بسم الله الرّحمان الرّحيم المختار البوزيدي مرّ اليوم قرابة الخمسة أشهر على سقوط الطّاغية و هروبه إلى السعودية. لقد مثل ذلك أعظم إنجاز لثورتنا المباركة و أزكى ثمارها. لقد أمكن الله لشعبنا أن يطيح بطاغية اجتمعت فيه مركبات الجهل والبطش والإنحطاط الأخلاقي، ولا أحسب أنّ تونس عرفت على مرّ تاريخها جبارا أظلم و أطغى منه. كيف لا نعتبر ذلك إنجازا عظيما ونحن نعلم أنّه أقام دعائم حكمه على الحديد و النّار فكوّن جهازا أمنيا لا يفقه إلّا القمع والتنكيل و الإذلال للمواطنين، كما تحالف مع يسار استئصالي لايحسن إلّا معاداة هوية الشعب وتوظيف أجهزة الدولة الإعلامية والثقافية لمحاربتها، و استفاد من دعم غربي غير محدود لتنفيذ برنامجه القمعي الإستئصالي. من كان يتصوّر ضمن هذه المعطيات أن يتمكّن شعبنا الأعزل من أيّ سلاح غير سلاح الصبر و الشجاعة و العزيمة أن يسقط هذا الطاغية في أيام معدودات، من عجائب القدر أن تكون بعد سنين حكم المخلوع الهارب؟ لقد صبر شعبنا على القمع و الطغيان و صبر على العبث بهويته الثقافية و الدّينية ومحاربتها وصبر على الظلم الإجتماعي و الفساد المالي و الأخلاقي للطبقة الحاكمة و انحنى كالسنبلة عند العاصفة و لكن عندما بلغ السيل الربى انتفض و نهض كالمارد فأذلّ وهزم حاكما جبارا أثيما. ألا يحق لشعب بهذه الشجاعة و البطولة أن ينعم بثمار ثورته؟ ألايحق لشعبنا بعد مضي خمسة أشهر على ثورته أن ينعم بالحرية والكرامة و أن يلمس من الساسة عزما حقيقيا لتحقيق العدالة الإجتماعية و الجهوية و أن يرى صونا لهويته وإعلاما نزيها يحترم انسانيته و ثقافته؟ أما ينبغي للمتآمرين على ثورتنا أن يحموا أنفسهم من قيام المارد فيكفوا عن شعبنا أذاهم ومكرهم؟ بلى لشعبنا الحق في أن ينعم عاجلا ببعض ثمار ثورته لا أريد من خلال هذا الإقرار أن أبشّر بالسراب. نعلم جميعا أنّ الثورات لا تحقق أهدافها الكبرى في مراحل زمنية قصيرة، ونعلم أنّ بعض الشهور من الفعل الثوري لايمكن أن تحقق الأهداف فما بالك بالأيّام. ولكنّنا تعلّمنا أنّ حسن البدايات تؤدّي غالبا إلى حسن الخواتم. نحن في حاجة إلى مزيد من الفعل الثوري لتحقيق أهدافنا خاصّة وأنّ ثورتنا تتعرّض لمؤامرات العديد من الأطراف، تتكون من بقايا النّظام السابق ومن أطراف معادية لحقّ الشّعب في الإختيار وتقرير مصيره ومن أطراف أجنبية استعمارية . هؤلاء يدافعون عن مصالح و مواقع اكتسبوها أيّام المخلوع، نعم من حقهم أن يدافعوا عن مصالحهم و مواقعهم و نحن لا ننكر عليهم ذلك، ماننكره عليهم هو أن يكون هذا الدّفاع على حساب مصالح شعبنا و تطلعاته و أهليته في تقرير مصيره بنفسه عبر انتخابات حرّة و نزيهة. وفي المقابل ننكر على شعبنا وقواه الحية تراجعها في الدّفاع عن مصالحها. لقد أعطى شعبنا مهلة لأعداء الثورة ومنحهم هدنة مجانية عساهم يصلحوا بعض ما أفسدوا في السنين الخوالي ولكن هؤلاء تمادوا في غيّهم و مكرهم. إذن لابدّ لشعبنا أن يستيقظ و يستأنف فعله الثوري من جديد حتّى يجني الثمار. خطة طريق لتحقيق الأهداف المرحلية لابدّ لكلّ خطّة يراد لها النجاح من وضوح أهدافها و تحديد وسائلها، لذلك سأحاول بمساهمتي المتواضعة أن أطرح بعضها و أدعوا من خلال هذا المقال شباب الثورة خاصة والوطنيين عامة لإثرائها. و أودّ أن أشير هنا أنّ الحديث يدور هنا حول أهداف مرحلية أحسب أنّ خمسة أشهر كانت كافية لتحقيق الكثير منها. الأهداف - فتح المجال أمام أبناء شعبنا للعمل السياسي و الإعلامي الحر دون رقابة بوليسية و عراقيل قمعية بدعوى الحفاظ على هيبة الدولة. - فرض التعامل الكريم مع المواطن خاصة من طرف أجهزة الأمن و الإدارة بما يحفظ كرامةالمواطن و حرمته الجسدية. - الإسراع في محاكمة رموز النظام السابق في قضايا القمع و الفساد. - الإسراع في محاكمة قتلة شهداء الثورة من القناصة و غيرهم. - تحقيق خطوات ملموسة في تطهير أجهزة الدّاخليّة من الجلاّدين المتورطين في القمع والتنكيل بأبناء شعبنا. - تحقيق خطوات ملموسة في تطهيرجهاز القضاء من القضاة الّذين وظّفهم الطاغية لقمع المخالفين و قطع خطوات ملموسة لتحقيق استقلال القضاء. - إلزام الحكومة الحالية و الحكومات القادمة أن تتعهد بتوزيع عادل لميزانية التنمية و إعطاء الأولوية للمناطق الدّاخلية المهمشة. - تحقيق علوية الشعب في تحديد التوجهات الكبرى للدولة و في اختيار من يحكمه و التصدّي لمحاولات مصادرة حق الشعب في اختيار من يصيغ دستور البلاد الوسائل - تشكيل قيادة شبابية معلنة من جميع الجهات تقود التحركات و توجهها و تتواصل مع الإعلام، وعلينا أن نستفيد من التجربة المصرية و اليمنية "شباب الثورة" في هذا المجال. - العودة إلى الإعتصامات الشعبية بمطالب واضحة تتماشى مع أهدافنا المرحلية مع تجنب المطالب الإجتماعية. - المطالبة بحلّ الهيئة العليا لبن عاشور باعتبارها أتمت مهامّها في صياغة قانون الإنتخابات و حتى نتصدّى لمحاولة بعض أفرادها لتحويلها إلى هيئة تقريرية تصادر اختيار الشعب. - الإتصال ببعض الشخصيات الوطنية النزيهة من المتقدمين نسبيا في السن أمثال المستيري و الفلالي و غيرهم لتكوين هيئة حكماء الثورة تدعم الشباب في رسم الخطوات العملية لتحقيق أهدافنا. هذه بعض المقترحات لتصحيح مسار الثورة و التصدّي للمتآمرين على ثورتنا. لا أزعم أنّها تشتمل على الحلول القطعية لتحقيق أهداف ثورتنا، هي مقترحات تحتاج إلى مزيد الإثراء و التقويم. و يبقى المقال مجرد دعوة لمواصلة الفعل الثوري السلمي من مسيرات و اعتصامات و غيرها حتّى ينعم شعبنا بثمار ثورته. المختار البوزيدي