القدس في خطر حقيقة قائمة لا تقبل التشكيك او الالتباس وقد تجاوز الخطر كل الخطوط المعلنة منذ احتلال المدينة المقدسة قبل اكثر من اربعة عقود مع استعداد جيش المستوطنين المتطرفين لاجتياح مقدساتها والعبث بهويتها العربية الاسلامية والمسيحية المتوارثة منذ اربعة عشر قرنا. وعوض ان تكون القدس التي اعلنت عاصمة للثقافة العربية لهذا العام عنوانا للاحتفالات وطريقا لاستعادة الحق المسلوب فانها تعيش بدلا من ذلك في مواجهة اسوإ وابشع انتهاكات الاحتلال الاسرائيلي... ليس مهما بالنسبة للاحتلال ان تكون القدس جزءا من اراض محتلة وان تخضع لاحكام القانون الدولي العام والقانون الدولي الانساني وقانون حقوق الانسان وان تنطبق عليها احكام اتفاقية جنيف الرابعة ذلك ان اسرائيل التي قامت بموجب قرار من الاممالمتحدة كانت ولاتزال فوق كل القوانين والاحكام والاعراف التي ما انفكت تستهزئ بها وتتطاول عليها. والواقع ان الخطر الذي يستهدف الاقصى لا يتوقف عند حدود الحملات العنصرية لعصابات المستوطنين اليهود المتطرفين القادمين من الجبال الروسية واستفزازاتهم المستمرة لاجتياح المسجد الاقصى احد اهم المقدسات الاسلامية واقامة شعائرهم التلمودية في محيطه تزامنا مع احتفالات اليهود بعيد الفصح بل إن كل هذه التحركات ليست سوى جزء من مخططات اوسع واشمل لتهويد المدينة وتهجير اهلها المقدسيين مسلمين ومسيحيين تمهيدا للقضاء على هويتها الحضارية العربية الاسلامية. و لعل في هذا الاصرار على تقاسم الادوار بين السلطات الاسرائيلية الرسمية ممثلة في مختلف الحكومات المتعاقبة ومشاريعها الاستيطانية السرطانية وحفرياتها المتواصلة في كل شبر من المدينة فضلا عن التضييقات والانذارات المستمرة لسكان المدينة العرب باخلاء بيوتهم والاشعارات اليومية لهم بالهدم والطرد ليست سوى توطئة لفسح الطريق امام جحافل المستوطنين المتطرفين المدججين بالسلاح لتنفيذ الاجتياح الذين يستعدون له منذ فترة بتعبئة اجيال من المتطرفين ممن توارثوا شعار بن غوريون بانه " لامعنى لاسرائيل من دون القدس ولامعنى للقدس بدون الهيكل". فليس سرا بالمرة ان هذا الهجوم الذي يستهدف القدس اليوم والذي يعتبر الاخطر على المدينة منذ النكسة قد سبقته حملة اعلامية دعائية مكثفة لا تخلو من الخبث والدهاء كانت حاضرة في مختلف وسائل الاعلام الاسرائيلية التي استبقت الجريمة ومهدت لها لترويجها لدى الراي العام الدولي كتظاهرة دينية يهودية بريئة. ولاشك ان ما تشهده مدينة القدس اليوم من عدوان همجي منظم يستهدف مقدساتها يبقى رسالة واضحة المعالم تكشف حقيقة النوايا المعلنة والخفية للحكومة الاسرائيلية اليمينية ولزعيمها المتطرف ناتنياهو وسفيره العنصري الى العالم الخارجي ليبرمان الذي يرفع شعار القدس عاصمة ابدية لليهود... وفي انتظار صحوة انسانية تابى ان تتحقق تبقى استغاثة القدس المكتومة قائمة تبحث لها عن صدى لدى الضمير العالمي الغائب ... صحيح ان اسرائيل لن تقدم على طرد كل المقدسيين وستحرص على بقاء عدد محدود من هؤلاء لسبب بسيط من شانه ان يمنح الحكومات الاسرائيلية ما يوفر لها تلميع صورتها وتوفير الغطاء المطلوب لها والادعاء بان القدس رمز للتعايش والتنوع بين اليهود والمسلمين...!