في مبادرة لرئيس الوزراء البريطاني تؤكد اتساع المسافة بين الحكومة البريطانية والإدارة الأمريكية بشأن مستجدات الساحة العراقية، أعلن غوردن براون عن خفض كبير بحوالي النصف في عدد القوات البريطانية العاملة في العراق والتي تتجاوز بقليل الخمسة آلاف مجند، مع حلول الربيع القادم. ويبدو أن براون خلافا لسلفه بلير يأخذ بعين الاعتبار في جانب كبير من قراره حول العراق، موقف الشارع البريطاني الرافض لهذه الحرب... حيث تجنّد الرأي العام هناك منذ غزو العراق للوقوف ضد هذه الحرب والمطالبة بالانسحاب الكامل والانتهاء منها. لقد دفع توني بلير رئيس الحكومة السابق من شعبيته الكثير بسبب مواقفه اللصيقة بقرار الإدارة الأمريكية ودعمه اللامتناهي لسياسة بوش في العراق رغم معارضة الشارع البريطاني الشديدة لهذه السياسة... ليضطر في النهاية إلى التخلّي عن منصبه والرحيل... ويبدو أن خلفه براون قد أخذ بعين الاعتبار حجم مثل هذه الضغوط من الداخل ومدى التورّط البريطاني في المأزق العراقي دون نتائج تذكر ليتخذ في النهاية قرار الابتعاد ولو بخطوات عن سياسة الإدارة الأمريكية وينحو منحى مخالفا لسياسة سلفه مراعاة لمواقف الرأي العام الداخلي.. وتملّصا من مواقف أمريكية دفعت أكثر من دولة حليفة إلى مشاركتها في غزوها للعراق مقابل مكافآت مجزية. لقد أصبح الحديث عن الانسحاب الجزئي أو الكلي... من العراق... وتسليم القيادات الأمنية للعراقيين أنفسهم والاكتفاء بتدريب هذه العناصر الأمنية ومدّها بالمعدّات والتجهيزات الضرورية للحفاظ على الأمن في البلاد من المسلمات بعد أن كانت مثل هذه الفرضيات من المحرّمات في السنوات الأولى للغزو. ومن بوادر هذا الإنكفاء العسكري في العراق... ما أكده براون ذاته من إحداث برنامج لمساعدة العراقيين الذين عملوا لصالح بريطانيا إبان احتلال العراق وتمكينهم من تعويضات مالية هامة ومساعدتهم على الاستقرار خارج العراق بما في ذلك بريطانيا ذاتها وذلك لمكافأتهم على دورهم إبان هذه الحرب.