«لن أنهي حياتي خائنًا.. وليس لدي قوات أحارب بها ولكني أملك أن أقول لا، ونحن لن نفرط بالقدس»... محمود عباس. من شأن المتتبع لتصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس من القاهرة أمس أن يستشعر تعقيدات وخطورة المأزق الذي يرافق القضية الفلسطينية ومعها السلطة الفلسطينية في مواجهة المشهد الفلسطيني الداخلي الغارق في انقساماته ولكن ايضا في مواجهة التحولات الاقليمية والدولية التي غيبت القضية الفلسطينية من الاهتمامات في المنابر الاعلامية والسياسية اقليميا وعربيا ودوليا ايضا رغم خطورة المشهد الذي يصح وصفه بانه غير مسبوق بالنظر الى أن ممارسات الاحتلال تجاوزت كل الخطوط الحمراء في تجاهل تام لكل القوانين الدولية بعد أن أنست حالة الخمول واللامبالاة السائدة منذ فترة لم تعد بالقصيرة ازاء جرائم الاحتلال التي ترتقي الى جرائم الحرب والتي لا يمكن باي حال من الاحوال ان تسقط بالتقادم.. عباس لم يكشف جديدا عندما صرح بان القضية الفلسطينية تمر بصعوبات بالغة وهي صعوبات لا تخفى الا على من لا يريد ان يراها من الاطراف التي تعتبر نفسها معنية بالسلام في المنطقة ومنها الادارة الامريكية الراهنة التي تصاب بالعماء كلما تعلق الامر بحق الشعب الفلسطيني في الحرية والكرامة.. تماما كما أنها ليست المرة الاولى التي يلوح فيها عباس بالغاء اوسلو مع انه يدرك جيدا ان اوسلو لم يعد قائما الا في الارشيف الذي دون عليه وان اسرائيل قد نقضت هذا الاتفاق قبل حتى ان يجف حبره.. ومع ذلك فان محمود عباس لم يجانب الصواب عندما اعتبر انه لا لا يوجد أي شيء يمكن التفاوض عليه بعد إعلان أميركا القدس عاصمة لإسرائيل والاكيد أنه يدرك جيدا أن أي مفاوضات في هذه المرحلة هي العبث عينه.. عباس لم يخف خيبة امله واشمئزازه من الرئيس الامريكي وكل محاولات تجفيف منابع السلطة الفلسطينية بهدف انهاكها ودفعها الى طي القضية نهائيا.. الحقيقة أن تصريحات عباس التي لا تخلو من مشاعر الالم والاحباط كانت أشبه بورقة اعتراف أو ربما بخطاب وداع سابق للاوان لتبرئة الذمة أمام الفلسطينيين و امام التاريخ بأنه لا يقبل أن ينهي حياته خائنا وهو الذي بلغ الثالثة والثمانين من العمر وأنه لن يفرط في القدس وسيقول لا متى استوجب الامر ذلك لانه ليس له قوات يحارب بها.. ليس من الواضح ما هي دوافع الرئيس الفلسطيني الى هذه الاعترافات وان كان يسعى الى استمالة الفرقاء الفلسطينيين من وراء ذلك.. ولكن لاءاته تعيد الى الاذهان لاءات العرب ذات قمة سميت بقمة الخرطوم وسترتبط لاحقا بلاءات القمة التي انعقدت بعد نكسة 1967 تحت شعار «لا صلح لا تفاوض لا اعتراف باسرائيل» بعد أن كانت قوات الاحتلال الاسرائيلي تمكنت من احتلال الضفة والقطاع والجولان وسيناء.. ومازال جيل الهزيمة يجر عقلية الهزيمة ويفشل في التخلص من تداعياتها ونكساتها المتتالية والخروج من دائرة الفكر الجامد الغارق في شلله المقيت.. مرارة كلمات ابومازن لا تفاقمها مرارة غير مرارة المشهد العربي الخامد المستكين بعد ان أفقد القدرة على التنفس وبات في حالة تنفس اصطناعي أمام الضعف والتفكك والارتهان في مختلف قضاياه المصيرية لقوى اقليمية ودولية.. عباس اليوم في موقف لا يحسد عليه امام الراي العام وامام التاريخ والاكيد ان اكثر ما يحتاجه المشهد الفلسطيني اليوم صدمة عارمة تعيد الوحدة الفلسطينية وتلغي من الوجود كل الحركات المتناحرة وتجعل الفلسطينيين من الضفة الى القطاع والشتات تحت مظلة واحدة وعدا ذلك ستظل لاءات عباس محاولة للتنفيس عن النفس ليس اكثر اذ لم يسبق لاي شعب يناضل من اجل الاستقلال ولا لاي حركة تسعى لتحقيق سيادة شعبها واستعادة الارض المسلوبة ان تمكنت من تحقيق اهدافها وهي مستضعفة ممزقة ومشتتة.. فقد نسيت الفصائل الفلسطينية عدوها الاساسي ممثلا في الاحتلال وجعلت لنفسها اعداء وهميين..