المهدية : قرار بإيقاف الدروس خلال الفترة الصباحية    جندوبة: أصحاب الشهائد العليا المعطلين عن العمل يحتجون    لأول مرة: اعتمادات لتمويل الضمان الاجتماعي للعاملات الفلاحية    تطاوين: تاجيل الاضراب المقرر اليوم في حقل البرمة الى يوم 22 نوفمبر القادم    هل ستنقطع'' الإنترنت ''على تونس بسبب العاصفة الشمسية القادمة؟    قيدوم المنتخب الوطني هداف في دوري أبطال آسيا    تونس: ماهو مصير المخدّرات المحجوزة؟...إلى أين تُوجّه؟    الحماية المدنية تسجيل 13حالة وفاة خلال 24 ساعة الماضية    حسب الولاية..إكتشف أغلى وأرخص المنتجات في مختلف أسواق الجمهورية (تقرير)    القيروان: استبشار بالغيث النافع والأمطار تكشف واقع البنية التحتية    استئناف حركة المرور على الطريق الرابطة بين قبلي ومعتمدية دوز    بعد التهديد بقصف مدينة صور.. الدفاع المدني اللبناني يدعو الأهالي إلى الإخلاء (فيديو)    إسرائيل تسقط على شمال غزة لأول مرة براميل متفجرة    عاجل- سوسة : انقطاع الطريق بمدخل القلعة الصغرى    زغوان: تعليق الدروس بمعتمديات الناظور والفحص وصواف    أيها المسؤولون: نحن مواطنون و لسنا رعايا..    اصابة شخصين فى حادث اصطدام حافلة لنقل المسافرين بدراجة نارية بتبرسق و3 اخرين فى حادث انقلاب سيارة اجرة بقبلاط    الطقس اليوم: أمطار غزيرة بهذه الجهات..    محرز الغنوشي : الوضع الجوي دقيق جدا بالسواحل الشرقية    باب الفلة : حجز كميات من المواد المخدرة واسلحة بيضاء    ألمانيا تسجل أول إصابة بسلالة متحورة جديدة من جدري القردة    جنود إسرائيليون يهددون ب"العصيان العسكري" لهذه الأسباب    بقلم مرشد السماوي : هل حان الوقت لتمتيع الطبقات الفقيرة والمتوسطة بزيت الزيتون مدعما من الدولة ؟    صدرو قرار بالرائد الرسمي يتلعق بضبط تاريخ دورتي امتحان البكالوريا لسنة 2025    مقل 6 وإصابة 19 آخرين في هجوم مسلح على حافلة في بابوا غينيا الجديدة    قمة "بريكس" في قازان.. "تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين"    وصول ثالث طائرة تابعة للخطوط التونسية على متنها 92 تونسيّا عائدا من لبنان    خزينة الجامعة التونسية لكرة القدم تنتعش    تواصل انجاز عدد من المشاريع الرياضية و الشبابية في قفصة    في لقاء مع انفانتينو - ايدير يستعرض وضع الجامعة التونسية لكرة القدم    شككوا في وطنيته .. بوشناق «أنا تونسي وتراب تونس يشرفني»    في الصَّميم ...انحرافات خطيرة في برامجنا الرياضية التلفزية    عرضها قبل الأول هذا الخميس بدار المسرح بدوز...«نواصي... والبعض مالذرية» جديد فرقة دوز للتمثيل    أولا وأخيرا: «مسلوخ الهامة أمشي»    صندوق النقد يخفض توقعاته بشأن النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    النجم الساحلي - المدافع حسام دقدوق يخضع لتدخل جراحي على مستوى الغضروف    الدورة الثالثة لمهرجان الإبداع الفني في الصحراء "نجع الفن" من 27 أكتوبر الى 02 نوفمبر بدوز    مختصّة في أمراض الكلى: ماء الحنفية يحتوي على كميات أقلّ من النترات    خمس أسباب تدفعك للاستقالة من شركة طيران خليجية    رسميا: قطيعة بالتراضي بين الترجي الرياضي والبرتغالي "ميغيل كاردوزو"    27 نائبا يمضون على مقترح تنقيح القانون الأساسي للبنك المركزي    المنتخب الوطني التونسي لكرة القدم: فك الارتباط مع المدرب فوزي البنزرتي    الدورة السابعة من روحانيات من 30 أكتوبر إلى 2 نوفمبر    انطلاق اجتماعات الخريف لصندوق النقد والبنك الدوليين    بطولة الكرة الطائرة للسيدات: تعيينات مواجهات الجولة الإفتتاحية    عاجل/ الحوثيون يستهدفون قاعدة عسكرية في "تل أبيب" بصاروخ باليستي    معهد الرصد الجوي : الوضع الجوي مازال تحت اليقظة الشديدة خاصة في ولايات    البنك الوطني الفلاحي: ارتفاع طفيف في الناتج البنكي الصافي موفى سبتمبر 2024    وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية تنظم المشاركة التونسية في المعرض الدولي للفواكه والخضرمن 5 الى 7 نوفمبر 2025 ببرلين    المهدية: تعليق الدروس بعدد من المعتمديات بسبب التقلبات الجوية    الفنانة شيرين تدخل موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية..ما القصة؟    أصبح ظاهرة متفشية في مؤسساتنا التربوية .. التدخين يقتل أطفالنا في صمت !    وفاة الإعلامي جميل الدخلاوي    ديوان الإفتاء: إمرأة وإبنتها تعتنقان الإسلام    نادين نجيم تنفي صحة الشائعات حول انفصالها عن خطيبها    بعدك يا نصر الله، بعدك يا سنوار    يا يحي .. خذ القضية بقوة..    مفتي الجمهورية في زيارة لشركة مختصّة في انتاج زيت الزيتون البكر وتعليبه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يؤنّثني مرتين لآمال موسى
نشر في الوسط التونسية يوم 16 - 07 - 2007

رغم أن "يؤنّثني مرتين" هو ثالث ديوان للشاعرة المبدعة آمال موسى، فإن علاقته بالديوانين السابقين "أنثى الماء"و"خجل الياقوت" إن على مستوى الشكل أو المعنى متينة ومبنية على التجاور والتجاوز. ففي مستوى الشكل صدّرت الشاعرة القسم الأول من "يؤنّثني مرتين" بأبيات مأخوذة من "خجل الياقوت" والقسم الثاني بأبيات مأخوذة من "أنثى الماء" لتوحي ربما بأن التجربة الشعرية التي تعيشها وتسعى إلى نشرها والتعريف بها واحدة جوهريا ومازالت لثرائها وتعقدها في حاجة إلى التمحيص والاكتناه . وفي مستوى المعنى ظلّت تسعى إلى تعميق رؤاها الفكرية وتجويد عالمها الإبداعي عساها تبلغ حالة الكمال هاجسها المركزي الذي بدت به من خلال أشعارها متمسّكة في الوجود إنسانا وفي الإبداع شاعرة. ولا نجانب الصواب إن اعتبرنا أن الذات المؤمنة بنجاحها لكمالها والمتمسّكة بحقيقتها ليقينها والفاعلة في غيرها لنجاعتها هو الخيط الناظم لمختلف قصائد " يؤنّثني مرتين" والمؤسّس لرؤية وجودية وجمالية شعرية في آن. تعبر عن ذلك جزئيا ورمزيا الفاتحتان اللتان بهما عنونت آمال موسى القسم الأول من الديوان "روح أوركستراليّة" والقسم الثاني منه "الجسد نصّ اللّذة". في الجزء الأول تركيز على النفس/الروح مجالا وعلى السؤال منهجا وفي الثاني على الجسد موضوعا وعلى الفعل منطلقا للتغيير ولكن في كلتا الحالتين لم تخرج الشاعرة عن عالم الذات /الأنا الذي منه انطلقت وعيا ومعينا للحقيقة ومنه خاطبت المتلقي تأسيسا لقيم منشودة وعليه اعتمدت في تهديم السائد وإعادة بنائه بطريقة من شأنها أن تحقق التناغم بين عالم الأنا/الذات الشاعرة الأنثى المتدبرة لأمرها وبين عالم الغير بمختلف مكوناته البشرية وغيرها.
النواة المركزية في الديوان متكوّنة إذن من النفس/الباطن أو الداخل والجسد/الخارج. في باب النفس تصوير لمشاعر الاحتراق في العشق والحيرة والرفض والتهشّم والتبعثر والتفتّت والرغبة ونظر في الزمان والفناء والخلق والموت وسعي لتمييز أصيل القيم من الزائف الرديء قصد بناء الكيان والوجود على أسس صلبة. لقد ندّدت الشاعرة في "وفي نفسي وقعت"بكل وجود غير أصيل يتخذ من الآخر منطلقا :
واعتبرت أن الموت والتهاوي هما المآل المحتوم :
في الحالة الأولى وهن وتهشّم وانهيار وفي الثانية اقتدار يصل إلى حد الخارق العجيب. ولهذا اختارت الشاعرة، من منطلق الوعي والتدبر وحتى لا تكون ناقصة هوى إذ في رأيها:
أن تسكن في ذاتها وأن تشفع لنفسها بنفسها وأن تتخلّص من الأوهام:
ومن اللافت أن التأكيد على النصف المتوهّم وقد يكون الرجل بالنسبة إلى المرأة العاشقة حسب الشاعرة قد أدى إلى تمجيد المرأة/الأنثى ودعوتها إلى أن تعي سامي منزلتها وتمارس حياتها بكل عناصرها الأربعة :الماء والتراب والهواء والنار، دون أن تصبح تلك الدعوة دعوة إلى الثورة والتطاول على الرجل. إنها دعوة تحرّك الذات وتبثّ الوعي في بنات آدم من خلال مراجعة الموروث السائد دون أن تصبح العلاقة بين المرأة والرجل متوتّرة أساسها العداء والصراع . وتعد "أنثى يخبئ فيها الماء" من القصائد المعبّرة عن هذا المشروع، فيها أشارت إلى التناقضات التي تعيشها الأنثى وأبرزت الأسباب التي جعلتها تعيش مأساة مستمرة بدت قدرا محتوما لا مفر منه. فابنة آدم مازالت تعيش مفارقات كبّلتها بها التقاليد. إنها لا تتجرأ على الخروج على السائد فتعتبر على سبيل المثال " ذخائر التفاح خطيئة"بل تتبجح بما ينبغي التخلّص منه ومحاربته. ولهذا وفي نبرة تدل على الاستبطاء لطول المدى استنكرت الشاعرة وضع الاضطراب والغم الذي تعيشه المرأة:
ولكنها في نفس الوقت كشفت عن الأسباب التي جعلت مصيرها مأساويا في التاريخ:
إلا أنه لا يمكن أن نعتبر أن الشاعرة قد استسلمت لهذا الوضع والقدر، بالعكس لقد سعت إلى تمجيد الأنثى وإلى قلب الوضع بهدوء عندما حملت المرأة رغم المحن والخسارات على تسلّق الأعالي واكتشاف العزيز والباسق فيها:
"دع قلبك فارغا
فلا ...يليق بصلواتك،
غير الله".
وعلى غرار "الأنوثة الكبرى في حالة سكر"، تحررت الشاعرة من جلّ القيود والضغوط وأفصحت عن رؤيتها وعن الحلول التي ترتئيها لتتجاوز المرأة حالة الغبن عندما جعلت الأنثى محورا لنشيد به انتصرت على التهشّم والتبعثر وبه ألغت كل التناقضات المكبّلة لها وأزالت المفارقات اللاصقة بكيانها ووجودها، فصاغت هوية جديدة للمرأة أساسها الشعر والصدق و الألوهية ومقصدها التصالح مع الذات والتاريخ ومن ثم التصالح مع المحيط ولكن باعتماد منطلقات جديدة حديثة:
"النّساء اللّواتي في وجوههن...
هنّ الشّاعرات
تجلّى في قصائدهن الصدق نشوة
فسكرت الأنوثة الكبرى
وتمايل الشّعر جداول ماء".
ورغم أن المرأة عنصر أساسي في القسم الثاني من الديوان، فإن مراكز الاهتمام اختلفت عما هو موجود في القسم الأول. فلم يعد رصد عالم المرأة الباطني الوجداني شعريا إبداعيا هو المطلب الرئيسي بل تجاوزت الشاعرة الرصد إلى التنديد والمطالبة بالتغيير ولكن دائما بطريقة هادئة لبقة أساسها لفت الانتباه إلى ما تغيّر، وبذلك اقترن الشعر بالفكر والفن بما يشبه الالتزام الخفي. لقد أصبحت المرأة وإن كانت محاصرة مطلوبة لروحها ولجسدها في "هيئة الماء" مصدرا رهيبا يرتجف منه الرجال وعند استجابتها ورد فعلها يتضاءل الرجال ويتقلّصون. إنها تجسّد النواة إزاء الهامش/الرجل والفوز إزاء الفشل. وعلى هذا الأساس وجدنا في "الحجب"و"في الماضي المستعمل"وفي "الطعام المتداول" دعوات رفض للمألوف المرفوض وتبنيا صريحا لقيم الحرية وتأكيد الأنا واعتدادا بالنفس وعودة في الحقيقة إلى الذات ومنها إلى المجتمع. ففي "الحجب":
"(ف)لا يليق بحرّة
أن تلبس ثوبا قديم الأزرار.
ورأسها شجرة
تحط فوقها عصافير
عصيّة الصّيد".
و"في الماضي المستعمل"خروج على ما يبدو طبيعيا ومقدّسا:
"أنبذ كثيرا أزواج الآباء والأمهات.
لا أطيق أن أرث أبي.
لا أطيق أن يكون لي طفل بعد طفلي البكر".
و"في خدعة"يكون الفعل أساس العلاقة بين الرجل طالبا متلمسا والمرأة ملبية مستجيبة:
"جئت باسطا كفّيك
إلى مائي
وناري
وهوائي
وترابي. فلبّى مائي دافقا
ولم ينهرك ترابي".
لقد امتزج في "يؤنّثني مرتين" ما أنتجه العقل وعيا وأفرزه الوجدان انفعالا فاقترن الفن بالفكر والإخبار بالإيحاء. وفي كل ذلك كان هاجس إعادة بناء الذات والحقيقة والحياة مركزيا. ولم تدرك الشاعرة ذلك عبر عالم شعري معقّد أو بخروج لافت عن المخيال الشعري أو تقيّد قاتل به. فذلك أمر بدا غير مفكّر فيه ما دامت تنطلق من الراهن ومن الموجود. ولذا كان معجمها اللغوي صورة من عالم اليوم: روح أوركستراليّة، بيت الاستحمام المفضّل، النّوم على حافة الطريق، مفتوحة على مصراعيّ، ناي وسكسفون، حرص بوليسي. . . إلا أن هذا الارتباط بالراهن وبراقصات الملاهي في "ياليتني كنت زجاجة" وبالذكور الذين في رأسهم قات في "قلال تملأ السّراب" اقترن أيضا بالتراث وبالمخزون الثقافي الفكري لا الإبداعي المرتبط بأقدم الحضارات الشرقية وبالأديان التوحيدية. وفي هذا السياق يبدو الارتباط بالموروث الثقافي مادة لا خيالا لافتا. فقد كانت العناصر الأربعة مادة محورية في الديوان وأوراق التوت وآدم وعشتاروت وأنكيدو وحفيد الأعشى وابنة أبي لهب. . . أساسية، بل إننا نجد أحيانا استعمالا للبناء القرآني لغة ونسقا في "الربّ يملأني بذرّة حب". ورغم ذلك استطاعت الشاعرة آمال موسى أن تسخّر ذلك الموروث للقطعية التي رامتها فكريا واضطلعت بها فنيا في الديوان. ولئن كان الاستدلال على هذه الخاصية ممكنا من خلال تتبع كل السمات الأسلوبية في أعمال الشاعرة فإن الاقتصار على عنصر الماء كفيل وحده بإبراز العلاقة الجدلية المخصبة بين الطارف والتليد وانبجاس التجديد من عناصر استهلكت استعمالا. فالماء في هذا الديوان غير الماء في الحياة وفي الأساطير ووظائفه متعددة بتعدد الحالات الشعرية التي عبرت عنها الشاعرة وصوّرتها. إنه أصل الوجود لا شكّ ولكنه أيضا قاتل متسبب في الغرق وماكر داهية يدرك سبيله بنفسه وتعجز الحواجز عن التصدي له وإيقافه وهو في نفس الوقت علامة المعرفة العميقة لا يدرك له قرار عندما ينظر إليه تماما مثل الماء الساكن. في الماء ينام الياقوت ولكن الأنثى تموت به، فيها يخبئ آدم الماء ولكن كلما حدّق فيه الإنسان أدرك عجزه و"قلة حيلته في الوصف"، إنه علامة الاستجابة القوية كلما بسط الرجل كفّيه إلى المرأة وفي نفس الوقت هو علامة البطء مرتبط بالتراب. لقد استطاعت الشاعرة بهذا التوظيف للموروث في مستوى التخييل وبتجاوز الدلالة الإخبارية المعجمية في مستوى اللغة نحو الإيحاء وبالانطلاق من الواقع أن تؤسّس لنفسها نهجا في الإبداع متميّزا. فهل ستظل في أعمالها القادمة لصيقة بالماء وبالأنثى أم ستتجاوزهما نحو فضاء آخر؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.