تناقلت وسائل الأنباء الدولية بشكل واسع في مقدمة أخبارها العالمية الخبر الذي نشرته وكالة الأنباء الفرنسية مساء 18 ماي حول تحول قاضي تحقيق فرنسي إلى تونس لحضور عمليات الاستنطاق و التفتيش وسماع الشهود الحاصلة تنفيذا للإنابة العدلية الدولية الصادرة عنه في حق صهري رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي على خلفية التحقيق الجاري في فرنسا حول العصابة الدولية لسرقة القوارب السياحية "يخوت" في المواني الأوروبية و تحويلها إلى تونس حيث يتم تزوير أوراقها و التصرف فيها أو بيعها. و هذه ثاني قضية إجرامية ذات طابع دولي منظم يتورط فيها أفراد من عائلة الرئيس بن علي منذ توليه السلطة سنة 1987. فقد سبق أن أدين شقيقه المدعو المنصف بن على في التسعينات من أجل الضلوع في نشاط عصابة لتهريب المخدرات للبلاد الفرنسية و حكم عليه بالسجن مدة عشر سنوات. و انطلقت القضية الأخيرة بعد العثور على اليخت المسروق و الذي تقدر قيمته بمليوني دينار و التابع لرجل الأعمال الفرنسي برينو روجي راسيا بالمبناء الترفيهي بسيدي بو سعيد و في تصرف ابن شقيق زوجة الرئيس بن على المدعو عماد الطرابلسي الذي قام بتغيير طلائه و كان بصدد إستغلال نفوذه في تغيير أوراقه. وقد حلت في ذلك الوقت وزيرة الدفاع الفرنسية لدى الرئيس الفرنسي السابق شيراك للتدخل لتسليم اليخت لصاحبه الذي تربطه علاقة وثيقة بالرئيس الفرنسي المذكور. بينما ألقي القبض في فرنسا على الأطراف الذين قاموا بجلب المركب من ميناء كورسيكا، ونشرت الصحافة الفرنسية جانبا من إعترافاتهم التي أظهرت أن القضية لا تتعلق بعملية منفردة بل بعصابة منظمة بين تونس و فرنسا استهدفت عديد المراكب المفقودة. و بدا جليا في حينها أن القضية على درجة كبيرة من الخطورة تتجاوز المتهمين للمس مباشرة من رئيس الجمهورية التونسية خاصة بعد تكرر مثلها بين أفراد عائلته. وقد جاء تعامل القضاء التونسي معها منسجما مع الخط الذي اتبعه القائمون عليه منذ تولي الرئيس بن علي للحكم و القائم على تكريس حصانة قضائية لحاشية الرئيس و أقاربه رغم كل التجاوزات الخطيرة التي ضجت لها كامل البلاد أكثر من مرة و المتاجرة بالنفوذ التي جعل منها بعضهم مهنة علنية. و بدا كأن القضية وقع تجاوزها. و قد جاء بعدها مباشرة المأساة التي حصلت في صفاقس منذ سنة بمناسبة تنظيم حفل نجوم ستار أكادمي من طرف مؤسسة "فرحة شباب تونس" التابعة لعماد الطرابلسي و التي أستغلت الإقبال على الحفل لبيع أضعاف ما تستوعبه القاعة المعدة لاحتضانه مما نتج عنه موت العديد من الشبان و الشابات دوسا تحت الأقدام بسبب الزحام و لا تزال عائلاتهم تنتظر إنصافهم. هذا عدي ما يتم تداوله بصورة منتظمة من ممارسات استغلال النفوذ واختراق الإدارة و تسخير الجمارك و القوة العامة لتنفيذ أغراضهم أو للإنتقام ممن لا يستسلمون بسهولة لتهديداتهم دون أن يحرك ذلك ساكنا أو يفتح مجالا لتحقيق في هذه الإدعاءات حتى ساد الإعتقاد بأنها تتم بعلم و مباركة ممن يمسكون بالسلطة أنفسهم بعد أن ضمن الرئيس لنفسه حصانة قضائية مطلقة أثناء وبعد انتهاء مدة رآسته بموجب الدستور بعد تعديله سنة 2002. كما جاءت زيارة الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي و زوجته إلى تونس في موفي أفريل و ما صاحبها من مبالغة في الحفاوة به من الجانب التونسي و ما صدر عنه هو نفسه من عبارة الإطراء التي امتدح بها الرئيس بن على و نظامه إلى درجة امتعاض وزير خارجيته رغم حالة الإنغلاق و الحصار المسلطة على البلاد كمؤشر على التوصل إلى تفاهم حول التتبعات الجارية في فرنسا ضد أقاربه و تجديدا للثقة في نظامه و مساندة لعزمه التمديد للمرة الخامسة في رئاسته. و بالرغم من ملاحظة الغياب الكلي لزوجته عن مختلف مراسم استقبال الرئيس الفرنسي و زوجته خلال كامل مدة الزيارة فقد عزى الملاحظون ذلك لحدادها عن وفات والدتها و الحال أن الزيارة لم تتم إلا بعد انقضاء "الفرق" وهو الأجل التقليدي للحداد في العادات الإسلامية المحلية. و لكن الرأي العام فوجئ في الأيام الأخيرة مباشرة بعد عودة الرئيس الفرنسي بحدثين لا يخلوان من دلالة و على اتصال بالعلاقات التونسية الفرنسية. الأول تمثل في عملية السطو المنضمة التي استهدفت السيطرة على إدارة البنك التونسي تمهيدا للسيطرة على رأسماله و الذي يملك فرنسيون فيه حوالي الربع مما جعله يبقى محصنا لحد ذلك الوقت مما تعرضت له بقية البنوك. و قد تجلت نتائج العملية جزئيا بدخول شقيق زوجة الرئيس بلحسن الطرابلسي إلى هيئة إدارته و إبطال محضر مجلس الإدارة السابق المتخذ بشأن الترتيبات المعتمدة للزيادة في رأسماله للحفاظ على توازن حصص مالكيه ومنع السيطرة عليه. أما الحدث الثاني فتمثل في الحملة الإعلامية غير المألوفة التي شنتها وسائل الإعلام الرسمية خلال الأسبوع الماضي على القضاء الشرطة الفرنسية بالتنديد بتجاوزاتهما على خلفية وفاة شاب تونسي عند إيقافه بمقاطعة "نيس" جنوبفرنسا. و قد بادرة القضاء التونسي في سابقة غير معهودة بفتح تحقيق في الموضوع. و بدا واضحا أن الأمر غير عادي خاصة و أن الحملة تزامنت مع مقتل شاب تونسي آخر بمنطقة قفصة أثناء عملية احتجاج سلمية عن البطالة بعد أن تم الإذن بحضور جميع السلط المحلية بإعادة التيار الكهربائي للمحطة التي كانوا يعتصمون بها لصعقه مع من معه دون أن يتم مجرد الإشارة إلى ما حصل له في جرائد السلطة و مختلف أجهزة إعلامها. و يتبين اليوم أن تلك الحملة لم تكن سوى رد فعل وقع تحريكه بعد تمسك القضاء الفرنسي باستكمال الأبحاث في قضية العصابة الدولية لسرقة اليخوت السياسية و عزم قاضي التحقيق الفرنسي القدوم إلى تونس لمراقبة تنفيذ الإنابة العدلية الواقع تبليغها للسلطات التونسية. و تجلى بذلك السبب الحقيقي للتشهير بالقضاء و الشرطة و السلط الفرنسية بعد كل ما قاله رئيسها من مديح في رئيس تونس و نظامها منذ أيام. .و قد لازمت مختلف وسائل الإعلام التونسية التعتيم الكامل حول هذه القضية و عن عمليات الإستنطاق و التفتيش و سماع الشهود المجرات التي كشفتها وكالة الأنباء الفرنسية و لا يعرف لحد الآن إذا كان قد تم اتخاذ قرار بإيقاف المتهمين الرئيسيين في القضية و هل سيتم تسليمهما للسلطات الفرنسية عملا بالمذكرة الصادرة بشأنهما إلى الشرطة الدولية "أنتربول".