دور الدولة يبقى هاما في مجال التشغيل لضمان التوازنات الهزة المالية العالمية حاليا لا تعنينا بشكل مباشر ولن تؤثّر على سير المفاوضات الاجتماعية الجارية تونس الصباح: في إطار متابعة توصيات الندوة الوطنية للتشغيل والمستجدات على مستوى المفاوضات الاجتماعية، وبعض المشاغل المتصلة بالأزمة المالية العالمية الحاصلة أخيرا وجملة الاجراءات المتخذة في تونس تحسبا لكل طارئ ،وتوقيا من احتمال تداعيات هذه الأزمة على تونس، وأيضا بخصوص حركية سوق الشغل، والتشغيل كان ل"الصباح" لقاء خاص بالسيد عبيد البريكي الأمين العام المساعد في الاتحاد العام التونسي للشغل المسؤول عن التكوين النقابي والتثقيف العمالي باعتباره عضو اللجنة الوطنية لإعداد الاستشارة الوطنية حول التشغيل وأجرت معه الحوار التالي: * باعتبارك عضو اللجنة الوطنية لإعداد الاستشارة حول التشغيل، هل من تقييم أولي لها؟ - لقد انطلقت الاستشارة الوطنية حول التشغيل بتشكيل لجنة كان الاتحاد العام التونسي للشغل ممثلا فيها بالإضافة إلى عدد من ممثلي مكونات المجتمع المدني ومن الخبراء ومن أصحاب المؤسسات، وانطلقت أشغال اللجنة في فضاء الهيئة العليا لحقوق الإنسان وبتسيير من رئيسها السيد منصر الرويسي. وقد كنا في الاتحاد سجّلنا ايجابا التشريك الواسع لمعالجة مسألة التشغيل من جهة ووضعها تحت رئاسة الهيئة العليا لحقوق الإنسان إذ أنّ التشغيل شأن وطني يعني الجميع، فضلا عن أنه حق أساسي من حقوق الإنسان لا يمكن أن يعالج إداريا بين أروقة مؤسسات الوزارات ولكن، ونحن نؤكّد على أهمية المشاركة اقتناعا منا بأهمية الحوار في هذه المرحلة بعيدا عن القرارات الأحادية الجانب، وخاصة في القضايا ذات الأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ونحن أيضا إذ نحذّر من سدّ منافذه لأن ذلك لن يؤدي إلا إلى مناخ متوتّر يستحيل التفاعل معه، فإننا نشير إلى أن التشريك لا يجب أن يؤدي إلى التنظير لثانوية مسؤولية الدولة فمشاركة مكونات المجتمع والأحزاب السياسية ليس للتقليص من دور الدولة تمهيدا لانسحابها من مهمتها التعديلية في القضايا الاجتماعية. إن التشغيل سياسة والسياسة تجسمها الدولة وتتنزّل في إطار خياراتها السياسية. * هل يعني ذلك أن الدولة هي المسؤولة الأولى عن التشغيل؟ - أجل، إن التشغيل في علاقة، طبقا لتنظيرات المختصين بسياسة الاستثمار، والدولة هي المسؤولة عن مناخه وعن الحوافز الداعمة له، والتشغيل في علاقة جدلية مع منظومة التربية والتكوين والدولة هي التي تسطّر السياسات المنظمة للشأن التربوي والتشغيل في علاقة بآليات وببعث الانتداب وبالعدالة الاجتماعية ويبعث المؤسسات وهي المخطّطة لكل ذلك ولكن في إطار التشاور والحوار مع كافة المعنيين بسياسة التشغيل. * إنها الندوة الثانية أو الاستشارة الثانية التي تلتئم خلال عشر سنوات حيث انتظمت الأولى سنة 1998 وها هي الثانية تنعقد سنة 2008، فكيف تقيمون ذلك؟ - لقد كنا أكّدنا خلال الإعداد للاستشارة على ضرورة اعتماد تقييم موضوعي لتطوّر سوق الشغل ولمآل الإعلان الوطني حول التشغيل الذي أمضته المنظمات المهنية والأحزاب السياسية، لأن التقييم آلية علمية لرصد الإيجابيات من أجل تثبيتها والوقوف عند النقائص لتجاوزها. إن الاستشارة تلتئم اليوم والنسبة المعلنة للبطالة هي في حدود 14% بينما كانت سنة 1998: 16% أي أن البطالة تقلّصت خلال عشرة سنوات ب2% وبمعدل 0,2% سنويا، بالإضافة إلى أن التقديرات الرسمية تؤكد على أن البطالة ستظل بنسبة رقمين إلى حدود سنة 2016، وهو واقع يستدعي مزيدا من التفكير والدراسة إذ كيف تتقلص البطالة بهذه النسبة المحدودة بينما نتحدّث عن نسب نموّ مرتفعة وعن استثمار مدروس ومنظم وعن نظام تربية وتكوين متلائم وسوق الشغل وعن آليات تشغيل مجدية وفعالة. * وعن آليات بعث المؤسسات الصغرى والمتوسطة؟ - لم ننكر يوما في الاتحاد العام التونسي للشغل جدية محاولات النهوض بالتشغيل وكلنا نبّهنا مرات إلى أهمية دور الدولة وإلى ضرورة مراجعة مكونات تحريك سوق الشغل من أجل ضمان التوازنات في أبعادها المختلفة. فلنزجع إلى الوراء قليلا لنتأمّل في واقع الجهات، سنرى بوضوح انتصاب أقطاب مشغلة: إذا تحدثنا عن قفصة تحدثنا عن المناجم وإذا تحدثنا عن باجة والشمال الغربي تحدثنا عن معمل السكر، وفي بنزرت الفولاذ وفي القصرين الحلفاء. أين هي هذه الأقطاب المشغلة اليوم، وحتى إذا استمرت في التشغيل فبثلث طاقتها الأصلية. هل أن المؤسسات الصغرى التي بعثت وتبعث هي في حجم استقطاب القادمين على الشغل إضافة إلى أولئك الذي غادروا مواطن شغلهم نتيجة التحولات الطارئة والتي منها إعادة هيكلة هذه المؤسسات؟ ثم هل أن باعثي هذه المؤسسات مختصون في مجال النشاطات التي تخوّل لهم؟ ما هي علاقة مجاز في العربية بمقرّ هاتف أو ما هي علاقته بمشروع فلاحي؟ شاب أنفقت عليه المجموعة الوطنية أموالا طائلة لتوظف إجازته لإقامة مشروع لا علاقة له باختصاصه الأصلي. ألم يكن من الأفضل تمكينه من بعث هذا المشروع منذ البكالوريا أو حتى قبل حصوله عليها وبذلك نكون قد تجنّبنا نفقات إضافية؟ * في ضوء ما طرحتم من إشكالات وفي ظل تعقد الأوضاع الاقتصادية العالمية كيف ترون سبل التجاوز للتقليص من حدة البطالة وللنهوض بالتشغيل؟ - بكل موضوعية أقول إن الوثائق المنبثقة عن الندوة قد تضمنت جملة من الحلول في شكل توصيات هامة. فالحلّ ليس في البحث عن تشغيل هشّ وعن أشكال لا نمطية للعمل وعن إرساء مؤسسات لا همّ لها سوى المتاجرة باليد العاملة بل إن الحلّ ليس في انتهاج سياسة تربوية تقصي الآخر، وخاصة النقابات من كافة أشكال الاستشارة بل إن الآفاق في تعدّد قنوات الحوار الواعي المسؤول والبنّاء، إضافة إلى البحث عن آليات الارتقاء بمنظومة التكوين المهني والرسكلة والتكوين المستمر. إن الحل في انتهاج سياسة استثمار تحفّز القطاعات الواعدة ذات القيمة المضافة العالية. إن جزءا من الحل يمر عبر تنظيم قنوات التجارة لأن ما نشهده من بضائع على قارعة الطريق وفي مواقع مختلفة تضرب المؤسسة المنتجة وتقضي على مواطن الشغل: لا بدّ من مناخ استثمار تتوفر فيه الشروط الدنيا من ضمان الحقوق الأساسية ومن الحريات العامة والفردية ومن ديمقراطية التعامل ومن الشفافية. تلك بعض الإشارات الضرورية في علاقة بآفاق التشغيل ولكني أودّ التعريج على قطاعات أخرى قادرة على توفير مواطن شغل إضافية وخاصة بالنسبة إلى حاملي الشهادات الجامعية: دور الشباب والثقافة. إذا تأملنا في أوضاع هذه الدور جهويا ومحليا لاحظنا فراغها الدائم وعزوف الشباب عن الإقبال عليها لأنهم لا يجدون فيها ما يلبي رغائبهم، إن الشاب اليوم يبحث عن الترفيه نعم ولكن يبحث أيضا عن نشاطات ثقافية وشبابية مستقلة، فلماذا لا تتّجه السياسة نحو إحداث نواد أدبية ينشطها ويشرف عليها مجازون عاطلون عن العمل في العربية والانقليزية والتاريخ والفرنسية... لماذا لا تبعث نواد مسرحية وموسيقية ورياضية في إطار منافسات بين الدور المختلفة... قطاع لو تمّ توظيفه يظل ذا قدرة تشغيلية عالية. * هل انعكس هذا الوضع أو سينعكس على المفاوضات الاجتماعية باعتبار احتمالات انعكاسه على اقتصاديات العالم؟ - إن المتتبّع لتصريحات أعضاء اللجنة المكلفين بمتابعة التطورات المالية يتأكد بوضوح أننا بمنأى عن الانعكاسات السلبية إذ: حسب تحاليل محافظ البنك المركزي فإن أزمة المؤسسات البنكية الأمريكية هي في الإيغال من تقديم قروض للعقارات لفئات ذات القدرة الضعيفة على التسديد مما أفرز أزمة سيولة بينما في تونس يتدخل البنك المركزي لامتصاص فائض السيولة فلا خوف على البنوك. أما وزير التنمية فقد أكّد على أن العالم قد يشهد انكماشا في مستوى النموّ بينما في تونس فإن نسبة النموّ سنة 2009 والسنوات الموالية ستظل في حدود 6% أو بين 5% و5،5%، فضلا عن أن تونس لم تنخرط في مسار انسحاب الدولة كليا من اقتصاد السوق بل إنها ستظل المسؤولة عن التعليم والصحة والتشغيل... واقع في تصوّرنا في الاتحاد يجعلنا ننتظر زيادات محترمة تستجيب لما شهدته الأسعار من ارتفاع مشط وتنشيط الدورة الاقتصادية مما يؤثر إيجابا على الإنتاج وبالتالي على حركة التشغيل، زيادات تشجّع على الترفيع في قيمتها تقلّص الدعم الذي توفّره الدولة من ميزانيتها باعتبار تراجع أسعار النفط والحبوب في العالم. * يروّج كثيرا أنك ستغادر الاتحاد العام التونسي للشغل في اتجاه إحدى المنظمات الدولية، هل من توضيح؟ - تابعت بعض الشائعات في صمت لأن البعض منها مضحك ومن ذلك إمكانية التحاقي بمؤسسة فريدريش ايبارت والمسألة لم تطرح أصلا ولكن الشائعة تخمين، غير أن ذلك لا ينفي أن تكون عرضت علي بعض المقترحات المغرية من منظمة العمل الدولية والتي لم أتفاعل معها رغم أهميتها لأني انتخبت عضوا بالمكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل وسأظل كذلك مهما كانت العروض، ولن أغادر الاتحاد العام التونسي للشغل وسأضطلع بمسؤولياتي كاملة. أيوجد أوضح من هذا!!!