"تصريح غير مسؤول " كان هذا جزءا من رد معز السناوي الملحق الاعلامي لدى الوزير الاول في أول رد فعل على القنبلة الاعلامية التي فجرها السيد فرحات الراجحي وزير الداخلية السابق وهو رد لا يكاد يختلف في شيء عن ردود طالما لجأ اليها النظام السابق لتبرير مواقفه عندما كان يصر على مواجهة الانتقادات الموجهة لسجل حقوق الانسان الاسود في تونس بنفس العبارة " بأننا لا نقبل دروسا من أي كان ". وبعيدا عن الوقوع في متاهات البحث عن أبعاد تصريحات الراجحي أو تحميلها أكثر أو أقل مما تحتمل فالامر ممكن في الحالتين، فإن الارجح أن تجارب الاشهر الماضية التي مرت بها البلاد منذ ثورة الرابع عشر من جانفي لم تساعد كثيرا في الاستفادة من دروس الماضي وبالتالي كسر الحواجز الصلبة التي لا تزال قائمة بين الحكومة وبين السواد الاعظم من الرأي العام بما يجعلنا اليوم أمام أزمة ثقة مرجحة للتفاقم في حال استمر الوضع على حاله من غياب للتواصل المطلوب في مواجهة حالات لا مجال معها للتلكؤ أو التجاهل أو التردد في اتخاذ موقف واضح وصريح. والامرلا يتعلق بالتجني على مسؤول الاعلام لدى رئيس الحكومة المؤقتة أو تحميله مسؤولية وحده ازاء تداعيات التسجيل الذي حمل توقيع وزير الداخلية السابق الذي فجر أكثر من قنبلة في ان واحد دون أن يقدم التوضيحات بدوره عن دوافعه من وراء تلك التصريحات أو عن توقيتها ولكن بالدفع الى تحمل كل طرف من الاطراف مسؤوليته لا سيما فيما يتعلق بالشفافية المطلوبة في التعامل مع قضايا لا تخلو من الحساسية المفرطة بما يمكن أن يتحول الى فتنة غير محسوبة العواقب في البلاد..ولاشك أن حكومة السيد الباجي قائد السبسي كان يجب أن يكون أكثر وضوحا وجرأة و اصرارا على كشف ما خفي من حقائق للراي العام وعدم الاقتصار عند اصدار بيان رسمي لا يشفي رغبة الرأي العام المتعطش لاجوبة ترفض أن تأتي بشأن أكثر من قضية مصيرية في تاريخ البلاد. على طريقة "تينيليكس" تحول الوزيرالسابق الى نجم اعلامي ولكن دون أن يصل الى مرتبة النجم السياسي التي لا يزال يفصله عنها الكثير.. طبعا لا نريد العودة لاستبطان ما وراء النوايا في تصريحات الوزير السابق الذي اختارعن قصد أو عن غير قصد الفايسبوك لتفجير قنبلته الاعلامية التي تفرد بها الراجحي هذه المرة فنجح وعلى مدى الساعات القليلة الماضية في تصدر مختلف العناوين الصحفية والفضائيات المحلية وحتى الخارجية بشكل لم يسبق له غيره في وسائل الاعلام منذ يوم الرابع عشر من جانفي يوم فرار الرئيس المخلوع فجأة ودون سابق. فقد تسابق مختلف المحللين والاعلاميين والسياسيين وغيرهم الى تقديم قراءاتهم وتأويلاتهم للتسجيل الذي استأثر ولا يزال باهتمام الخاصة والعامة كل من زاويته والارجح أن هذه القراءات والتأويلات لن تنتهي قريبا وستجد ما يغذيها في مختلف الاوساط الشعبية والرسمية سواء تعلق الامر بالبحث في دور المؤسسة العسكرية في المرحلة القادمة أو كذلك بحقيقة وجود حكومة ظل تعمل عن بعد عبر الريموت كونترول أو بما بات يروج من احتمالات اللجوء الى سيناريو الجزائر وكأن نتائج الانتخابات باتت واقعا محسوما والحال أن أكثر من شهرين لا تزال تفصلنا عن هذا الاستحقاق الانتخابي الذي يأمل الشعب التونسي بمختلف فئاته أن يكون موعد الحسم للانتقال الى مرحلة جديدة تتكرس معها أهداف الثورة التي نادت بالحرية والعدالة والكرامة فنجد أنفسنا وبدلا من ذلك في مواجهة خطر نعرة الجهويات وما يمكن أن تحمله في طياتها من انقسامات وفتن بين أبناء البلد الواحد.. شيء ما أعاد الى الذهن مسرحية ريا وسكينة التي بدأت بإشاعات قبل أن تتحول الى جريمة حقيقية مع ظهور تسجيل السيد فرحات الراجحي الذي بدأ حتى الآن متمسكا بما صدرعلى لسانه من أقوال في اطار حديث شبه اعلامي لم يتضح ما اذا كان الوزيرالسابق نسق له من قبل ليظهر في مظهر الضحية المخدوع وهو الذي سبق وأن كسب تعاطف جل التونسيين معه خلال توليه مهام وزير الداخلية خلال شهرين وهي مدة حقق خلالها الراجحي بعض من انجازات لا يستهان بها ولكن دون أن تصل في الواقع الى ما يأمل التونسيون في تحقيقه من عودة للامن والاستقرار في البلاد. فاذا كان الوزيرالمحاط بأعوانه وحراسه معرض للاعتداء في مقره الامني فكيف للمواطن العادي أن يشعر بالامن حيثما يكون... أخيرا وليس آخرا فعسى أن يكون حرص مسؤولي الحكومة وغيرهم من المسؤولين على ما ينفع البلاد أكبر من كل الحسابات والطموحات السياسية الضيقة...