لما عرض مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية من قبل رئاسة الجمهورية قبل سنة ونصف تقريبا على مجلس نواب الشعب التونسي بهدف "طيّ صفحة الماضي وتحسين مناخ الأعمال وتشجيع الإستثمار" وقد ورد في مشروع القانون الأساسي أنه يرمي إلى اتخاذ "تدابير خاصة بالإنتهاكات المتعلقة بالفساد المالي والإعتداء على المال العام تفضي الى غلق الملفات نهائيا ، تحقيقا للمصالحة باعتبارها الغاية السامية للعدالة الانتقالية". وعارضته كل المنظمات الحقوقية والأحزاب السياسية وكتلهم النيابية. وتعود هذه المعارضة للمشروع للأسباب التالية: · أن المصالحة الوطنية، كما جاء في قانون العدالة الانتقالية تهدف الى "تعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق العدالة والسلم الاجتماعية وبناء دولة القانون وإعادة ثقة المواطن في مؤسسات الدولة " وهو ما يتناقض مع قانون المصالحة الذي لا يحترم أسس العدالة الانتقالية ويكرّس عدم المحاسبة لأولئك الذين ارتكبوا انتهاكات في حق البلاد واقتصادها واستولوا على المال العام ولا يدعم ثقة المواطن في القانون ولا في مؤسسات الدولة. · إن هذا المشروع يقفز على الفصل 14 من القانون الأساسي المتعلق بتحقيق العدالة الإنتقالية والهادف "تفكيك منظومة الفساد والقمع والاستبداد ومعالجتها بشكل يضمن عدم تكرار الانتهاكات واحترام حقوق الانسان وإرساء دولة القانون" · ان المصالحة ليست معزولة عن مسار العدالة الانتقالية الذي يتضمن الخطوات الأساسية التالية: المساءلة والمحاسبة وجبر الضرر ورد الاعتبار وإصلاح المؤسسات قبل المصالحة، لذا فالقفز على هذا المسار يعني تغييب وتشويه للعدالة الانتقالية. . ان المشروع لا يكرس الفصل بين السلط ولا يحترم السلطة القضائية: ففي حين يقضي قانون العدالة الانتقالية بوجود هيئة قضائية تبت في ملفات الفساد والاستيلاء على المال ألعام جاء في الفصل الثالث من قانون المصالحة، أن جل اعضائها ممثلين عن السلطة التنفيذية، مما يعني خضوعها الى المصالح السياسية للأطراف الحاكمة. وآنذاك عرض المشروع إلى التعديلات في ردهات مجلس النواب.
وكانت لجنة «التشريع العام» في المجلس بدأت الأربعاء 2017.04.24 بمناقشة نسخة جديدة من مشروع قانون المصالحة ولكن أهم مكونات المجلس من الكتل البرلمانية رفضت حتى النسخة الجديدة. وفي مقابلة مع "القدس العربي" عبّر السياسي والمختص في القانون الدستوري قيس سعيد عن رفضه القطعي للمشروع قائلا" المصالحة ستتم اليوم بين أطراف سياسية وليس بين الشعب التونسي ومن تورطوا في الفساد، ولكن لو كانت النية صادقة (لدى القائمين على المشروع) لتم البحث أصلا عن حل منذ الأشهر الأولى التي تلت الثورة التونسية، وأود الإشارة هنا أن هذا المشروع تم إعداده تحت جنح الظلام وداخل الغرف المغلقة ليتم لاحقا مناقشة مبدأ المصالحة من دون وجود نص، فضلاً عن أن هيئة الحقيقة والكرامة لا تزال موجودة، وفي حال تم تمرير هذا النص سيتم سحب عددد من القضايا والملفات منها وخاصة المتعلقة بقضايا الفساد الاقتصادي والمالي، والدليل على أن المسار خاطئ اليوم في كافة المجالات سواء بالمصالحة أو من دونها، وهذه الاحتجاجات التي عادت من جديد بالشعارات نفسها تقريبا (التي كانت سائدة خلال الثورة) في كل مناطق الجمهورية، والسلطة المركزية اليوم تتحرك بنفس السياسات السابقة البالية وتقدم هذه المشاريع على أنه منّة وفضل على الشباب".
إن الرفض لمشروع القانون في الوقت الذي تشتعل فيه المناطق العديدة بالبلاد وخاصة في تطاوين والكاف ودوز يمهد للذين أجرموا في حق الشعب الإفلات من العقاب ( حوالي 400رجل أعمال) بينما لن يتم إنصاف بقية المتضررين مما يعد إجحافا في حقهم ونسيان قضاياهم العادلة.