هو لماذا لم تقابل فرنسا مثلا ولاء بورقيبة ومن بعده بن علي بمساعدتهما على بناء اقتصاد تكون الصناعة الحديثة والمتطورة محوره؟ وإذ نكتفي في هذا السياق بطرح السؤال دون البحث عن إجابة مفصله فانه لا يعسر أن نستنتج أن التبعية العمياء للدول الغربية منذ الاستقلال أدت بنا إلى خسارة مضاعفة فلا ديمقراطية تحققت، ولا حقوق إنسان احترمت ولا تنمية اقتصادية مستدامة حصلت
وكانت نتيجة هذا الظلم السياسي والاقتصادي ضياع جل الحقوق وفقدان الشعب ثقته في الدولة وفي إمكانية إصلاح ما فسد، لأنها لم تعد تمثل له سوى «عصابة سراق» وانتهى الأمر إلى ثورة في ظاهرها اجتماعية وفي باطنها رفض للظلم بجميع مظاهره، ترجمته القولية تجلت بوضوح في عبارة «ديقاج» التي رفعت قبل الثورة ولا تزال ترفع اليوم وسترفع في وجه كل من لم يستشعر الظلم الكبير الذي وقع على التونسيين ولم يسع لرفعه في هذه المرحلة، فما بالك بمن يسعى لتأبيده وهذا عين الظلم للثورة.
* حقوقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.