من أجل أن يكون يوم 23 من أكتوبر ختاما فريدا لثورة فريدة
لقد كانت الثورة التونسية فريدة من نوعها، لم يشهد لها تاريخ الثورات مثيلا.
فهي الثورة الأولي التي لم يفجرها قائد ملهم ولا أب روحي ولا حزب طليعي ولا جماعة رائدة.
وهي الثورة الأولي التي لم ينظر لها أحد من المفكرين ولا من الفلاسفة ولا المثقفين.
وهي الثورة الأولى التي فجرها المهمشون والعاطلون والكادحون ثم التحقت بهم بعد ذلك بقية شرائح المجتمع.
وهي الثورة الأولي التي أصر فيها الثائرون على السقف الأعلى للمطالب الجذرية التي لم يزايد عليها أحد، بل نصبت النخب عليها سوق المناقصات المتتالية.
وهي الثورة الأولي التي تعايشت مع بقايا الدكتاتورية بعد هروب الدكتاتور، ورضيت بتأجيل استكمال أهدافها إلى حين.
وهي الثورة الوحيدة التي لم تستكمل جميع أهدافها بالوسائل الثورية، بل سمحت لبقايا الاستبداد بقيادة مرحلة انتقالية طويلة، وقبلت تأجيل استكمال الأهداف الحيوية للثورة لما بعد الاحتكام إلي صناديق الاقتراع. فما حدث في تاريخ جميع الثورات هو كنس النظام الفاسد تماماً ثم الاحتكام إلي صندوق الاقتراع- حيثما تم ذلك- لإرساء أسس النظام الجديد.
وقد ظل الشك يراود كل الحريصين على تحقيق أهداف الثورة في إمكانية حصول ذلك عبر صناديق الاقتراع، لأسباب سال في شرحها حبر كثير. وقام ذلك الشك أساسا على انعدام الثقة تماماً بالحكومة الموصومة بأنها من بقايا الدكتاتورية والمتهمة كل حين بأنها تسعى للتآمر لمنع الإرادة الشعبية من التبلور الفعلي والإمساك بزمام الأمور. وكان لأداء هذه الحكومة الدور الأكبر في تعزيز هذه الشكوك.
ولا ريب أن المخاوف من الالتفاف على المحطة الانتخابية ومن تزوير الإرادة الشعبية ضلت في تراجع مستمر مع تراكم عوامل عديدة في الداخل والخارج وخصوصا مع وضوح وترسخ عاملين اثنين أساسيين: أولهما إصرار الشعب التونسي على عدم التفريط في الحرية التي اكتسبها بعذابات السنين وبدماء الشهداء وعدم القبول بعودة أي شكل من أشكال الاستبداد والفساد،. وثانيهما النجاحات المتتالية التي حققتها ثورات الشعوب العربية التي شكلت دفعا هائلا لعزم الشعب التونسي، وبالمقابل، فقد كان لسقوط نظام الإجرام القذافي وقع شديد على كل القوى التي راهنت على خداع الشعب وإجهاض ثورتهٍ. وبالنهاية تضافرت جميع العوامل على الدفع في اتجاه الولوج إلي هذه التجربة الفريدة في تاريخ الثورات.
وها قد شارفت الثورة التونسية على المرور بهذا الامتحان المصيري الذي سوف يشكل علامة فارقة لن تقل أهمية عن لحظة انتصار الثورة بهروب المخلوع يوم 14 من جانفي الماضي. فهل تحترم جميع الأطراف قواعد العملية الانتخابية ؟ وهل اقتنعت القوى الداخلية والخارجية أن القبول بالحكم الصادر عن الصندوق هو الخيار الأسلم؟
لقد ألهمت ثورة الشعب التونسي بقية الشعوب العربية، وهي الآن بصدد إلهام شعوب العالم، والغربي منه بالخصوص، والذي جعلته هذه الثورة يغادر لأول مرة منذ قرنين موقع الأستاذ ليجلس متواضعا على مقعد المتعلم والمتلقي لدروس ثورة عنوانها إرادة الشعب.
وما من شك أن نجاح الشعب التونسي في تجاوز هذه المحطة الفاصلة سوف يكون ختاما فريدا لثورة فريدة.