من هو الرئيس المدير العام الجديد لمؤسسة التلفزة التونسية شكري بن نصير..؟    صادرات التمور التونسية: نمو ملحوظ في الموسم 2023/2024    أجهزة "البيجر" تايواني أم مجري؟ تصريحات رسمية تكذب شركة "غولد أبوللو" ..#خبر_عاجل    رابطة ابطال افريقيا - الترجي الرياضي في طريق مفتوح والاتحاد المنستيري في مهمة محفوفة بالمخاطر    مفزع/ حوادث: 366 مصاب خلال يوم واحد..    المنستير: قاتلة صديقها تعترف وتكشف الأسباب    علماء يُطورون جهازا لعلاج مرض الزهايمر    تونس: تفاصيل الشروط لتمكين أمهات التلاميذ المهددين بالانقطاع المدرسي من موارد رزق    تضييق الخناق على المهاجرين: إيطاليا تمنع شراء شرائح SIM بدون تصريح إقامة    عاجل/ عملية طعن في مدينة روتردام..وهذه حصيلة الضحايا..    هل تسبّبت الأمطار في أضرار بولاية صفاقس؟    سليانة: رفض جميع مطالب الإفراج عن العياشي زمال ومن معه    عاجل/ حادثة رفع علم تركيا فوق مبني "الشيمينو": هذا ما تقرر بخصوص مطلب الإفراج عن المتهمين..    المنستير: إعترافات إمرأة قتلت صديقها    ابتداءً من اليوم: الدواجن تعود للأسواق وأسعار اللحوم البيضاء في تراجع    المراكز الافريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها تحذر من خروج جدري القردة عن السيطرة..#خبر_عاجل    الصيدلية المركزية تواجه أزمة مالية وتقلص استيراد الأدوية غير الحياتية    تونس تُوفّر الأدوية الحديثة لمرضى السرطان وغير المنخرطين في الكنام.. الصيدلية المركزية توضح    عاجل: البحرية التونسية والفرنسية تجريان مناورات بحرية مشتركة    بطولة إفريقيا لكرة اليد: المنتخب الوطني يفوز على نظيره الليبي    وزارة الشباب والرياضة: لا وجود لمنتخب وطني تونسي في اختصاص "البادل"    كأس إفريقيا لكرة اليد للسيدات: تونس في المجموعة الثانية    تونس تبحث مع البنك الأفريقي للتنمية دعم إحداث مدن جديدة كبرى    تونس تشتري 225 ألف طن من القمح في مناقصة دولية    محكوم ب100 سنة سجنا: وزير جزائري سابق يطالب فرنسا برفض تسليمه إلى سلطات بلاده    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    ثامر حسني يفتتح مطعمه الجديد...هذا عنوانه    Xiaomi تطلق واحدا من أفضل هواتف أندرويد    15 قتيلا نتيجة انهيار مبنى في سيراليون    "هآرتس" تكشف تفاصيل الاقتراح الإسرائيلي للاتفاق مع "حماس" الذي قدم إلى الولايات المتحدة    "ليس تصرفا رجوليا يا إيلون".. قديروف يوجه رسالة قاسية لماسك بسبب "سايبر تراك"    توزر: وضع حجر الأساس لانجاز المحطة الفولطوضوئية الجديدة بطاقة انتاج قدرها 50 "مغواط" بجانب المحطة الأولى    وزير التعليم العالي والبحث العلمي يؤدّي زيار إلى مؤسّسات الخدمات الجامعية بولاية بنزرت    ارتفاع عائدات تونس من صادرات التمور    وفد الملعب التونسي يصل إلى وهران و 22 لاعبا في مواجهة اتحاد العاصمة    والدك هو الأفضل    منح اعفاءات عمرية للترسيم بالسنة الأولى من التعليم الاساسي    علٌمتني الحياة ...الفنانة العصامية ضحى قارة القرقني...أعشق التلاعب بالألوان... وتشخيص نبضات المجتمع    حكايات من الزمن الجميل .. اسماعيل ياسين... الضاحك الحزين(1 /2)...العاشق الولهان... والحبّ من أول نظرة !    كظم الغيظ عبادة عظيمة...ادفع بالتي هي أحسن... !    كلام من ذهب...مهم لكل الفئات العمرية ... !    الليلة.. أمطار مؤقتا رعدية وغزيرة بالجنوب والجهات الشرقية    هام/ المتحور الجديد لكورونا: د. دغفوس يوضّح ويكشف    عاجل :وزير الشباب و الرياضة يحل جامعتين تونسيتين    المركز الثقافي الدولي بالحمامات دار المتوسط للثقافة والفنون يحتفي بالذكرى 50 لرحيل مؤسس دار سيباستيان    مسرحيتا "شكون" لنادرة التومي ومحمد شوقي بلخوجة و "مقاطع" لفتحي العكاري ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان الإسكندرية المسرحي الدولي    قابس: تراجع ملحوظ لصابة الرمان    عاجل : توقيع اتفاقيتين حول انتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية الفولطاضوئية بقصر الحكومة    إنقاذ مركب تعطل قبالة سواحل المنستير وإجلاء 28 مجتازا    رحلة 404 المرشح الرسمي في سباق الأوسكار    مستقبل قابس يتعاقد مع الحارس علي الفاطمي ويمدد عقد اللاعب محمد عزيز فلاح    المنتخب التونسي يقفز 5 مراكز في التصنيف الشهري للفيفا    في نشرة متابعة للرصد الجوي: أمطار غزيرة تصل الى 80 مليمترا بهذه المناطق    سلمى بكار رئيسة للمكتب التنفيذي الجديد للنقابة المستقلة للمخرجين المنتجين    بنزرت:حجز حوالي 82,5طن من الخضر وإعادة ضخها بالمسالك القانونية    التمديد في آجال استقبال الأفلام المرشحة للمشاركة في مسابقة الأفلام الطويلة والقصيرة    "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"...الفة يوسف    مصر.. التيجانية تعلق على اتهام أشهر شيوخها بالتحرش وتتبرأ منه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضية البلوغر كريم عامر: الصراع عربياً على حرية الانترنت

الارجح أن علاقة حرية الرأي على الانترنت، وخصوصاً بالنسبة الى المُدوّنين الالكترونيين «بلوغرز» العرب، مع النظام العربي دخلت مرحلة جديدة مع الحكم على البلوغر المصري عبدالكريم نبيل سليمان بالسجن مدة 4 سنوات لتعبيره عن آرائه بحرية على مدوّنته الرقمية.
وتتميّز قضية «كريم عامر»، الاسم الذي يستعمله سليمان على صفحته في الموقع المُخصص ل«البلوغرز» في «غوغل» بأنها تتمحوّر حول استعماله الحق في التعبير عن الرأي عبر الانترنت. ويكاد سليمان لا يمارس نشاطات تتصل بالرأي خارج الشبكة العنكبوتية، إلا في أقل من القليل. وبذا، تختلف قضيته عن كثير مما سبقها عربياً، باعتبار أن مدوّنته الالكترونية لا تمثّل تعبيراً عن نشاط سياسي في الواقع الفعلي، مثل حال الكثير من المواقع التي تُغلقها الأجهزة الأمنية العربية.
ويلفت أن الحكم توجّه كلياً ضد نشاطه على الشبكة الالكترونية، ولم يتضمن إدانة من نوع آخر. وبذا، يصبح الحكم بحبس المُدوّن «كريم عامر» ضربة قمع من نظام عربي راسخ ضد نشاط فردي منفرد على الانترنت! وقد أثار البعض تلك المسألة، أي فردية نشاط «عامر» على الانترنت من زاوية أُخرى، إذ رأوا فيها نوعاً من اشباع الميول الاستعراضية والرغبة في الشهرة، بمعنى محاولة إشباع تضخم الآنا واستيهاماتها وأخيلتها المتورمة، عبر الخروج عن المألوف والشائع، أكثر من كونها نشاطاً فعّالاً يهدف الى إحداث تغيير في المجتمع. وفي المقابل، من المستطاع القول أيضاً إن الانترنت تمثّل صورة غير مألوفة عن «اللامركزية» في الاعلام العام، الى حدّ الفردية، بمعنى إتاحة الفرصة أمام الأفراد المتفرقين في صنع إعلام يتوجه الى جمهور مفتوح. ولعل ظاهرة «البلوغرز» تُمثّل هذا الإعلام، الفردي في صناعتها والجماعي في جمهوره الى حدّ العالمية، بطريقة قوية. ويعني ذلك أن الإعلام العام وصل الى حدود الفردية، بكل تناقضاتها وميولها، فيما عاش تاريخياً في كنف المؤسسات وتوازناتها ومصالحها وعلاقاتها. وعند حدود الفرد قد تبرز ظواهر كثيرة، لكن يصعب ردّ الاعلام الرقمي الفردي، مثل «البلوغرز»، الى الميول الشخصية المحضة. والمجتمعات التي لا تفتقر الى الحرية، مثل أوروبا وأميركا، لم تقلق من ظاهرة المدوّنات بل تفاعلت معها وسائط الاعلام العام بإيجابية، فأفردت الصحف لنفسها مُدوّنات على الانترنت. وابتُكرت تقنية معلوماتية متخصصة لنقل الأخبار فورياً الى صفحات «البلوغرز». ووصل الأمر بمؤسسة مثل «نيويورك تايمز» أن استغنت عن صفقات مع أقنية تلفزيونية للتفرغ للعمل مع «البلوغرز»، كما عينت وكالة «رويترز» للأنباء طاقماً متخصصاً لإدارة مُدوّنتها على موقع «سكوند لايف» الرقمي. وفي نموذج جدير بالتأمل، دفع منتدى دافوس أموالاً ل «البلوغرز» لكي يساهموا برأيهم النقدي عن أعماله في مدونته التي أنشأها في العام الجاري!
وفي المقابل، فإن الدول التي تُعاني مشكلات مع حرية الرأي، لجأت الى قمع المُدوّنين، على نحو ما يحصل في الصين وايران مثلاً.
وغني عن القول إنها ليست المرّة الأولى التي تتدخل الأجهزة الأمنية العربية في نشاطات الانترنت في بلادها. وليس بعيداً من الذاكرة ما يحصل مع «البلوغرز» في البحرين التي شهدت صدور أول حكم بسجن مُدوّن الكتروني في عام 2006.
وعندما استضافت تونس «القمة الثانية لمجتمع المعلوماتية العالمي» عام 2005، انتهزت جماعات ناشطة سياسياً المناسبة لترفع صوتها بالشكوى من تدخل أجهزة النظام في حرية الرأي عبر إغلاق مواقع على الانترنت، بما في ذلك فرض الرقابة على البريد الالكتروني. وفي الجوار العربي، تعرض أكثر من مُدوّن ايراني للسجن، على رغم انتشار ظاهرة التدوين الالكتروني في تلك البلاد.
ويمكن العودة الى سيول من التقارير عن الرقابة على الحرية الالكترونية في البلاد العربية، مثل تلك التي تصدر عن «منظمة العفو الدولية» و «هيومن رايتس ووتش» و «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان» وسواها.
أثارت ظاهرة «البلوغرز» نقاشاً عالمياً عن حرية الرأي
ما الذي يقوله البلوغر «كريم عامر»؟
«... قد يجبر الإنسان على الإرتباط بشيء ما، ويجد نفسه عاجزاً عن التخلص منه، على رغم رفضه له وكراهيته إياه، ولكن قد تأتت اللحظة الفاصلة التي يمنح فيها الفرصة للتخلص من هذا الإرتباط الثقيل وإلى الأبد، ومن دون أن يتبع أي نتائج أو آثار جانبية.
التحقت بالأزهر بناء على رغبة والديّ وعلى رغم رفضي التام للأزهر وللفكر الديني - في وقت لاحق - وكتاباتي التي تنقد وبشدة تغلغل الدين في الحياة العامة وتحكمه في سلوكيات البشر وتعاملاتهم مع غيرهم وتوجيهه لهم في السلوكيات الحياتية، إلا أن التخلص من ربقة القيد المتمثل في كوني طالباً – سابقاً - في جامعة الأزهر لم يكن - كما كنت أتصور - بالشيء السهل أو الهين.
فعندما حصلت على حريتي المتمثلة في وثيقة فصلي النهائى من الجامعة في آذار (مارس) الماضي، كنت أتصور أن الأمور انتهت عند هذا الحد، وتجاهلت ما نشرته صحيفة «الجمهورية» من أن أوراق التحقيق معي في مجلس التأديب أرسلت نسخة منها إلى النيابة العامة... ويبدو أيضاً أن «بركات» الأزهر بحق طلابه لا تقتصر على حرمانهم من إستكمال دراستهم بعيداً منه...
وما استدعاء النيابة لي للتحقيق معي حول هذا الأمر إلاَّ أحد مظاهر هذه «البركات « التي لا تترك صاحبها إلا وهو في وضع مماثل لوضع الدكتور نصر حامد أبو زيد التي أسفرت بركات الأزهر عن الحكم بالتفريق بينه وبين زوجته، أو في وضع مماثل لوضع الدكتور أحمد صبحي منصور التي أسفرت «بركاته» معه أيضاً عن دخوله السجن وإضطراره للهجرة نهائياً من البلاد، أو في أفضل الأحوال تتركه في وضع مماثل لوضع الدكتورة نوال السعداوي وأحمد الشهاوي وغيرهم ممن أوصى ويوصي الأزهر دائماً بمصادرة مؤلفاتهم ومنع توزيعها في الأسواق...
أعلن بكل صراحة ووضوح رفضي واستنكاري لأي قانون ولأي تشريع ولأي نظام لا يحترم حقوق الفرد وحريته الشخصية، ولا يعترف بحرية الفرد المطلقة في فعل أي شيء طالما لم يمس من حوله بصورة مادية ولا يعترف بحرية الأفراد المطلقة في التعبير عن آرائهم مهما كانت ومهما تناولت طالما كان هذا الرأي مجرد رأي أو كلام صادر عن شخص ولم يقترن بأي فعل مادي يضر بالآخرين».
يعطي هذا الجزء المُطوّل صورة عن الأفكار التي ينشرها «عامر كريم» على مدوّنته الالكترونية. إنه طالب دخل الأزهر لدراسة العلوم البيولوجية. وسرعان ما عبّر عن رفضه مجموعة من الأفكار «الاساسية» في تلك المؤسسة، وربما في مجمل التفكير الديني فيها.
ويورد أنه يرى في الأزهر مؤسسة تُحرض على كراهية الآخر الديني. وفي المقابل، فإنه ينتقد التشدد القبطي أيضاً. وتُندّد مدوّنته بموقع قبطي لأنه نشر مقالاً له ضد تصرف المسلمين في أحداث الاسكندرية، فيما رفض الموقع نشر مقال له لفت النظر الى حال فتاة قبطية أرغمها أهلها على الابتعاد عن حبيبها المسلم. وبقول موجز، فإنه يرفض حال المزج بين الدين والسياسة والقوانين وأحوال الحياة اليومية، مما هو سائد في مصر راهناً.
في المقابل، تجدر الإشارة الى أن آراء «البلوغر» عامر تبدو متطرفة في نظر مجموعة من المدوّنين، وكذلك بالنسبة الى كثير من المنافحين عن حرية التعبير عن الرأي. ولا يتعلق الأمر بصحة ما يقوله عن تطرف جامعة الأزهر وآرائها الدينية التي يراها متشددة. وفي سياق متصل، يصعب عدم تذكر أن الجامعة عينها تشهد صراعاً من نوع آخر، ربما رآه البعض مندرجاً في إطار حرية الرأي. ويتعلق الأمر بالأحكام التي صدرت بحق مجموعة من الطلبة الذين أجروا استعراضاً لمهارات «قتالية» بدنية فيها.
ووُصف هؤلاء الطلاب، الذين أخلى القضاء سبيل كثير منهم لاحقاً، بأنهم ينتمون الى «جماعة الاخوان المسلمين». هل تُمثّل القضيتان، «كريم عامر» وطلبة الاخوان في الأزهر، وجهين للعملة عينها؟ وذلك سؤال مُحيّر.
فبمعنى ما، تبدو الدولة المصرية وكأنها تقف في مواجهة موجة مزدوجة من تيار الاسلام السياسي الذي يتمتع راهناً بشعبية جارفة في بلاد النيل. وليس ما حصل في الانتخابات النيابية الأخيرة ببعيد من الذاكرة. إذ استطاع «الأخوان» أن يوصلوا كتلة نيابية مهمة الى البرلمان المصري، على رغم ما رافقها من عنف ومصادمات. ولم يُمنع «الاخوان» من نيل «ثلث معطل» من الأصوات إلا بشق الأنفس وبتحويل المستقلين الى موالاة للحزب الحاكم.
ومن ناحية ثانية، يواجه النظام أصواتاً علمانية خافتة وضئيلة الأثر، مثل المُدوّن «عامر» وأصوات المُعارضة العلمانية المصرية بوجه عام.
ولكن تظهر أهمية تلك الأصوات، على ضآلة تأييدها شعبياً راهناً، عندما تندلع أحداث ذات طابع طائفي، مثلما حدث في الاسكندرية العام الفائت، ما يكشف نقطة ضعف أصيلة في صلب الساحة السياسية العامة مصرياً.
وربما ليس مصادفة أن الحكم ضد البلوغر «عامر» جاء بعد يوم من عزل الناطق بلسان الكنيسة القبطية لطلبه تعديل المادة الثانية من الدستور التي تنص على جعل الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع («الحياة» في 22 شباط (فبراير) 2007). إذاً، هل تُعيد الانترنت صوغ النقاش العام في مصر، وتدفع به للإجابة عن الاسئلة المقلقة التي رافقت ظهور الدولة الحديثة فيها؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.