انطلقت أمس الدورة البرلمانية قبل الأخيرة للمدة النيابية الأولى لمجلس نواب الشعب، دورة تنبئ كل المؤشرات بأنها ستكون مرة وساخنة جدا وصعبة للغاية في ظل تردي الوضع الاقتصادي للبلاد وانهيار قيمة الدينار وارتفاع الأسعار وتضخم المديونية وازدياد عدد المعطلين عن العمل وكثرة الاحتجاجات. وزيادة على هذا الوضع العام غير المريح، يمكن توقع نوعية الأجواء التي ستسود قصر باردو بإلقاء نظرة خاطفة على مشاريع القوانين أو على الملفات المعروضة على المجلس بما فيها المسائل الخلافية المؤجلة من الدورة السابقة والدورة الاستثنائية، أو على ملامح مشروع قانون المالية المعلن عنها أو مضامين الإصلاحات الكبرى التي تعتزم الحكومة تمريرها في مشاريع قوانين خاصة قانون المالية. أول المسائل الخلافية تقرر بحثها صباح اليوم خلال اجتماع مكتب مجلس نواب الشعب، وهي تتعلق بانتخاب رئيس للهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وكانت الكتل البرلمانية خلال الدورة الاستثنائية توافقت على سد الشغور في الهيئة، وانتخب المجلس كل من نجلاء ابراهم القاضي الإداري وأنيس الجربوعي الأستاذ الجامعي بعد ان انتخب فاروق بوعسكر القاضي العدلي في الدورة العادية، لكنه أخفق في انتخاب رئيس للهيئة العليا، وأدت المحاصصات والتجاذبات والحسابات السياسية الى عدم التوصل الى اتفاق بين الكتل يضمن تمرير أحد المترشحين، حيث أجريت دورة انتخابية أولى انتهت الى تقدم المترشح أنيس الجربوعي على منافسه نبيل بافون وحصل الأول على 78 صوتا والثاني على 76 صوتا، ونظرا لعدم بلوغ اي منهما العدد المطلوب من الأصوات أي 109 أجريت دورة انتخابية ثانية رغم علم النواب مسبقا وقبل انطلاق عملية التصويت أنه لا أحد من المترشحين سينجح، وكانت نتيجتها سلبية لكن بافون هذه المرة تقدم على الجربوعي وأحرز على 73 صوتا مقابل 68 للجربوعي. وينتظر ان يتداول مكتب المجلس اليوم في كيفية تجاوز هذه العقبة، ومن المرجح أن يعلن عن فتح باب الترشحات من جديد لرئاسة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وعندها بإمكان أعضاء الهيئة التسعة تقديم ترشحاتهم وهو ما سبق أن ذكره رئيس الكتلة الديمقراطية سالم لبيض، فلا شيء يمنعهم من ذلك حتى الذين سبق لهم أن ترشحوا لكنهم حصلوا على صفر صوت، وفي المقابل لا شيء يمنع الكتل من التوافق حتى على تمرير مترشح سبق وأن حصل على صفر صوت. وتبقى فرضية أخرى واردة يمكن أن يذهب إليها مكتب المجلس، وهي تأجيل انتخاب رئيس الهيئة إلى موعد غير محدد، ومرد هذه الفرضية تمسك العديد من النواب بانتظار عملية قرعة تجديد الثلث أولا وبعدها لكل حادث حديث. وفي نفس السياق، ينتظر أن يتم النظر في ملف خلافي آخر لا يقل أهمية ويتعلق بانتخابات أعضاء المحكمة الدستورية، وكانت اللجنة الانتخابية استكملت خلال الدورة البرلمانية الماضية أشغالها واختارت بعض المرشحين وانتهت إلى إبعاد آخرين بسبب عدم تقديمهم وثائق طلبتها، ولا شك انه سيكون من الصعب جدا في ظل الخلافات بين الكتل وإصرار كل كتلة على تمرير مرشحيها إنجاح العملية الانتخابية واختيار 4 أعضاء للمحكمة الدستورية. ويذكر انه كان من المفترض أن يجري مجلس النواب جلسة انتخابية لأعضاء المحكمة الدستورية منذ 24 جويلية الماضي وكان من المبرمج أيضا أن يتم في نفس الجلسة انتخاب أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة في إطار عملية سد الشغور وذلك بعد أن تم الإعلان رسميا ماي الماضي عن أسماء المقبولين في لجنة الفرز، وهم على التوالي سهيل الجمال قاضي إداري وشيماء بنهقي مختصة في العلوم الشرعية ورامي الطرابلسي مختص في العدالة الانتقالية، وقد تتعطل عملية سد الشغور في هيئة الحقيقة والكرامة لأشهر أخرى لأن الهيئة مازالت موضوع تجاذبات حادة بين الكتل البرلمانية فهناك من يدافع عنها بشراسة وهناك من يريد نسفها. الجماعات المحلية بالإضافة إلى الخلافات حول الهيئات وما انجر عنه من تعطيل، كشفت النقاشات التي دارت إلى حد الآن صلب لجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح لمشروع القانون المتعلق بمجلة الجماعات المحلية خلافات عميقة بين الكتل، خاصة كتلتي النهضة والنداء وذلك كلما تعلق الأمر بمسألة سياسية على غرار: تفرغ رؤساء البلديات من عدمه أو الاستفتاء المحلي أو السلطة الترتيبية للجماعات المحلية وأمام تبيان وجهات النظر وعدم وضوح الرؤية اضطرت اللجنة الأسبوع الماضي إلى التوقف عن أشغالها إلى حين حضور ممثل عن وزارة الشؤون المحلية حتى يبدي موقفه من التعديلات التي يقترحها النواب، وينتظر أن تستأنف اللجنة أشغالها صباح اليوم، وينتظر أيضا أن تحيل الحكومة على نفس اللجنة مشاريع قوانين أخرى ثقيلة، مثل مشروع القانون المتعلق بالتصريح بالمكاسب وتضارب المصالح الذي طالب عدد من النواب أن ينظروا فيه هو أولا أي قبل استكمال مشروع مجلة الجماعات المحلية نظرا لأهميته في مكافحة الفساد والإثراء غير المشروع. وستحال على نفس اللجنة وبناء على اختصاصها مشاريع قوانين تتعلق بالإصلاحات الكبرى للوظيفة العمومية والصناديق الاجتماعية، فرئيس الحكومة أعلن في جلسة منح الثقة عن تفاصيل هذه الإصلاحات وقال إن إصلاح الوظيفة العمومية يقوم على التحكم في كتلة الأجور والتوقف عن سياسة الانتداب العشوائي وإرساء نظام وظيفة عمومية عليا وبرنامج للمغادرة الطوعية والتقاعد المبكر، أما إصلاح الصناديق الاجتماعية فيقوم على الترفيع في سن التقاعد ومراجعة الأجر المرجعي ومردودية سنوات العمل وصيغ التعديل في الجراية والترفيع في نسبة المساهمات الاجتماعية. ولعل الإصلاحات المتعلقة بالصناديق الاجتماعية هي التي ستثير زوبعة تحت قبة البرلمان خاصة إذا تعلق الأمر بالترفيع في سن التقاعد، إذ سبق لحكومة الحبيب الصيد أن رمت المنديل بعد أن فشلت كل مساعيها في تمرير مشروع قانون للترفيع الاختياري في سن التقاعد فما بالك إذا كان الترفيع فيه بصفة إجبارية. الميزانية بعد أيام قليلة وتحديدا في غضون منتصف الشهر الجاري ستحيل الحكومة وجوبا على أنظار مجلس النواب مشروع قانون المالية ومشروع ميزانية الدولة لسنة 2018 وقد بدأت بعض الأحزاب والمنظمات تقرع طبول الحرب عليه، ولا شك أن المعركة ستحتد أكثر تحت قبة البرلمان وتحديدا في قاعة لجنة المالية والتخطيط والتنمية التي ترأسها المعارضة. وستنظر نفس اللجنة في مشاريع قوانين أخرى أحالتها حكومة يوسف الشاهد مؤخرا على المجلس وتتعلق بقروض جديدة، وينتظر أن تثير هذه القروض جدلا ساخنا خاصة بعد أن تأكد للجميع أن نسبة المديونية وصلت إلى 70 بالمائة. ولا شك أن نواب الائتلاف الحاكم سيكونون هذه المرة بعد أن انكشفت الحقيقة وبعد أن صارحهم رئيس الحكومة نفسه بنسبة المديونية، في مواجهة صعبة مع نواب المعارضة لأنهم طالما دافعوا عن سياسة الاقتراض وطالما طالبوا المعارضة بتقديم بدائل عوضا عن النقد اللاذع والتهويل. وستنظر لجنة المالية في مشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاقية القرض المبرمة بتاريخ 27 جويلية 2017 بين حكومة الجمهورية التونسية والصندوق السعودي للتنمية للمساهمة في تمويل مشروع إنشاء وتجهيز مستشفيين صنف (ب) بمدينتي الجم وسبيبة وفي مشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاقية القرض المبرمة بتاريخ 11 جويلية 2017 بين حكومة الجمهورية التونسية والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي للمساهمة في تمويل مشروع الطريق السيارة تونس جلمة، وفي مشروع قانون اتفاقية القرض المبرمة بتاريخ 27 جويلية 2017 بين حكومة الجمهورية التونسية والصندوق السعودي للتنمية للمساهمة في تمويل المرحلة الثانية من مشروع السكن الاجتماعي وفي مشروع قانون يتعلق بالموافقة على الإحالة لفائدة الدولة للقرض الرقاعي المصدر من قبل البنك المركزي التونسي في شكل اكتتاب خاص من قبل البنك الوطني القطري موضوع الاتفاقات المبرمة بين البنك المركزي التونسي وجمع من مؤسسات مالية أجنبية بتاريخ 18 أفريل 2017 إضافة إلى مشروع قانون يتعلق بالموافقة على الإحالة لفائدة الدولة للقرض الرقاعي المصدر من قبل البنك المركزي التونسي بالسوق المالية العالمية، موضوع الاتفاقات المبرمة بين البنك المركزي التونسي وجمع من مؤسسات مالية أجنبية. أما لجنة التشريع العام فستواصل النظر في مشروع القانون المتعلق بزجر الاعتداءات على الأمنيين وينتظر أن تستمع إلى جمعيات ومنظمات حقوقية وذلك قبل المرور للتصويت على فصوله فصلا فصلا.