مصالح الحرس الديواني بمدنين وصفاقس وتونس تحجز كميات هامة من البضائع المهربة قدرت قيمتها الجملية ب1،7مليون دينار    اتحاد الشغل يعلن تاجيل اضراب كان يعتزم تنفيذه بيومين في قطاع البريد    السوق سجلت انفراجا في إمدادات اللحوم البيضاء والبيض في اليومين الاخيرين والتزويد يتم وفق نسق تصاعدي - غرفة الدواجن    زغوان: برمجة زراعة 1000 هكتار من الخضروات الشتوية و600 هكتار من الخضروات الآخر فصلية    آفاق التعاون مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في قطاع المناجم    الرابطة الأولى: الأولمبي الباجي يتعاقد مع اللاعب فخر الدين العوجي    المدير الفني للجامعة التونسية لرفع الأثقال: عملية هروب الرباعين التونسيين الثلاثة الى الأراضي الأوروبية خلال منافسات بطولة العالم للشباب كانت مدبرة    رئاسية 2024: رصد 30 شبهة جريمة انتخابية واحالة 15 منها على النيابة العمومية    حملة أمنية كبرى بهذه الولاية: إيقاف 74 مفتش عنه وحجز مخدرات    بالفيديو: مصطفى الدلّاجي ''هذا علاش نحب قيس سعيد''    مريم الدباغ: هذا علاش اخترت زوجي التونسي    نابل: نفوق أرانب بمعتمدية بني خلاد والفلاحون يطالبون بجبر الاضرار    باريس 2024: نتائج إيجابية لخمسة رياضيين في اختبارات المنشطات    إنتقالات: مهاجم إيفواري يعزز صفوف مستقبل سليمان    تصعيد خطير.. جيش الاحتلال الاسرائيلي يعلن شن غارة جوية "دقيقة"على الضاحية الجنوبية في بيروت    إحالة المترشح للرئاسة العياشي زمال و7 اشخاص آخرين، على المجلس الجناحي بالقيروان في 3 قضايا وتعيين جلسة يوم 23 سبتمبر    '' براكاج '' لسيارة تاكسي في الزهروني: الاطاحة بمنفذي العملية..    إيقاف شخصين بهذه الجهة بتهمة الاتجار بالقطع الأثرية..    منحة قدرها 350 دينار لهؤولاء: الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يكشف ويوضح..    تنبيه/ اضطراب في توزيع مياه الشرب بهذه المناطق..    تأجيل الجلسة العامة الانتخابية لجامعة كرة السلة إلى موفى أكتوبر القادم    أكثر من 25 ألف جمعية تنشط في تونس    فتح باب الترشح لجائزة الألكسو للإبداع والإبتكار التقني للباحثين الشبان في الوطن العربي    سقوط بالون محمل بالقمامة أطلقته كوريا الشمالية بمجمع حكومي في سيئول    قبل نهاية ولاية بايدن.. واشنطن لا تتوقع اتفاقاً بين إسرائيل وحماس    فاقت 40% من مدخرات العملة الأجنبية: عائدات السياحة وتحويلات المهاجرين تدعم القطاع الخارجي    كأس الاتحاد الافريقي: النادي الصفاقسي والملعب التونسي من أجل بلوغ دور المجموعات    قرار بحل الجامعة التونسية للمصارعة والجامعة التونسية للأشرعة.    "دريم سيتي" يحل ضيفا على مهرجان الخريف بباريس بداية من اليوم    يهدد علم الفلك.. تسرب راديوي غير مسبوق من أقمار "ستارلينك"    رم ع الصيدلية المركزية: "توفير الأدوية بنسبة 100% أمر صعب"..    سعر الذهب يتجه نحو مستويات قياسية..هل يستمر الإرتفاع في الأشهر القادمة ؟    السيرة الذاتية للرئيس المدير العام الجديد لمؤسسة التلفزة التونسية شكري بن نصير    المنستير: قاتلة صديقها تعترف وتكشف الأسباب    علماء يُطورون جهازا لعلاج مرض الزهايمر    المنستير: إعترافات إمرأة قتلت صديقها    ابتداءً من اليوم: الدواجن تعود للأسواق وأسعار اللحوم البيضاء في تراجع    عاجل/ عملية طعن في مدينة روتردام..وهذه حصيلة الضحايا..    الحماية المدنية تسجيل 368 تدخلّ وعدد366 مصاب    Xiaomi تطلق واحدا من أفضل هواتف أندرويد    رفض الإفراج عن الموقوفين على ذمة حادثة رفع علم تركيا فوق مبنى للشيمينو    ثامر حسني يفتتح مطعمه الجديد...هذا عنوانه    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    كأس إفريقيا لكرة اليد للسيدات: تونس في المجموعة الثانية    تونس تشتري 225 ألف طن من القمح في مناقصة دولية    تحذير طبي: جدري القردة خارج نطاق السيطرة في إفريقيا    الصيدلية المركزية : تونس تستعد لدخول مجال الأدوية البيولوجية    توزر: وضع حجر الأساس لانجاز المحطة الفولطوضوئية الجديدة بطاقة انتاج قدرها 50 "مغواط" بجانب المحطة الأولى    مصادر أمريكية: إسرائيل خططت على مدى 15 عاما لعملية تفجير أجهزة ال"بيجر"    ارتفاع عائدات تونس من صادرات التمور    حكايات من الزمن الجميل .. اسماعيل ياسين... الضاحك الحزين(1 /2)...العاشق الولهان... والحبّ من أول نظرة !    كظم الغيظ عبادة عظيمة...ادفع بالتي هي أحسن... !    والدك هو الأفضل    علٌمتني الحياة ...الفنانة العصامية ضحى قارة القرقني...أعشق التلاعب بالألوان... وتشخيص نبضات المجتمع    كلام من ذهب...مهم لكل الفئات العمرية ... !    سلمى بكار رئيسة للمكتب التنفيذي الجديد للنقابة المستقلة للمخرجين المنتجين    "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"...الفة يوسف    مصر.. التيجانية تعلق على اتهام أشهر شيوخها بالتحرش وتتبرأ منه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ساركوزي وإطلاق مشروع الاتحاد المتوسطي
نشر في الوسط التونسية يوم 09 - 10 - 2009

وافقت قمة الاتحاد الأوروبي التي انعقدت ببروكسل يومي 14 و15 أذار/مارس الماضي ، على اعطاء الضوء الأخضر لقيام "الاتحاد المتوسطي"، وعهدت للمفوضية الأوروبية بتقديم مقترحات تفصيلية لتفعيل هذا المشروع في منتصف يوليو/ تموز المقبل.
وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد تقدم، خلال الحملة الانتخابية بإطلاق مشروع إنشاء اتحاد متوسطي: أي منظومة حضارية و سياسية واقتصادية و أمنية و ثقافية تجمع بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط شماله وجنوبه ، على غرار عملية بناء الاتحاد الأوروبي ، اندماج لضفتي المتوسط بوساطة الاقتصاد.. فالحلم عظيم و عبارة الحلم أطلقها ساركوزي ذاته في فبراير 2007 في خطابه بمدينة طولون الفرنسية و في حفل تسلمه لمهامه يوم 16 مايو2007 . وهو مشروع مستوحي في قسم كبير منه من المراجع التي اعتمدها الرئيس ساركوزي لتأسيس هذا الاتحاد و الظروف الدولية المحيطة بالمشروع الطموح. و من أبرز المراجع التقرير الذي أعدته بطلب من الرئيس ساركوزي كوكبة من الدبلوماسيين و المنظرين و المفكرين الفرنسيين لهذا الغرض وهو يحمل عنوان ( تقرير ابن سينا ) على اسم الفيلسوف الطبيب المسلم. و التقرير وثيقة ضرورية لفهم الغايات التي يرمي الى تحقيقها الرئيس الفرنسي الجديد الذي باشر الاصلاحات الجذرية الجريئة في كل مجالات الحياة في بلاده.
و كان الرئيس ساركوزي الذي استخلص الدروس من إخفاق برنامج "إيروميد"- الذي كان يشتمل على كل بلدان الاتحاد الأوروبي و حوض البحر المتوسط –يقترح " تعزيز التعاون" بين أوروبا الجنوبية و بلدان المغرب العربي. ويثير المقترح الفرنسي حول الاتحاد المتوسطي اهتماماً متزايداً في صفوف البلدان المعنية في جنوب شرقي حوض البحر الأبيض المتوسط ولدى البلدان الأوروبية.
والمبادرة التي قدمها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خلال زيارته الأخيرة الى تونس تطرح أسئلة كثيرة من دون أن توفر الاجابات الكافية. فما هو مفهوم المبادرة وما مضمونها والآليات المالية التي ستوفرها لتنفيذ المشاريع الاقليمية؟ ما هي القيمة المضافة التي ستؤمنها زيادة عن المشاريع المدرجة في نطاق خطة الشراكة الاوروبية المتوسطية؟ وإذا كانت خطة الشراكة تعاني، منذ انطلاقها، من تداعيات أزمة النزاع العربي الاسرائيلي فكيف سينجو الاتحاد المقترح من تبعاتها؟ وأيضاً، ألا تهدف المبادرة الى تعويم تركيا داخل الاطار المتوسطي بديلاً لمستقبل عضويتها في الاتحاد الأوروبي؟
كان ساركوزي اختار زيارته الى المغرب في تشرين الأول (اكتوبر) 2007لالقاء خطابه المتوسطي الذي استخدم العبارات والصور الشعرية حين قصد شعوب المنطقة بالقول:".. إلى كل المتوسطيين، إلى الشعوب التي تعيش في معجزة هذا الضوء الذي أنار أجمل أحلام الانسانية... أقول إن الوقت قد حان لجمع القوى والقلوب من أجل بناء الاتحاد المتوسطي لأن ما يجري في المنطقة أمر حاسم... هناك يتقرر ما اذا كانت الحضارات والأديان ستخوض في ما بينها اشد الحروب وما اذا كانت المواجهة بين الشمال والجنوب ستنفجر أو إن الإرهاب والتطرف والأصولية ستفرض على العالم سجل العنف والكراهية"... ذاك بعض ما قال الرئيس الفرنسي عن دعوته زعماء بلدان حوض الأبيض المتوسط لإنشاء اتحاد إقليمي يجمع عناصر القوة الاقتصادية والتنوع ويكون في مثابة الجسر الثقافي المشترك بين الغرب والشرق و بين اوروبا وافريقيا. ودعا الرئيس ساركوزي زعماء المنطقة الى الاجتماع في فرنسا في حزيران (يونيو) 2008 لاعلان تأسيس الاتحاد.
و من أبرز المراجع التي اعتمدها الرئيس ساركوزي لإنشاء اتحاد متوسطي يكون همزة وصل بين أوروبا و إفريقيا، التقرير الذي أعدته كوكبة من الدبلوماسيين و المنظرين و المفكرين الفرنسيين لهذا الغرض وهو يحمل عنوان ( تقرير ابن سينا ) على اسم الفيلسوف الطبيب المسلم. و التقرير وثيقة ضرورية لفهم الغايات التي يرمي الى تحقيقها الرئيس الفرنسي الجديد الذي باشر الاصلاحات الجذرية الجريئة في كل مجالات الحياة في بلاده.
تجاوزمسار برشلونة
كان قادة دول المغرب العربي : الملك المغربي محمد السادس ، و الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، و الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ، قد أكدوا للرئيس الفرنسي في برقيات التهنئة، التزامهم بالتعاون مع فرنسا لإنشاءاتحاد متوسطي جديد، يكون فضاء للسلام و التعاون و التنمية .
ويقوم المشروع على إنشاء إلى جانب الأوروميد - برنامج للتعاون بين الاتحاد الأوروبي مع بلدان حوض المتوسط و الشرق الأدنى، أطلق منذ عشر سنوات لكنه جمد بسبب الصراع "الإسرائيلي"- الفلسطيني –لتأسيس شراكة تقوم على معادلة "5+5": خمس بلدان من جنوب الاتحاد الأوروبي(إسبانيا، فرنسا، إيطاليا، اليونان ، البرتغال)تتعاون مباشرة مع خمس بلدان من جنوب المتوسط: الجزائر، تونس، المغرب،ليبيا ومصر.
وتقوم فكرة المشروع على البناء التدريجي لهذا الاتحاد المتوسطي الجديد من خلال القمم المنتظمة ، ثم عبر المؤسسات المقلّدة من مؤسسات الاتحاد الأوروبي في بدايات تشكله في خمسينيات القرن الماضي ، إذ إن المقاربة ستكون اقتصادية في جوهرها. و الحق يقال، أن الفكرة ليست جديدة،فالقمة 5+5 ، عقدت في تونس في ديسمبر 2003، و هناك عدة اجتماعات مشابهة ضمت وزراءالمالية أو الدفاع ، عقدت بشكل سري خلال العشر سنوات الماضية.و كان واقع الإخفاق لأوروميد، عقب الذكرى العاشرة لاتفاق الشراكة الأورو- متوسطية في برشلونة في نوفمبر 2005 ، قد حث على الإسراع ببلورة هذا المشروع الجديد.
يستند هذا المشروع إلى التقرير الذي استعرض العلاقات الفرنسية المتوسطية أي في الحقيقة علاقات باريس التقليدية مع بلدان المغرب العربي : تونس و الجزائر و المغرب، نزولا الى مصر وتركيا كشركاء لبلدان ساحل البحر في الشمال أو في الشرق أي فرنسا و ايطاليا وأسبانيا و اليونان و مالطا و قبرص. و يمضي التقرير في تقييم العلاقات الفرنسية المغاربية فيؤكد على طابعها التاريخي و لكنه يعترف بأن سياسات باريس لم تكن دائما مستقرة الأهداف ومنطقية الخيارات باتجاة المغرب العربي، و كذلك الأمر باتجاه أزمات المشرق العربي، مما جعل أبواب هذه الأقاليم تنفتح تدريجيا على القوى الأخرى الطموحة للحضور فيها مثل الولايات المتحدة و لكن أيضا الصين و روسيا.
و يقول التقرير بأن هذه العلاقات لم تبلغ مستوى المخاطر المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط و التي تهدد فرنسا و أوروبا اذا ما تم اهمالها. فبلدان المغرب العربي تونس و الجزائر و المغرب تستدعي نفسها باستمرار في كل حوار فرنسي داخلي حول ملفات الهجرة و الأمن واندماج المقيمين و العلمانية و مكافحة الارهاب، و يقترح التقرير مضاعفة الجهد الفرنسي باتجاه هذه البلدان الثلاثة حتى يرقى الى سياسة منهجية و مستديمة للشراكة في التنمية و التنسيق على كل الأصعدة. و يلفت التقرير النظر الى تعطل اتحاد المغرب العربي و أسبابه المعروفة.
الأصل في الاتحاد المتوسطي الذي يبدو اليوم بمثابة تقليعة جديدة، أنه لا يعدو أن يكون استنساخاً ذكياً لمشروع السلام الاقتصادي في المنظومة الأميركية للشرق الأوسط وشمال افريقيا، فقد بدأت في الدار البيضاء في مطلع تسعينات القرن الماضي ثم جالت على عواصم عربية قبل أن تتعرض للانهيار نتيجة تداعيات أزمة الشرق الأوسط. والحال أن الطبعة المنقحة للاتحاد المتوسطي تسلك المنهجية ذاتها في استقطاب بلدان شمال افريقيا، كونه الأقل تأثراً بما يحدث في المشرق العربي، وبالتالي فالرهان على إمكان إحداث اختراق كبير في انفراج العلاقات المغاربية يبقى محكوماً بإرادة الدول المعنية، أكثر منه بتسويق المشاعر. وسواء انجذبت المنطقة إلى دعم غير مشروط للاتحاد المتوسطي أو تحفظت على بعض أهدافه السياسية، فإنه يظل رؤية أوروبية تأخذ في الاعتبار معطيات توسيع الاتحاد وآفاق التحالفات والمنافسات القائمة مع الولايات المتحدة.
وتعلم بلدان المنطقة صعوبات الاندماج الاقليمي على الصعيد المتوسطي بسبب تعثر السلام في الشرق الأوسط. ويعد نقص التعاون في ما بين دول الجنوب أحد نواقص الشراكة الاوروبية المتوسطية. وتمثل اجتماعات الشراكة إطاراً لوجود العرب المتوسطيين والاسرائيليين إلى جانب الاوروبيين، لكن ذلك لم يؤثر ولم يساعد في حلحلة النزاع. بل إن اجتماعات الشراكة تتحول أحياناً إلى سجالات "كانت سبب تلوث نقاشات الشراكة". والوضع على حاله منذ انعقاد مؤتمر برشلونه في 1995 حتى آخر اجتماع وزاري عقد في مطلع الشهر الجاري في لشبونه. واذا كانت هذه الحال اليوم فلماذا تتغير في نطاق الاتحاد المتوسطي؟
ويتوقع أن تبذل الديبلوماسية الفرنسية جهوداً مكثفة تجاه عواصم المنطقة في غضون الأشهر التسعة التي تفصل عن انعقاد القمة المتوسطية (ربما في مرسيليا) في حزيران (يونيو) 2008. ونسبت مصادر ديبلوماسية إلى مصر دعم المبادرة الفرنسية والاستعداد للمشاركة في إنجاحها. وقد تناسب المبادرة تطلعات مصر إلى الاضطلاع بدور أكبر على الصعيد المتوسطي والانخراط في المشاريع الاقتصادية والبيئية التي قد تبرز في غضون المرحلة المقبلة.
وقال ساركوزي في خطاب طنجة إن "الاتحاد المتوسطي سيكون اتحاد المشاريع من أجل أن يكون حوض البحر الأبيض أكبر مختبر للتعاون والتحكم معاً في التنمية وفي حرية تنقل الأشخاص، والحيز الذي ينظم داخله الأمن الجماعي". وبحكم الدفء الذي يسود العلاقات بين اسرائيل وفرنسا في العهد الجديد، فان الدولة العبرية قد تتحمس لانجاح مبادرة ساركوزي. كما يصعب على لبنان تناسي الدور الفرنسي في عهد ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكن الموقف السوري سيظل لغزاً. فدمشق قد ترفض الانخراط في الاتحاد المتوسطي وهي تنفرد إلى الآن بعدم توقيعها اتفاقية الشراكة الاوروبية المتوسطية. وتمثل فرنسا العقبة الرئيسية أمام سورية بسبب موقف الأخيرة من الوضع في لبنان.
الدعاة المتحمسون للمشروع الجديد ، يريدون أن يستفيدوا من النموالاقتصادي الهائل الذي تشهده منطقة المغرب العربي،منذ عدة سنوات، إما بفضل تزايد المداخيل المتأتية من الريع النفطي، أو بسبب انتقال خطوط الإنتاج الصناعية من البلدان الأوروبية باتجاه البلدان المغاربية، التي فتحت أسواقها الواعدة للشركات الأوروبية التي تنفذ مشاريع استثمارية في مجال "الاوفشور التكنولوجي" وصناعة قطع غيار الطائرات والسيارات (ستتسع رقعة السوق المغاربية الي 100 مليون نسمة في 2010 )،من أجل تشغيل و تثبيت اليد العاملة الرخيصة، حتى لا تحاول الانتقال إلى الضفة الشمالية من المتوسط.
في هذا المعنى يكمن جديد المبادرة الفرنسية في كونها طرحت صيغة للعلاقات الأوروبية - المتوسطية أعلى من سقف مسار برشلونة، بل هي ترقى إلى مستوى العلاقات بين أعضاء الاتحاد الأوروبي ما دام الأمر يتعلق باتحاد وليس بشراكة. وهي أتت صدى للانتقادات اللاذعة والمتنوعة التي صبها أصحابها، من الجنوب والشمال على حد سواء، على المسار الأوروبي المتوسطي الأعرج .
ويبدو أن أحد أهم دوافع الرئيس الفرنسي إلى الدعوة إلى اعتماد الاتحاد المتوسطي يتمثل في نتيجة الفشل التي حصدها "مسار برشلونة"للتعاون الأوروبي المتوسطي على كافة المستويات السياسية والاقتصادية. ومن الأسباب التي تبناها الرئيس الفرنسي، صراحة أو ضمناً، في تشخيص أزمة "مسار برشلونة"عجز هذا الأخير عن ممارسة تأثير ايجابي في الصراع العربي – الإسرائيلي ، على الرغم من انطلاقه عام 1995 ، أي بعد بضع سنوات من انطلاق ما سمي عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وكان الشركاء الشماليون والجنوبيون يراهنون كثيراً على الأجواء الإيجابية التي ظهرت في منطقة الشرق الأوسط، ويتطلعون إلى تعاون وثيق بين دولها، بما فيها إسرائيل والدول العربية، لا يقف عند الحدود الاقتصادية بل يطال المجالات السياسية والاستراتيجية. ولكن رفض إسرائيل للسلام باعتباره نقيضا لوجودها ،وعجز الأوروبيين والعرب معاً عن حمل تل أبيب على احترام التزاماتها، أديا إلى إخفاق "مسار برشلونة" منذ عيد ميلاده الأول بعدما رفضت الدول العربية الأعضاء الموافقة على مشروع فرنسي للتعاون الاستراتيجي تكون إسرائيل شريكة فيه.
ويعتقد الكاتب والباحث التونسي أحمد ونيس أن مشروع الاتحاد المتوسطي الذي اقترحة الرئيس ساركوزي يمكن أن يعمق المسار الأوروبي المتوسطي ويسد الثغرات والتشققات التي ظهرت في جداره. وعزا ونيس الذي عمل سفيراً في مدريد وموسكو وعواصم أخرى، ذلك التفاؤل إلى أن المفهوم نفسه ينبني على فكرة الاتحاد، "فهو معادل للاتحاد الأوروبي لكن في حقل جغرافي واقتصادي مُغاير، ومعنى هذا أن هناك ذهنية جديدة تذهب إلى مدى أبعد من مفهوم الشراكة، أي إلى نظير للاتحاد الأوروبي".
ويشاطر هذا الرأي رئيس الوزراء الجزائري الأسبق اسماعيل حمداني، إلا أن حمداني شدد على ضرورة إدماج ثلاثة أبعاد جوهرية في بنية الاتحاد المزمع إنشاؤه وهي صوغ مفهوم مشترك للإرهاب، مع التخلي عن ربطه بالمسلمين سكان الضفة الجنوبية (لأن لكل دين متطرفيه)، والارتكاز على مفهوم المصالح المتوازنة ومكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية بإرساء فكرة الأمن الجماعي. ورأى حمداني أن مسار برشلونة لم يستطع استيعاب هذه الأبعاد وإيجاد أجوبة واضحة عليها. وبحسب أنطونيو دياس فارينا الأمين العام لأكاديمية العلوم السياسية في لشبونة يُشكل الاتحاد المتوسطي أفضل رد على التقلبات التي تعصف بالمنطقة "فهو وسيلة فعالة لتعزيز الاستقرار وإقامة حوار بين الحضارات والأديان المنتشرة على ضفتي هذا البحر" على ما قال.
غير أن هذا المشروع لن يكون محصناً من المطبات التي وقع فيها مسار برشلونة، ما يطرح أسئلة عدة عن الضمانات التي ينبغي تأمينها لوضعه على السكة. وفي رأي السفير ونيس أن الانطلاق من فكرة الاتحاد يُبعد المخاطر والمزالق لكونه يتعدى المنظومة المبنية على الشراكة ويؤمن الضمانات لتحقيق الغايات المأمولة من الاتحاد. لكن، ما دام مسار برشلونة أظهر ضعف الإرادة التي تدفع الأوروبيين لتطوير الشراكة فما الذي يضمن أنها ستكون أقوى زخماً في المشروع الجديد؟ أجاب ونيس على هذا السؤال بالعودة إلى أسباب تعثر مسار برشلونة رامياً الكرة في الملعبين معاً، إذ أكد ان الضعف لوحظ لدى الجانبين والمسؤولية مشتركة. واستدل بتجربة أوروبا الشرقية والوسطى "اللتين حققتا، كما قال، الغايات المرسومة للشراكة، إذ انطلقتا من روحها قبل الانضمام للاتحاد الأوروبي". وأوضح أن إرادة تلك البلدان كانت "القبول بإصلاح النظام الاقتصادي ولكن أيضاً إصلاح أنظمتها السياسية وإقامة المؤسسات وإرساء التعددية وصون حقوق الإنسان وإطلاق حرية الإعلام واحترام استقلال القضاء وإصلاح النظام التعليمي، وهي خطوات لم تحققها بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط في ذلك الحيز الزمني نفسه، لأنها كانت متعلقة بتدفق التمويلات الأوروبية والمحافظة على الامتيازات التي أتت بها اتفاقات سنة 1976 مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية".
مشروع الاتحاد المتوسطي ومفهوم السلام الأمن
يشدد إعلان مشروع الاتحاد المتوسطي على ضرورة جعل منطقة البحر المتوسط فضاء مشتركاً من السلام والإستقرار والإزدهار. ولهذا أعتبر البعد الأمني للشراكة الأوروبية – المتوسطية مسألة حيوية لا يجوز أن يساء تقديرها. وقد كانت دول المغرب العربي و مصر متجاوبة جداً مع مقترح الشراكة المتعلق بالجانب الأمني، نظراً للظروف السياسية المعقدة التي تعيشها منذ مطلع التسعينات و ليومنا هذا ، وارتعابها من إحتمال تولي السلطة من جانب الحركات الإسلامية، ولاسيما أن النخب الحاكمة تشكك بإطلاقية، في صفات هذه الحركات الإسلامية الديمقراطية .
ولهذه الغاية، أصبحت هناك مصلحة مشتركة سياسية وأمنية بين البلدان العربية جنوبي المتوسط وبلدان الإتحاد الأوروبي لجهة تحقيق الأمن، مع التأكيد على ضرورة الإستقرار الداخلي والخارجي للبلدانالعربية . فالتهديدات تغيرت بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط جدار برلين، وتلاشي التضاد شرق – غرب الذي كان سائداً بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، والذي كان البحر المتوسط أحد بؤره من خلال تكديس الأسلحة الهجومية وأسلحة الدمار الشامل. وعلى رغم أن هذا بات حالياً جزءا من الماضي، فإن منطقة المتوسط لا تزال تشهد إنبعاث التفتت والتناقض الأشد حدة في عصرنا الراهن، والهجرات الإنجيلية، والعصبيات الدينية، والتناقضات السياسية الإثنية، والكيانات الجيوبوليتيكية الجديدة الهشة.
لقد تمثل تجسد مفهوم الأمن لدى الدول المغاربية ومصر ودول الإتحاد الأوروبي في التعاون المشترك من أجل مقاومة التحدي الإسلامي الأصولي، الذي ينتهج خطا سياسياً قائما على الإسلام، يعبر عن الرغبة في الإستقلال الذاتي عن الإمبريالية الأجنبية التي تعتبر نيراً للعدوان الثقافي والإستغلال المادي، ويدعو إلى إعلان" الثورة ضد الدولة التسلطية" ، ويؤكد في دعاوته على الدفاع عن الهوية العربية الإسلامية على المستوى الفردي والجماعي .
وفي هذا السياق لا يجوز التقليل من أهمية ضغوطات العامل الخارجي أي العامل الأوروبي، حيث أن هناك دائما ترابطاً مهما بين تشابك القوى الإقليمية المغاربية والقوى الدولية حول المسألة الأمنية .
الرئيس ساركووزي صاحب مبادرة المشروع المتوسطي يطالب بمقاومة » الإرهاب الأصولي «، ويقدم كل أشكال الدعم الأمنية والعسكرية والمالية لبلدان جنوب وشرق المتوسط بهدف مواجهة خطر » الحركات الأصولية الإسلامية « على اعتبار أن » الإسلاميين « ليسوا ديمقراطيين على الإطلاق، من وجهة نظره، وأن آرائهم » الراديكالية والثورية « ليست ديمقراطية، كما هي تماماً آراء نظائرهم من المحافظين الدينيين والسياسيين الذين يشاركونهم في البنية الثقافية ذاتها.
إن أوروبا مستعدة لإستخدام الوسائل العسكرية لمحاربة » التصاعدا لأصولي « في المغرب والمشرق العربيين الذي يشكل تهديدا بالغ الخطورة على الأمن الأوروبي حسب وجهة نظرها. وتتبادل العواصم الأوروبية المعلومات وتتعاونفيما بينها عن كثب في متابعة » الأنشطة الإسلامية «.
إن مثل هذه الأعمال تهدف إلى جعل المتوسط جدار برلين جديداً بين أوروبا والبلدان العربية جنوب المتوسط، إذ كيف يمكن في آن واحد الإعتراف بحق الأمم في إختيار القيم السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية الخاصة بها، وفي الوقت عينه يطالب مشروع الرئيس ساركوزي دول جنوب المتوسط بإتباع مجموع القيم الإنسانية والإجتماعية المأخوذة عن التجربة الغربية الحديثة والمدمجة والإتفاقيات والمعاهدات الدولية بإعتبارها قيماً عالمية .
وتتباين الثقافات السياسية وأساليب الحكم والقيم من أقاصي منطقة المغرب العربي إلى أقاصي المشرق والشرق الأدنى المطل على حوض البحر المتوسط. والسؤال هنا لايتعلق بإختلاف النظم بل أولاً بإستعدادها لرفع الثقافة الديمقراطية الغربية لمرتبة المثل الأعلى المنشود , وثانياً قدرتها على تطبيق هذه الأنماط الغربية بشكل فعلي. وحتى إن سلمنا بأن مبدأ الديمقراطية على الطريقة الأوروبية مقبول من جميع الشركاء في جنوب حوض البحر الابيض المتوسط، يبقى حتى الدول ذات السيادة في تقرير الحاجة إلى تعجيل عملية التحول الديمقراطي، أو إلى إبطائها، أو تقييدها أو حتى تجميدها.
إذا كانت دول شمال حوض المتوسط قد أخذت بمبدأ الديمقراطية في ثقافتها السياسية منذ زمن بعيد، فان دول جنوب المتوسط، تشكل استثناء في ذلك، لجهة افتقارها عموماً إلى خبرة سابقة في ممارسة الديمقراطية، كما ان اغلبها ليس فيه الا القليل من امكانية الانتقال حتى إلى نسبة الديمقراطية. وإذا كان الطرف الأساسي في مسيرة يحتمل أن تكون ديمقراطية، هو الدولة أكثر منه المجتمع المدني المهزوم بطبيعته في دول جنوب المتوسط، أو الأمة، أو الطبقة، أو السوق، فان الدولة العربية في جنوب المتوسط، التي استحوذت على التراث البيروقراطي الفرنسي أو البريطاني، أو تراث الاتحاد السوفيتي السابق، هي دولة تسيطر عليها صورة دولة المخابرات هذا المخلوق الضخم الاستبدادي البيروقراطي التي تستمد استقرارها من الخوف لا من الشرعية. فعملية الانتقال إلى الديمقراطية تتطلب عادة وجود مجتمع مدني قادر على اثبات وجوده وعلى مساومة الدولة، بما في ذلك وجود نقابات العمال التي تتمتع بشيء من الاستقلالية، لكن انظمة الحكم في جنوب المتوسط تتهيب أو في الاقل ترتاب من مجتمع مدني فعال وقوى اكثر مما ينبغي. لذا فان التعددية المحدودة التي اقرتها انظمة في جنوب المتوسط انما هي للدفاع عن النفس والمحافظة على وجود النظام وليس للتحرك الفعلي نحو الديمقراطية.
والحال هذه كيف يمكن أن تكون هناك شراكة حقيقية متكافئة في منطقة البحر المتوسط، في ظل وجود أنظمة ديمقراطية راسخة على الضفة الشمالية، في حين تسود في الضفة الجنوبية أنظمة مازالت تحركها نحو الديمقراطية ناشئ وبطيء، ويظل إنفتاحها السياسي خاضعاً للسيطرة وقائماً على إستراتيجية ميكيافيلية تمزج بين » الليبرالية المتحكمة «، وجني ثمار الخصخصة والليبرالية الإقتصادية .
إن الشراكة الأوروبية - المتوسطية تضع المسألة الأمنية في سلم أولوياتها، بما يعني ذلك محاربة الحركات الإسلامية الأصولية، وما تسميه بالإرهاب، أي إدانة عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان، وفلسطين المحتلة، وتعتبر الإنفجار الديمغرافي والهيكل السكاني، والهجرة فيما يتعلق بالعلاقات مع المغرب العربي أهم مصادر الخوف الأوروبي. ومن هذا المنطلق، فإن الاتحاد الأوروبي يضع الشراكة السياسية والأمنية قبل الشراكة الإقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما أن الشراكة الأمنية تندرج في سياق تحقيق » مفهوم الأمن الغربي الشامل « الذي تتصدره الولايات المتحدة الأميركية، لأن الشراكة الأمنية الغربية سابقة على الشراكة المتوسطية ومتقدمة عليها، بكل ما يعنيه ذلك من إختراق لنظام الأمن القومي العربي، ومن إلغاء له.
وهكذا، فإن المفهوم الأوروبي للأمن يقوم على مسألة التعاون الأمني والإبقاء على ذلك الإختلال الجذري في التوازن الإستراتيجي بين الدول العربية والكيان الصهيوني، الذي يرفض رفضا قاطعاً مناقشة إحتكاره لأسلحة الدمار الشامل ,ولاسيما منها النووية، فضلا عن إحتلاله للأراضي العربية، والعمل على تهويد كامل فلسطين، والقدس. وهذا ما جعل بعض الدول العربية ,و لاسيما منها وسوريا والجزائر ترفض المفهوم الأوروبي للأمن، ما دام هذا المفهوم يخدم مصلحة الصهاينة، وما دامت الولايات المتحدة الأميركية ومعها " إسرائيل " تعملان على تصفية الصراع العربي – الصهيوني، وبالتالي تصفية قضية فلسطين، الأمر الذي يتناقض جذرياً مع عملية بناء الثقة على الصعيد الإقليمي، خصوصاً وأن نهاية الحرب الباردة أفسحت في المجال للولايات المتحدة الأميركية لكي تفرض هيمنة القطب الأوحد على العالم، وعلى منطقة الشرق الوسط من خلال مشروع الشرق أوسطية الذي يتصدر ريادته الكيان الصهيوني لربط هذه المنطقة من العالم بشبكة مصالح أميركا .
من هنا بات الإتحاد الأوروبي الذي يركز على المسألة الأمنية بإعتبارها مسألة حيوية في التعاون الإقليمي، يربط بينها وبين عملية السلام الجارية التي إنطلقت منذ مؤتمر مدريد عام 1991، لجهة تحقيق سلام عادل وشامل بين العرب و" الاسرائيليين ". ويذهب بعض المحللين إلى أن مبادرة الإتحاد الأوروبي إزاء منطقة المتوسط، والتي عرفت بإسم الشراكة الأوروبية – المتوسطية، تندرج ضمن سياق حرص الدول الأوروبية على خدمة مصالحها من خلال العودة إلى منطقة الشرق الوسط بعد أن إخترقتها المصالح الأميركية. لذلك عرض على دول ضفة المتوسط الجنوبية مشروعاً يطمح في أن يجعل من أوروبا طرفاً أساسياً في هذه المنطقة الجنوبية للغرب. فقد طرحت شراكة أوروبية – متوسطية تم التعبير عنها بإقتراح نظام إقليمي متوسطي يوفر للمنطقة مظلة أمنية وإقتصادية ويعزز موقعها سياسياً وإستراتيجياً.
إذا كانت الشرق أوسطية هي المحور الرئيسي من علمية السلام في المفهوم الأميركي – الصهيوني، حيث يشكل الكيان الصهيوني مركزها، لجهة سعيه إلى الإندماج في النسيج الإقتصادي والإجتماعية والسياسي للأمة العربية، فإن الإتحاد الأوروبي هو محور المتوسطية، التي تعتبر خطوة متقدمة في السياسة المتوسطية الجديدة لأوروبا تكرس هوية متوسطية لبعض العرب، وأخرى شرق أوسطية، ولن يكون ذلك إلا على حساب الهوية القومية العربية الإسلامية للعرب .
في الواقع يتقاطع مشروع الاتحاد المتوسطي في نقاط أساسية مع المشروع الشرق أوسطي، إن لم نقل بأن المشروعين كليهما يتكاملان. وإذا كانت علمية السلام التي إنطلقت منذ مؤتمر مدريد بمبادرة أمريكية قد جاءت إثر الهزيمة العربية في حرب الخليج الثانية، وإنهيار النظام الإقليمي العربي، وخضوع العالم العربي لإملاءات واشنطن حيث أصبح تأثير الضغط الأميركي مؤثراً في صناعة القرار السياسي في معظم الدول العربية، فإن دور الإتحاد الأوروبي تمثل في تقديم المساعدات المالية والتقنية للكيان الفلسطيني الهزيل في غزة، الذي نشأ عن إتفاقيات أوسلو، وتعزيز عملية السلام من خلال المحافظة على بعض الزخم السياسي في الإتصالات العربية الصهيونية في الأوقات التي كانت المفاوضات الفعلية متوقفة فيها .
ومن هذا المنطلق فإن مشروع الاتحاد المتوسطي الذي يروج له الرئيس ساركوزي يمثل مساهمة أوروبية مكملة للسياسة الأميركية، ولاسيما أن أوروبا لا تريد أن تبقى على هامش عملية السلام، أو السماح لها بالمشاركة ضمن الأطر التي تحددها واشنطن، وذلك منذ مؤتمر مدريد وما دار حوله من نشاطات وتحركات دبلوماسية، مروراً بالمفاوضات المتعددة الأطراف، فضلا عن أنها إقتنصت فرصة بدء عملية السلام للدخول بقوة إلى المشرق العربي.
والحقيقة أن الإتحاد الأوروبي تعزز تأثيره في عملية السلام وعلى بنية الأزمة بفعل عملية برشلونة، وهي لا تزال تعزز هذا النفوذ على مستوى العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف. .. إلى ذلك فإن الشراكة الأوروبية – المتوسطية توفر حوافز لمشاريع التعاون الإقليمي والإقليمي الفرعي. وبالنظر إلى مدى تدني مستوى التعاون الإقليمي بين بلدان جنوب المتوسط وشرقه، فإن الدعم الأوروبي لمثل هذا التعاون يمكن أن يحدث تحولا، وهذا ينطبق على المشاريع الكبرى، كمشاريع ربط الشبكات الكهربائية بين مصر والأردن وسوريا وتركيا، ومشروع خطوط أنابيب النفط التي تمر في بلدان عدة، مثل الخط الذي يصل بين الجزائر والمغرب وإسبانيا، كما ينطبق أيضاً على المشاريع الإقتصادية المشتركة على المستوى المايكروإاقتصادي، كتوفير الدعم المالي أو التقني للمشاريع المشتركة للمثلث الفلسطيني– الأردني–الاسرائيلي.
في المحصلة النهائية نصل إلى الإستنتاج التالي : إن مشروع الاتحاد المتوسطي مثله في ذلك مثل مشروع الشرق أوسطية، يعمل على إدماج الكيان الصهيوني في هذه المنطقة العربية. ويعتبر المشروعان أنهما يرتكزان على قوتين إقتصاديتين هما الكيان الصهيوني وتركيا، اللذان لهما إقتصاد حجمه متقارب، ويمثلان فكي كماشة بالنسبة لسورية والعراق ثم إيران ولبنان، ولديهما طموحات إقليمية إقتصادية كبرى، ويشكلان قاعدتين إستراتيجيتين تخدمان مخططات الإمبريالية الأميركية في المنطقة، المتمثلة في الحفاظ على المصالح الأميركية ومصالح أصدقائها بإحتواء الدول المناوئة لسياستها ,و لاسيما سورية وايران، وفرض الإستسلام على العرب، وضمان إستمرار الأوضاع القائمة بإستمرار التفوق الصهيوني وفك الروابط الدفاعية العربية، وربط الدول العربية ببلدان أخرى، ورفض أي دور عربي متكامل لأمن المنطقة، وفصل المشرق العربي عن المغرب العربي.
المصدر : مجلة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.