رئاسية 2024:انطلاق عملية الاقتراع بالخارج بمركز الاقتراع بسيدني باستراليا    باريس: وزير الخارجية يزور الجناح التونسي في القرية الفرنكوفونية    هزيمة مفاجأة لروما في الدوري الاوروبي.. نتائج مواجهات الليلة    حالة الطّقس ليوم الجمعة 4 أكتوبر 2024    ريحة البلاد ..فريال الرحوي .. عشت أياما جميلة في الخليج لكن تونس وطني الذي لا أنساه    في مصر .. مشاركة تونسية في «دورة الشاعر محمود بيرم التونسي» ... معرض فنون تشكيلية، مسامرة شعرية ومداخلات فكرية !    خطبة جمعة..مكانة المسنين في الإسلام    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    علمتني الحياة..صابرين بن علي.. الحب كاف لنجاح أي علاقة إنسانية    بنزرت الجنوبية: العثور على كهل مشنوقا    مع الشروق .. العدوّ يتهيّب من التصعيد وعودة إلى الوساطة وحلّ الدولتين    قفصة: تحديد تاريخ 14 أكتوبر الجاري لافتتاح موسم جني الزيتون بالجهة    المنتخب التونسي للاضاغر لكرة اليد يشارك من 7 الى 9 نوفمبر المقبل في دورة تيبي الفرنسية    "حزب الله": مقتل 17 ضابطًا وجنديًا في صفوف العدو الصهيوني خلال مواجهات اليوم الخميس    شبكة "مراقبون" : لن نتمكن من ملاحظة الانتخابات الرئاسية    غاب عنها لاعبو الريال والسيتي.. "اليويفا" يعلن عن التشكيلة المثالية للجولة الثانية من دوري الأبطال    قاما بنقل مهاجرين أجانب لمساعدتهم على الحرقة: إيقاف نفرين بتهمة الإتجار بالأشخاص في نابل    اقرار الحكم الابتدائي في حق العياشي زمال    الرابطة المحترفة الاولى (الجولة 4): النتائج الجزئية    تصفيات كأس افريقيا: مدافع الترجي الرياضي محمد أمين توغاي ضمن قائمة المنتخب الجزائري في مواجهة التوغو    حي النصر: ايقاف زوجان من أجل تبييض الأموال باستغلال النشاط الجمعياتي وجمع تبرعات مالية دون موجب قانوني    وزير النقل : طائرة ''التونيسار'' هي الوحيدة التي تمكنت من الهبوط في مطار بيروت    وزارة الصحة: تونس لم تسجل اية حالة محلية حاملة للمالاريا منذ 79 وكل الحالات المسجلة هي بالاساس قادمة من الخارج    منصة تونسية تساعد على تشخيص الامراض الوراثية النادرة تفوز في مسابقة الافكار للمعهد الفرنسي    إلى موفى سبتمبر: تحويلات الجالية التونسية تناهز 6 مليار دينار.    ما قصة حظر بيع التبغ لمواليد 2006-2010 ؟    عاجل/ بسبب مياه ماجل: إصابة طفل بجرثومة "الشيغيلا" في هذه الجهة    مكتب البرلمان ينظر في الاستعدادات لانطلاق الدورة العادية الثالثة    الفيلم التونسي ''برج الرومي'' في مهرجان الجونة السينمائي    وائل شوشان يشارك في فعاليات الدورة الرابعة لمنتدى أعمال الطاقة والمناخ بالقاهرة    منوبة: تفكيك شبكة تنشط في ترويج المخدرات وحجز أموال وأقراص مخدرة    مرناق : وفاة عامل بناء أثناء قيامه بأشغال بحضيرة    الهجوم الصاروخي الإيراني ألحق أضرارا جسيمة بقاعدة "نيفاتيم"    الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يلتقي بن فرحان: هاجمنا إسرائيل بعد وعود كاذبة بوقف النار بغزة مقابل ضبط النفس    رئاسية 2024 : غدا انطلاق التصويت للتونسيين بالخارج    المصارعة التونسية وفاء المسغوني تتوج بالميدالية الذهبية    نقل 102 تونسيا وذويهم من لبنان إلى مطار عمان    المنستير: "الاكتئاب والعلاج بالفن" موضوع الدورة الثالثة للمؤتمر الدولي للعلاج بالفن    منوبة: حجز أكثر من 6 أطنان من الموالح والتمور غير صالحة للاستهلاك    سوسة/ الاحتفاظ بنفر من أجل المسك بنية الاستهلاك والترويج لمادة مخدرة    عاجل/ الفتاة حامل: بطاقة ايداع بالسجن في حق أستاذ اغتصب تلميذة 16 سنة..    سبيطلة : حريق بمحل لبيع المحروقات المهربة    تونس تتجاوز بنجاح اختبار سداد الديون الخارجية    عاجل: اخر مستجدات عمليات البحث عن مفقودي حادثة غرق مركب "حرقة" بجربة..    الرابطة الأولى: برنامج النقل التلفزي لمواجهات اليوم من الجولة الرابعة ذهابا    أخبار اتحاد تطاوين ..عزم على التدارك بدعم من الأحباء    كاتب الدولة للموارد المائية : المنشات المائية وتحديد الاولويات ساعد تونس على مجابهة ومقاومة تتالي سنوات الجفاف    هذه الدولة تدعو رعاياها الى مغادرة لبنان..    المهدية: فريق حملة المترشح زهير المغزاوي ينظم مقهى سياسيا لطرح رؤى مرشحهم الانتخابية    سبل تطوير أداء ديوان الطيران المدني محور جلسة عمل بوزارة النقل    المقاومة في اليمن تهاجم تل أبيب بالمُسَيّرات    مفتي الجمهورية: يوم الجمعة (4 أكتوبر الجاري) مفتتح شهر ربيع الثاني 1446 ه    محمود الجمني رئيسا للجنة تحكيم مهرجان نواكشوط السينمائي في نسخته الثانية    عروض سينمائية ومعارض فنية وورشات في الدورة الخامسة من مهرجان سينما للفنون    درّة زروق تكشف كواليس تجربتها الأولى في ''الإخراج''    رئاسية 2024 : تونس .. التاريخ والحضارة    عاجل : الأرض تشهد كسوفا حلقيا للشمس اليوم    بينهم لطفي بوشناق: مهرجان الموسيقى العربية يكرم رمزا أثروا الساحة الفنية في العالم العربي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الحبس كذّاب والحيّ يروّح»
البعد الآخر
نشر في الصباح يوم 29 - 04 - 2009

كنت أقرأ للسيّد فتحي بن الحاج يحيى على صفحات النّات ورغم حدسي حول الطّاقة الإزعاجيّة الراقية لما يكتبه لم أكن أتوقّع أن إصداره الأخير «ورقات من دفاتر اليسار في الزمن البورقيبي» سيكون بهذا المقدار من الإزعاج المربك!!
التوأم الثاني لخمسون بكّار والجعايبي نزل كتابةً، من نفس البطن، بنفس الأوجاع، بذات الشهيق، بالقدر ذاته من الشحنات الصّادمة، بنفس الصّرخة الأولى التي يطلقها الوليد ألما، ارتباكا أو احتفالا بالحياة.
ورقات فتحي بن الحاج يحيى مزّقت رتابة التأريخ البارد للأكاديموس حين يوغل في ولوج بعض وقائع التاريخ بأدوات ومناهج العلم الصّارم الى حدود البلادة، كانت الورقات علميّة بكثافتها الإنسانية، أكثر دقّة من الوضعانيّة الباردة في غمرة غوصها في السوسيولوجيا والإيديولوجيا.
لم يستعمل فتحي بن الحاج يحيى ماركس أوفيبر أوبورديو ليعرض لنا الخلفيّة الطبقيّة والثقافية لتجربة اليسار التونسي متدرّجة من جيلها «البريسبكتيفي» الأوّل الى جيل «العامل التونسي».. الثاني.
كانت كلمات «زينوبة» (المخنّث الذي شارك مجموعتي 68 و75 من مساجين اليسار التونسي فضاءهم السّجني..) كافية لشرح هذه الخلفيّة دون إطالة أو تعقيد يبحثان عن وجاهة المصطلح ليعوّضا فقر المعنى: جيل 68، جيل نقّاش وبن خضر، الجيل الذي التقى بالماركسيّة في باريس كان جيل «دجنتلمان» «فينُو» «رُقّي»، أمّا اللاّحقّون في 75 القادمون الى الماركسيّة من أريافهم ومن كل فج عميق متحمسين لزواج القوميّة العربيّة بالماركسيّة، مرتابين من الأمميّة المبالغ فيها لأصحاب الوثيقة الصفراء من المؤسسين فكانت زينوبة واضحة في تصنيفها لهم: «أفعار»!!
من لحظة الإلتزام التنظيمي الأوّل بطقوسها الساحرة في عيون شباب اعتقدوا أنهم وضعوا أقدامهم على المربّع الأوّل لرحلة تغيير العالم بادئة بالإتفاق على علامة مميّزة في اليد وكلمة سرّ باهتة للتعارف مع الرفيق المشرف، من هذه اللّحظة الى فاجعة الإحساس بالعجز أمام الجلاّد في محلاّت التعذيب، عَجْزُ مَنْ تطوّع للنّضال من أجل حماية الطبقة العاملة والجماهير الكادحة ليجد نفسه في لحظة مجنونة غير قادر على حماية أكثر مناطق جسده حميميّة!!
يدوّخنا فتحي بن الحاج يحيى وهو يتجوّل بنا بلا رأفة أو شفقة، بلا شعارات أو فتوحات في الجمل والاستنتاج تُعينُنَا على حماية أنفسنا من الوقوع في فخّ ادانة من أرادنا أن ندينه او التعاطف مع من اراد ان نتعاطف معه، لم يترك لنا الفرصة للبحث عن المبرّرات والدوافع وتصنيفات الصحة والخطأ. دخل بنا كل الغُرَف ليتركنا فيها أيادينا على أفواهنا دون أن نعرف ان كان ذلك اعجابا بالمسخرة أو تعاطفا مع الفجيعة، حتى بورقيبة كم كانت غرفته مبهرة، لقد كُتِبَ عنه الكثير لكن ما وصفه فتحي بن الحاج يحيى من تفاصيل لقائه بمساجين العامل التونسي في مكتبه المكتظ بالوزراء والمسؤولين والحرس والشباب الحالم ودور الماجدة الفائض على التاريخ المعاصر للدولة الوطنيّة، كان وصفا مبهرا في قدرته على تلخيص طبيعة الزعيم ونظامه من خلال سرديّة حوار سريالي كانت أكثر لحظاته كثافة سرياليّة حين زمجر الزعيم في وجه هؤلاء الشباب الذين ألحوا أمامه على قضايا حقوقهم المدنيّة والسياسيّة بكثرة الاستشهاد بالفصل الثامن من الدستور قائلا «أيّ توة انّحِي والديه ها الفصل الثامن»، قبل «أن تنبّهه الماجدة الى أنه يحدّث وزراءه، فأمرهم بالابتعاد ليتمكن من الفرز بين الوزراء وشباب العامل التونسي».
لم يفارقنا شيطان صاحب الورقات مصرا على تحويل القراءة الى وليمة بلذّة من يدخل فضاء التأريخ للتجربة السجنيّة بمقدّمة أكثر الترانيم ظرافة في وعينا الجمعي، تلك التي لا يمكن أن تكون غير أغنية صالح الخميسي «في بودفّة شبحتنا» لكن ليسمح لي الصديق فتحي أن أروي له الظروف التي أحاطت بأغنية الخميسي، تلك التي غنّاها بعد ان قُبِضَ عليه وأُودِعَ السجن بتهمة عدم «خلاص مأكول».
لقد دخل صالح الخميسي ملعب كرة القدم ليشاهد مباراة فريقه المفضّل ثم ذهب ببراءة أهل البادية لشراء بعض «المقروض» أثناء استراحة الشوطين، أكل ولم يدفع ظنا منه ان تقديم المقروض في الملعب هو جزء من الخدمات المجانيّة التي توفرها له تذكرة الدخول، كان مصيره «بودفّة».
جيل كامل من هؤلاء اليساريين ارتكب نفس الخطأ.. ظنّوا أن حرية التعبير والمعارضة جزء من نفس الخدمات المجانيّة التي قدمتها لهم الدولة حين عَلّمتهم، كان عليهم أيضا تماما كما الخميسي.. أن يدفعوا الثمن.
شكرا سيّد فتحي، منذ سنوات لم ألتهم كتابا في ظرف ليلة واحدة، كم كنت شيّقا وأنت تصف مناخات برج الرومي و9 أفريل التي استقبلت أفواجا متلاحقة من العائلات السياسية من يوسفيين وقوميين ويساريين واسلاميين ونقابيين، سرديّتك التونسيّة كانت أكثر انسانيّة وهي تُعْلِي المسخرة على الفجيعة مقارنة بسرديّات أخرى شبيهة وجدتها مثلا في كتابة السجون المغربيّة تلك التي جالت بنا بين القصص المرعبة لدرب مولاي الشريف وفيلا المقرى ومعتقل تازارمات وسجن القنيطرة.
شكرا سيّد فتحي وأنت تذكّر بأسماء يحقّ لتونس أن تفتخر بها، نور الدين بن خضر، جلبار نقاش وعائلات يهوديّة بقيت وفيّة لتونسيّتها من أكثر زواياها تسامحا وتضامنا وتنويرا، عائلات «شيش» ونقّاش وللّوش وعدّة.
شكرًا لهديّتك سي فتحي!!... قلبي مع من لم يكن حبسه كذّابا!!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.