في الوقت الذي تطرح فيه الانتعاشة التي عرفها متوسط سعر برميل النفط في السوق الدولية العديد من المخاوف في ما يتعلق بالتوازنات المالية للبلاد بعد أن لامس عتبة ال74 دولارا، والحال أن قانون المالية لسنة 2018 اعتمد على الفرضية التي قدرت سعر البرميل ب54 دولارا، يشهد قطاع الطاقة محليا حركية غير مسبوقة بين مواصلة الدولة لسياستها في الترفيع في أسعار المحروقات وبين النقص الملحوظ الذي تشهده جهات جنوب البلاد في التزود بالنفط خلال اليومين الأخيرين. ويرجع هذا النقص بالأساس إلى غلق المعابر الحدودية للبلاد مع ليبيا واستحالة وصول المنتجات الطاقية إلى المستهلك التونسي بتلك الربوع عبر السوق الموازية والتي يعول عليها بدرجة كبيرة، فضلا عن نفاذ الكميات المتوفرة بقلة في المحطات الرسمية المخصصة للتزود بالنفط والبنزين. ما يجب على الدولة اتخاذه.. ويرى العديد من الخبراء في الشأن المالي والاقتصادي أن هذا الوضع يطرح العديد من نقاط الاستفهام حول واقع القطاع والإجراءات المطلوب اتخاذها من قبل الدولة تحسبا لمزيد تأزم الوضع لاسيما أن الحكومة انطلقت مؤخرا في الإعداد لقانون المالية لسنة 2019 وقانون مالية تكميلي للسنة المنقضية. والاهم أن الحكومة اليوم مطالبة بإيجاد موارد تعبئة جديدة لتغطية النقص الذي ستخلفه الفرضيات «المغلوطة» المتعلقة بسعر الصرف من جهة وسعر برميل النفط من جهة ثانية والتي تعد من أهم الفرضيات المفروض أن تكون دقيقة وصحيحة لان كل اختلال فيها له تداعيات وخيمة على بقية الفرضيات وعلى الموازنة العامة برمتها. وبات من الضروري على الحكومة كذلك التفكير في القيام بتعديلات في بعض إجراءات قانون المالية للسنة الحالية على خلفية تباين تقديراتها التي جاءت في فصول القانون الأصلي كفرضية ب54 دولارا وهي فرضية تبقى مستبعدة إن لم تكن مستحيلة في ظل النسق التصاعدي الذي يشهده سعر النفط في الآونة الأخيرة مع توقعات أن يتخطى عتبة 80 دولارا. وكان وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة خالد قدور قد بين في وقت سابق أن تسجيل ارتفاع بنسبة 10 دولار في سعر البرميل في ما بين شهرين سينعكس سلبا على ميزانية الدولة، حيث أن ارتفاع برميل النفط بدولار واحد له كلفة على ميزانية الدولة بحوالي مائة مليون دينار، فضلا عن انخفاض قيمة الدينار التونسي حيث أن انزلاق الدينار ب10 مليمات فقط له انعكاس سلبي على ميزانية الدولة بحوالي 30 مليون دينار. كما حذر البنك المركزي التونسي من جهته، من مزيد تفاقم عجز الميزان الطاقي خلال الأشهر القادمة بفعل تجاوز ارتفاع سعر البترول وتجاوز البرميل عتبة ال75 دولارا في الأسواق الدولية وتراجع الإنتاج الوطني تزامنا مع تواصل توسع عجز الميزان التجاري، خلال الربع الأول من العام الجاري، رغم تسجيل الصادرات لارتفاع في بعض المواد على غرار زيت الزيتون والصناعات المعملية. التعديل الآلي أمر حتمي وفي ظل تواصل تذبذب الأسعار العالمية للنفط، من المنتظر أن تواصل الحكومة في تفعيل آلية التعديل الآلي في أسعار المحروقات حسب ما جاء في قانون المالية لسنة 2018، بعد أن انطلقت في اعتماد هذه الآلية منذ مطلع سنة 2018 في 3 مناسبات؛ الأولى مع مطلع السنة الحالية والثانية في شهر مارس من نفس السنة، وفي مناسبة ثالثة في شهر جويلية على أن تواصل تطبيقها في مرحلة رابعة في شهر سبتمبر من السنة الجارية. وبالرغم من أن التعديل الآلي يفرض وجوبا تحديد أسعار المحروقات في كل ثلاثية وربطها بالسعر العالمي، بما يمكن من تحديد الأسعار النهائية إما بالترفيع أو التخفيض أو الإبقاء على نفس الأسعار لتتواصل هذه العملية بصفة دورية بمعدل كل ثلاثة أشهر حسب المعايير الدولية، إلا أن الأمر بدا مختلفا في تونس بعد أن أخذت هذه الآلية منذ تفعيلها منحا تصاعديا في أسعار المحروقات التي أقرت من خلالها الحكومة الترفيع في ثلاث مناسبات في ظل تواصل ارتفاع سعر البرميل العالمي. وفي هذه الحالة، يعتبر العديد من الخبراء في الشأن الاقتصادي أن المخاوف المطروحة ليست في اعتماد آلية التعديل الآلي بقدرما هي مرتبطة بالوضع المشحون الذي تشهده بلدان العالم وعلى رأسها أمريكا وروسيا وإيران والسعودية وتأثير ذلك على أسعار المواد الطاقية برمتها، وكان آخرها القرار الأمريكي الذي يتعلق بفرض ضرائب على واردات الفولاذ والالومنيوم للاتحاد الأوروبي.