أكثر من 25 ألف جمعية تنشط في تونس    البنك الدولي: تمويلات تفوق 40 مليار دولار لمجابهة تغير المناخ    تاجيل الجلسة العامة الانتخابية للجامعة التونسية لكرة السلة الى اواخر اكتوبر القادم    فتح باب الترشح لجائزة الألكسو للإبداع والإبتكار التقني للباحثين الشبان في الوطن العربي    اليوم: بداية من الرابعة مساء...إنقطاع الماء بهذه المناطق    فاقت 40% من مدخرات العملة الأجنبية: عائدات السياحة وتحويلات المهاجرين تدعم القطاع الخارجي    قبلي: استبشار مربو الماشية بتهاطل الامطار لدورها في ري الغطاء النباتي بالمراعي الصحراوية    قبل نهاية ولاية بايدن.. واشنطن لا تتوقع اتفاقاً بين إسرائيل وحماس    40 خبيرا أمميّا يطالبون بإنهاء الاحتلال في فلسطين    قفصة: إنطلاق الحملة الدعائية للمرشح قيس سعيد عبر الإتصال المباشر مع المواطنين    كأس الاتحاد الافريقي: النادي الصفاقسي والملعب التونسي من أجل بلوغ دور المجموعات    عاجل: هروب ثلاثة رياضيين تونسيين إلى إسبانيا    قرار بحل الجامعة التونسية للمصارعة والجامعة التونسية للأشرعة.    الزهروني: القبض على مُرتكب عملية ''براكاج'' لسائق '''تاكسي''    بلاغ توضيحي من الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي.    يهدد علم الفلك.. تسرب راديوي غير مسبوق من أقمار "ستارلينك"    "دريم سيتي" يحل ضيفا على مهرجان الخريف بباريس بداية من اليوم    رم ع الصيدلية المركزية: "توفير الأدوية بنسبة 100% أمر صعب"..    إنتقالات: مهاجم نادي النصر يعزز صفوف النادي البنزرتي    السيرة الذاتية للرئيس المدير العام الجديد لمؤسسة التلفزة التونسية شكري بن نصير    المنستير: قاتلة صديقها تعترف وتكشف الأسباب    سعر الذهب يتجه نحو مستويات قياسية..هل يستمر الإرتفاع في الأشهر القادمة ؟    "هنموت".. ذعر داخل طائرة مصرية (فيديو)    إنتقالات: مهاجم مانشستر يونايتد السابق ينضم لأيك أثينا    علماء يُطورون جهازا لعلاج مرض الزهايمر    ابتداءً من اليوم: الدواجن تعود للأسواق وأسعار اللحوم البيضاء في تراجع    عاجل/ عملية طعن في مدينة روتردام..وهذه حصيلة الضحايا..    الحماية المدنية تسجيل 368 تدخلّ وعدد366 مصاب    المنستير: إعترافات إمرأة قتلت صديقها    الصيدلية المركزية تواجه أزمة مالية وتقلص استيراد الأدوية غير الحياتية    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    كأس إفريقيا لكرة اليد للسيدات: تونس في المجموعة الثانية    محكوم ب100 سنة سجنا: وزير جزائري سابق يطالب فرنسا برفض تسليمه إلى سلطات بلاده    ثامر حسني يفتتح مطعمه الجديد...هذا عنوانه    Xiaomi تطلق واحدا من أفضل هواتف أندرويد    تونس تشتري 225 ألف طن من القمح في مناقصة دولية    رفض الإفراج عن الموقوفين على ذمة حادثة رفع علم تركيا فوق مبنى للشيمينو    تحذير طبي: جدري القردة خارج نطاق السيطرة في إفريقيا    مصادر أمريكية: إسرائيل خططت على مدى 15 عاما لعملية تفجير أجهزة ال"بيجر"    توزر: وضع حجر الأساس لانجاز المحطة الفولطوضوئية الجديدة بطاقة انتاج قدرها 50 "مغواط" بجانب المحطة الأولى    ارتفاع عائدات تونس من صادرات التمور    علٌمتني الحياة ...الفنانة العصامية ضحى قارة القرقني...أعشق التلاعب بالألوان... وتشخيص نبضات المجتمع    حكايات من الزمن الجميل .. اسماعيل ياسين... الضاحك الحزين(1 /2)...العاشق الولهان... والحبّ من أول نظرة !    كظم الغيظ عبادة عظيمة...ادفع بالتي هي أحسن... !    والدك هو الأفضل    كلام من ذهب...مهم لكل الفئات العمرية ... !    ارتفاع عائدات صادرات التمور بنسبة 22،7 بالمائة    الليلة.. أمطار مؤقتا رعدية وغزيرة بالجنوب والجهات الشرقية    هام/ المتحور الجديد لكورونا: د. دغفوس يوضّح ويكشف    ردا على طلب من جامعة التنس: وزارة الرياضة تؤكد عدم وجود منتخب وطني للبادل    إنقاذ مركب تعطل قبالة سواحل المنستير وإجلاء 28 مجتازا    رحلة 404 المرشح الرسمي في سباق الأوسكار    في نشرة متابعة للرصد الجوي: أمطار غزيرة تصل الى 80 مليمترا بهذه المناطق    سلمى بكار رئيسة للمكتب التنفيذي الجديد للنقابة المستقلة للمخرجين المنتجين    بنزرت:حجز حوالي 82,5طن من الخضر وإعادة ضخها بالمسالك القانونية    التمديد في آجال استقبال الأفلام المرشحة للمشاركة في مسابقة الأفلام الطويلة والقصيرة    "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"...الفة يوسف    مصر.. التيجانية تعلق على اتهام أشهر شيوخها بالتحرش وتتبرأ منه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيئة الحقيقة والكرامة: 126 رجل أعمال لم يُسدّدوا 7000 مليون دينار للبنوك العمومية
نشر في الصباح يوم 08 - 04 - 2019

- هيئة الحقيقة والكرامة تتهم البنك المركزي والبنوك العمومية باستشراء الفساد
- قدر حجم الديون المصنفة أو المشكوك في خلاصها لدى البنوك التونسية ما بين 12500 و13500 مليون دينار
نشرت هيئة الحقيقة والكرامة تقريرها الختامي الشامل في ثمانية أجزاء وهي كالآتي: عهدة الهيئة، تفكيك منظومة الاستبداد، انتهاكات حقوق الإنسان، الانتهاكات التي استهدفت النساء والأطفال، تفكيك منظومة الفساد، جبر الضرر وردّ الاعتبار، الاستشارة الوطنية حول البرنامج الشامل لجبر الضرر، ضمانات عدم التكرار.
من الصعب جدّا التطرّق إلى كلّ تفاصيل وأبواب التقرير في عدد واحد، غير أنّه في خضمّ ما يُثار منذ سنتين على الأقلّ من جدل حول انتشار الفساد وتفشيه وغياب المحاسبة الجديّة وتفكيك مواطنه وكشف رموزه، ارتأينا التركيز على الجزء المعنون ب»تفكيك منظومة الفساد»، حتى في هذا الجزء لا يُمكن أيضا التطرّق إلى كلّ التفاصيل المتشعّبة الواردة فيه. فقط سنتناول بطريقة ملخّصة أهمّ ما جاء فيه.
طبعا الصدمة ستصيب كلّ من سيقرأ ويطّلع على تقرير هيئة الحقيقة والكرامة. فككلّ التقارير التي صدرت في السنوات الأخيرة ومنذ الثورة من قبل الهيئات الرقابية الرسمية لا يمكن أن يتوقعّ ولا يتصوّر عاقل حجم الفساد وهوله، ولا يُمكن أن لا يُصاب بالدهشة أمام طرق التلاعب بموارد الدولة وثرواتها وكارثة اللوبيات وكيفية حمايتها من مؤسسات الدولة نفسها ومن من هم في مواقع القرار.
تقصّت هيئة الحقيقة والكرامة في 6 مجالات اقتصادية وهي المجال العقاري، المجال البنكي والمالي، مجال استغلال الثروات الباطنية، مجال الحوكمة الرشيدة، مجال خوصصة المؤسسات العمومية، منظومة إنقاذ المؤسسات والامتيازات الجبائية والمالية ومجال التهريب عبر التجاوزات الجمركية.
وفي هذا المقال سنتطرّق فقط إلى ما يهمّ المجال البنكي والمالي وأيضا المجال العقاري، فمن أهم «التجاوزات التي وقع تسجيلها في القطاع البنكي عمليات إسناد القروض دون ضمانات أو بضمانات وهمية، عدم استرجاع القروض، تقديم تسهيلات غير قانونية، تبييض الأموال، تمويل مشاريع وهمية..»
وكان من نتائج «مختلف هذه العمليات أن تحولت آلاف المليارات إلى جيوب فئة قليلة على حساب المجموعة الوطنية وعلى حساب قدرة الاقتصاد الوطني على النمو والاستثمار. وقد قُدّر حجم الديون المصنفة أو المشكوك في خلاصها لدى البنوك التونسية حسب التصريحات المختلفة لمحافظي البنك المركزي ما بين 12500 و 13500 مليون دينار.
وكان نصيب البنوك العمومية منها أكثر من 5000 مليون دينار أي ما يفوق 20 % من جملة تعهداتها و55 %من مجموع ديونها.
من جهة أخرى ساهمت حالة الفساد المستشري في الإدارة التونسية وسياسة المحاباة والولاءات والانتماءات في التعيين على رأس البنوك العمومية والتصرف غير المسؤول في أموال المجموعة الوطنية تدهور وضعية هذه البنوك. فقد كانت العائلة الحاكمة في نظام بن علي تتصرف في أموال البنوك العمومية وتطالبها بإسناد قروض دون ضمانات.
وقد موّلت ثلاثة بنوك عمومية شركات مرتبطة بعائلة الرئيس بمبالغ وصلت قيمتها 1750 مليون دينار وما يقارب 30 % من هذه المبالغ قدمت نقدا دون أية ضمانات للسداد ودون احترام للقوانين والمناشير المعمول بها.
وحيث أن سياسة المحسوبية وإهدار المال العام لم تكن تقتصر على الرئيس بن علي وحاشيته بل شملت أيضا مجموعة من رجال الأعمال الذين استفادوا من تسهيلات بنكية كبرى وقروض دون ضمانات بحكم نفوذهم وقربهم من دائرة السلطة. فقد تحصل 126 رجل أعمال على حوالي 7000 مليون دينار من البنوك العمومية طيلة فترة حكم الرئيس بن علي دون إرجاعها إلى اليوم.
في نفس السياق ووفق التقرير، وظف عدد من رجال الأعمال وأصهار الرئيس بن علي وأفراد عائلته الآلية الواردة بالقانون عدد 34 لسنة 1995 المتعلّق بالمؤسسات التي تمر بصعوبات اقتصادية للتحيل. فبعد الحصول على قروض ضخمة من البنوك من دون تقديم ضمانات، يتم إهدار جزء هام من هذه التمويلات لسوء التصرّف المالي أو بعد استعمالها في غير وجهتها، ولمّا تصل هذه الشركات إلى حالة العجز عن تسديد ديونها للبنوك المُقرضة يتم اعتماد آلية التسوية الرضائية التي بمقتضاها يتم الحط والشطب اتفاقيا لجزء كبير من الفوائض التعاقدية وفوائض التأخير (بلغت 83.5 % في أحد الملفات) كما يتم الحط من أصل الدين وجدولة الجزء المُتبقي منه. ثم في مر حلة أخيرة وبعد تمطيط الآجال وربح الوقت يتم اللجوء إلى آليات التسوية القضائية بعد رجوع الحالة إلى ما كانت عليه، ويقع تعيين خبير عدلي شريك ومتعاون مع منظومة الفساد لإعداد برنامج إنقاذ على المقاس، وبتوجيه من مستشار الدائر ة الاقتصادية بالقصر المنجي صفرة الذي يقدم غالبا مذكرات للرئيس متضمنة لاقتراحاته، يتم استصدار أحكام قضائية على المقاس لشطب الديون الراجعة لتلك البنوك. وهكذا تظهر العملية للعموم وكأنها عملية عادية لإنقاذ مؤسسة تمر بصعوبات اقتصادية.
من ناحية أخرى، أقرّت هيئة الحقيقة والكرامة أنّ المنظومة البنكية شكلت إحدى أهم أسلحة النظام الفاسد في الاقتصاد حيث استعملت البنوك لمعاقبة من رفض الانصياع للمنظومة والضغط عليهم للتنازل عن حقوقهم، كما شكلت في الاتجاه الآخر آلية لمكافأة أعوان النظام المخلصين.
فالمنظومة البنكية التي ساهمت في استشراء الفساد في هذا الباب تشمل البنك المركزي والبنوك العمومية والتي كانت تمثل أغلبية والبنوك الخاصة بدرجات متفاوتة. الانتهاكات في هذا المجال كلفت المجموعة الوطنية أموالا طائلة لإعادة رأسملة هذه المؤسسات. ففي سنة 2015 تكفلت الدولة بإعادة رأسملة الشركة التونسية للبنك وبنك الإسكان بمبلغ 867 مليون دينار.
ويجب الإشارة في هذا الخصوص أن محصلة البنوك العمومية من الديون المشكوك في استخلاصها تمثل 47 % من جملة الديون المصنفة للمنظومة البنكية، بقيمة 9,5 مليار دينار.
وأوضحت الهيئة أيضا أنّ أسواق الأوراق المالية لم تبق في منأى عن استغلال الفاسدين حيث قاموا بإدراج شركات لا تستجيب للشروط المنظمة للسوق المالية وبقيمة أكبر من قيمتها الحقيقية، محققين بذلك أرباحا هائلة، إلى جانب استغلال معطيات ومعلومات سرية لتحقيق منافع خاصة.
أمّا بخصوص المجال العقاري تعلقت عهدة هيئة الحقيقة والكرامة بالفترة الممتدة من سنة 1955 إلى نهاية سنة 2013. شهدت العقارات، خلال هذه الفترة أحداثا هامة وهي تأميم الأراضي، تصفية الأوقاف والأحباس، التعاضد وانتشار المضاربة العقارية.
ويعتبر سوق العقارات من الأسواق النشطة في تونس خاصة في بداية الألفية الثالثة كما تميز بمستوى سيولة مرتفع وقدرة على توفير التمويل البنكي إن لزم الأمر. إضافة لتوفر المعايير الكمية والكيفية المستوجبة، وقد ورد على الهيئة عدد هام من الملفات المتعلقة بالعقارات من انتزاع لفائدة متنفذين، حصول على مقاسم بأسعار متدنية في إطار مشاريع وهمية، تغيير صبغة أراض وتحصيل منافع، معاوضة لأسباب وهمية بنسبة تبادل غير عادلة، الاعتداء على الملك العام والخاص وتدليس عقود وإدخال تحويرات في السجل العقاري.
شملت تداعيات الفساد في المجال العقاري وفق تقرير هيئة الحقيقة والكرامة كل الأنشطة الاقتصادية من خلال ارتفاع أثمان العقارات الناجم عن عمليات مضاربة. وتسببت أعمال المضاربة العقارية في تدهور المخزون العقاري الفلاحي وسوء التصرف في الأراضي الفلاحية الدولية الممنوحة لغير المختصين عن طريق المحاباة وسوء استخدام السلطة مما انجر عنه ضعف المردودية والفشل في تأمين المنتوجات الفلاحية اللازمة لتلبية احتياجات السوق.
شكلت المضاربة العقارية أيضا قوة جذب للوراء للاقتصاد حيث أضعفت قدرة الاقتصاد الحقيقي على استقطاب الاستثمار وتوفير التمويل. وتواصلت آثار هذه الوضعية إلى ما بعد ذلك حيث يُقدّر المخزون العقاري الحالي من شقق لم يقع تسويقها، نظرا للشطط في ثمن البيع، أكثر من 100 ألف شقة بكلفة جملية تتجاوز 10 مليار دينار (%10 من الناتج المحلي الخام لسنة 2017 المقدر ب100 مليار دينار) وبالتالي لم يسترجع الاقتصاد تمويلاته.
إيمان عبد اللطيف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.