انتفض عدد من المسرحيين منتقدين اختيار مهرجان قرطاج الدولي في دورته الرابعة والخمسين لفضاء مدار قرطاج لاحتضان العروض المسرحية واعتبروه اختيارا غير صائب بالمرة، خاصة أن برمجة هذا الفضاء انطلقت منذ يوم17 من الشهر الجاري وتتواصل موازاة مع العروض الموسيقية بالمسرح الأثري بقرطاج وذلك بعد ما سجلته هذه العروض من غياب شبه كلي للجمهور إذ أن أغلبها دار في قاعة شبه خالية وأمام كراسي شاغرة. لأنه لم يحقق إلى حد الآن الحضور الجماهيري والإقبال المطلوب. إذ يكفي الاستشهاد أن عرض مسرحية «الرهوط أو تمارين في المواطنة» لعماد المي لم يتجاوز عدد الحضور فيها أربعين فردا رغم ما تحصل عليه هذا العمل من جوائز واقبالا جماهيريا في عروض دولية ووطنية أخرى. وتجدر الإشارة إلى أن فضاء مدار قرطاج خصصته إدارة مهرجان قرطاج الدولي في دورته لهذا العام لاحتضان برمجتها الخاصة بالعروض الكوريغرافية والمسرحية التي تتواصل من17 جويلية الجاري إلى غاية 11 أوت المقبل. وبقطع النظر عن الاختيارات ونوعية العروض وقيمتها الفنية والثقافية المبرمجة في هذا الفضاء، فإن جلها سبق أن عرض في سياقات مهرجاناتية وثقافية عديدة داخل تونس وخارجها ولاقت إقبالا جماهيريا كبيرا واستحسان أغلب من شاهدها فضلا عن تحصل البعض الآخر على جوائز وتتويجات. لكن مرور هذه العروض «أب الفنون» بين «سطور» وثنايا العروض الموسيقية تحديدا التي دارت في إطار نفس المهرجان وعلى ركح المسرح الأثري بقرطاج أجج آراء أغلب أهل القطاع المسرحي والمنتسبين والمنتصرين له. إلى حد أن البعض رأى في هذا الاختيار عدم الصائب»إهانة» و»ضرب» للمسرح والمسرحيين في هذه المرحلة التي يمر فيها القطاع وأهله بصعوبات وتضييقات على أكثر من صعيد ساهمت في تردي مستواه. فالجمهور التونسي يفضل في المهرجانات الصيفية وخاصة مهرجان قرطاج الدولي السهرات والعروض التي تنتظم في الفضاءات المفتوحة لكن حصر العروض المسرحية في فضاء مغلق لا تتجاوز طاقة استيعابه 220 كرسيا هو تحديد وتوجيه للعروض لاسيما أن بعض هذه العروض سبق أن حقق إقبالا أعداد كبيرة من الجماهير في فضاءات أخرى. ولكن غاب على إدارة المهرجان أن مسرح قرطاج الأثري سبق أن احتضن عروضا مسرحية عديدة بقطع النظر عما سجلته من إقبال جماهيري وأثبت الأمر أن الفن الرابع ليس بالضرورة أن يكون مكانه الفضاءات المغلقة، ولو كان الأمر كذلك لاختارت إدارة نفس المهرجان فضاءات المسرح البلدي أو مدينة الثقافة لضمان نجاح هذه العروض جماهيريا. عدم تقدير لجهد الفنان الحقيقي وفي هذا السياق قال المسرحي وليد الدغسني:»نعم هي برمجة خارج السياق وخارج المنطق الثقافي والفني. فادارة مهرجان قرطاج الدولي اختارت أن تلقي الفتات للمسرحيين لتضعهم في موقع أقل ما يقال عنه أنه مؤلم بالنسبة للفنان والمبدع التونسي بشكل عام، ليكونوا في فضاء بلا تغطية إعلامية ولا جمهور وكأن العملية مجرد ذر الرماد على العيون وهو اهدار للمال العام». ووصف في جانب آخر من حديثه أن ما قدمته إدارة مهرجان قرطاج للمسرحيين كان هو أشبه»بصدقة» تتكرم بها ادارة بائسة لا تقدر جهد الفنان الحقيقي وتفتح المجال في المقابل لنكرات من فنانين لاعتلاء ركح مسرح قرطاج». كما أفاد هذا المسرحي أن ما لاحظه في برمجة مدار قرطاج بشكل خاص ومهرجان قرطاج بشكل عام بثبت وقع الخيبة والنكسة التي يعاني منها المشهد الثقافي في تونس اليوم. وأضاف في نفس السياق قائلا: «للاسف الوضع المادي الكارثي للمسرحيين اليوم هو ما يدفعهم لقبول مثل هذه العروض العرضية وغير ذات جدوى لكسب بعض الملاليم». وحمل وزارة الشؤون الثقافية مسؤولة ما وصل له المسرح اليوم من تدري ووضع مشين خاصة تمويل المسرح لم يعد في صيغته القديمة وهو خاضع لأهواء خاصة توزع العروض دون ضوابط ودون توضيح. ضرورة التشريع للتسويق للمسرح غير التجارية لانقاذ المبدعين من جانبه انتقد المسرحي وليد بن عبدالسلام هذا الاختيار ووضعه تحت»سياسة تجارية مغلفة بشعار ذكرى رجاء بن عمار، في المقابل راهن المهرجان على العروض الموسيقية على أساس أنها عروض تجلب أكبر عدد من الجمهور». وأرجع الأمر إلى غياب إدارة أو سياسة التسويق للأعمال الثقافية والمسرح غير التجاري تحديدا. بدوره حمل هذا المسرحي المسؤولية في ذلك لسلطة الإشراف وذلك بتوجهها لصياغة قوانين تنهض بالمسرح وتدعم انجاز ومضات إشهارية للأعمال المسرحية في القنوات التلفزيونية لان المواطن التونسي البسيط يستهلك فقط ما يقدم له من خلال الشاشة الصغيرة.