كان صالح يجلس هادئا داخل مقهي بتونس العاصمة، وفجأة انتفض صارخا الله أكبر الله أكبر ثم طلب من النادل رفع صوت التلفزيون لمتابعة النقل المباشر لقصف صاروخي لحزب الله امس الأحد علي شمال الدولة العبرية خلف أكثر من 12 قتيلا في صفوف الجيش الاسرائيلي. ولم يكتف بذلك وانما طلب من الجميع السكوت حتي يتمكن من متابعة الأخبار، وقال بصوت عال هذا هو الرد المطلوب علي عنجهية اسرائيل وغطرستها (..) يعطيكم الصحة يا أبطال، ذوقوهم كيفاش يكون طعم الحنظل.. الله ينصركم علي الأعداء . وتكاد هذه العبارات تختزل رأي الشارع التونسي الذي يعيش علي وقع مرارة الهجمات الاسرائيلية المتواصلة علي لبنان، ويتابع تفاصيلها بكثير من القلق والغضب في احيان كثيرة علي الصمت العربي ازاء ما يتعرض له لبنان من مجازر متواصلة وتدمير ممنهج لبنيته التحتية. وصالح (62 عاما) الذي ينادونه في المقهي ب العم تونسي ومحارب قديم سبق له أن قاتل في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان خلال سبعينات القرن الماضي، كما شارك في التصدي للاجتياح الاسرائيلي لجنوب لبنان عام 1978. ويوجد في تونس كما في بقية الدول العربية العديد من المواطنين الذين تطوعوا في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية للقتال ضد اسرائيل، حيث أقام كثير منهم في لبنان، فيما عاد البعض منهم الي أوطانهم شهداء، بينما دفن البعض الآخر في أرض لبنان. وصالح الذي يهز رأسه عند سؤاله عن ذكرياته في لبنان، يقول وهو مازال مشدودا الي شاشة التلفزيون اللعنة علي كبر السن واللعنة علي بعد الجغرافيا.. والله لولا ذلك لذهبت الي لبنان لمحاربة هؤلاء الجبناء الصهاينة . ويروي ل يونايتد برس أنترناشيونال أنه قطع دراسته في جامعة السوربون بباريس عام 1978 ليتحول الي لبنان متطوعا في صفوف احدي الفصائل الفلسطينية، فاستقر به المطاف في موقع عسكري في بلدة كفر تبنين من القطاع الأوسط بالجنوب اللبناني. وبعد أشهر قليلة من استقراره في الجنوب اللبناني، قام الجيش الاسرائيلي باجتياح لبنان فوجد العم صالح نفسه في مواجهة الاسرائيليين. ويقول الاسرائيليين جبناء، والله جبناء. لقد كبدناهم خسائر فادحة وألحقنا بهم هزيمة واضحة لولا الطائرات.. يلعن أبوها ذبحتنا! . وتابع لم أكن الوحيد الذي تطوع في ذلك الوقت لمحاربة اسرائيل، بل أن كثيرين من التونسيين والعرب وخاصة من المغرب واليمن والعراق فعلوا ذلك. كما أن عددا كبيرا منهم سالت دماؤهم في لبنان . ولا توجد أرقام محددة حول عدد التونسيين الذين شاركوا في القتال ضد اسرائيل علي أرض لبنان. كما لا توجد أرقام حول عدد الذين قتلوا في لبنان، غير أن آخرهم كان الهادي بن أحمد بن رمضان بركية (50 عاما) واسمه الحركي أبو نبيل التونسي الذي قتل في قصف اسرائيلي علي موقع عسكري تابع للجبهة الشعبية القيادة العامة الموالية لسورية في البقاع اللبناني بتاريخ 28 ايار/مايو الماضي. ولا يخفي العم صالح اليوم عجزه وحزنه العميق بسبب المجازر والدمار الذي ألحقته اسرائيل بلبنان. ويقول متنهدا يا ليت، بل كم أتمني العودة الي هناك من جديد لمحاربة الصهاينة، ولكن ما باليد حيلة. كما تري، أصبحت مسنا . ويتعرض لبنان لهجمات اسرائيلية منذ الثاني عشر من الشهر الماضي بعد اسر حزب الله جنديين اسرائيليين ما ادي الي مقتل أكثر من الف شخص وجرح ثلاثة آلاف آخرين وتهجير نحو مليون نسمة عن بلداتهم ومدنهم الي جانب 145 جسرا. أما مصطفي (48 عاما) والذي عمل في موقع عسكري فلسطيني في بلدة السلطان يعقوب في البقاع (شرق لبنان) فقال ل يونايتد برس أنترناشيونال : لقد تطوعت لقتال اسرائيل أثناء اجتياح لبنان عام 1982، ولكن لم يتسن لي المشاركة في مواجهة مباشرة مع القوات الاسرائيلية . ويضيف ماذا تريد مني أن أقول وأنا أري يوميا القذائف والصواريخ الصهيونية تنهال علي لبنان وشعب لبنان (..) نعم أتمني لو يفتح باب التطوع وستجدني أول المتطوعين . وفي مكان آخر من تونس العاصمة كان بلقاسم (56 عاما) يجلس داخل منزله مع زوجته وابنتهما وخلفه صورة كبيرة للثائر الاممي تشي غفيارا، وبدا منشغلا بمتابعة أخبار الحرب علي لبنان وما رافقها من تحركات سياسية. وقال انه في مثل هذه المواقف الصعبة تعود به الذاكرة الي أكثر من 30 عاما عندما كنت أحمل رشاش كلاشينكوف في موقع غير بعيد عن قلعة الشقيف في مدينة النبطية (جنوب لبنان) حيث كثيرا ما انطلقنا منه بصحبة مقاتلين فلسطينيين ويمنيين وعراقيين للقيام بدوريات قتالية ضد الجيش الاسرائيلي . وأضاف بلهجة فيها الكثير من الاشارات السياسية لقد تغير المشهد اليوم كثيرا. ما كان بالأمس ممكنا أضحي اليوم صعبا (..) وحتي المقاومة أصبحت لونا واحدا، ومع ذلك أتمني لها النصر لأن العدو لم يتغير .