من الواضح أن قوى الردة لم تيأس بعد من إمكانية خداع الشعب وإجهاض ثورته، ولا يبدو أنها ستيأس وتترك الأمر بسهولة.
فبعد فرار المخلوع طلع علينا وزيره الأول الغنوشي مواصلا نفس المشوار، ولم يتزحزح إلا يجهد جهيد، واعتصامين اثنين وسقوط ضحايا جدد وأعمال حرق وسلب ونهب...
فلما رحل غير مأسوف عليه جاءنا السبسي، وكان "أول القصيدة مراوغة".
فقد وقعت تسميته دون أدنى استشارة لأي من القوى السياسية والمدنية التي باتت ملأ السمع والبصر.
ثم شكل حكومته متعاميا عن الجميع، مستغلا فض الاعتصام الذي لم يكن سوى فرصة أعطاها إياه الثوار ليختبروا حسن أداءه منتظرين منه استجابة كاملة لمطالب الثورة.
غير أن الذين هم خلف الستار يضعون الخطط الواحدة تلو الأخرى لإجهاض الثورة ليس لهم على ما يبدو من خيار غير مواصلة الألاعيب طمعا في استغفال الغالبية الكبرى من الشعب للاستفراد من بعد ذلك بالناشطين و شباب الثورة.
فبعد تصريحاته المستهترة بالمطالب الشعبية بحل البوليس السياسي وما أثارته من غضب شديد، سارع السبسي وحكومته إلى الإعلان عن حل هذه الجهاز مع الضمان الكامل لإفلات مجرميه، كبارهم وصغارهم من العقاب، مما يعد إفراغا لهذا القرار من أي مضمون إيجابي.
ثم كانت السخرية من ذكاء الشعب التونسي بالزعم أن أعداد البوليس السياسي لا تتجاوز المائتين، في حين يعلم الجميع أن هذا العدد كان يهاجم منزلا واحدا لاعتقال مناضل واحد، مع ترويع الأهل والجيران وجيران الجيران إلى الجار الأربعين...
وفي مقابل القرار القضائي بحل التجمع، سارعت هذه الحكومة بالترخيص لأربعة أحزاب تجمعية، في انتظار البقية التي سوف تأتي سريعا إن سمحنا لهذه المهزلة أن تتواصل.
وآخر ما صدر عن السبسي وحكومته هو هذه التعيينات المستفزة للمعتمدين الفاسدين المرتشين كاتبي التقارير المتسببين في المآسي التي قاساها جميع الشرفاء طيلة الثلاث وعشرين سنة الماضية. فقد عمد السبسي إلى لعبة "الكراسي الموسيقية" في استخفاف شديد بذكاء الشعب واستهتار واضح بتحذيرات المعتصمين وجميع القوى المدافعة عن الثورة.
2 خطة مفضوحة وإصرار على تنفيذها:
إن كل هذه المناورات والمخاتلات والألاعيب لن تنتهي ما لم ننجح في فرض البديل التوافقي الحقيقي على رأس الدولة.
فطالما استمر بقايا الدكتاتورية وأيتام الدكتاتور في المسك بزمام الأمور فلن ييأسوا أبدا من إمكانية تطبيق خطتهم رغم افتضاح أمرها. هذه الخطة القاضية بتزوير الانتخابات القادمة على طريقة المهزلة المغربية بحيث يحصل كل حزب من أحزاب "التجمع الجديد" على نسبة من الأصوات لا تزيد عن 15 بالمائة تضاف إليها نسب مماثلة لأحزاب "الموالاة الجديدة"، بحيث يكون المجموع من 70 إلى 80 بالمائة من المقاعد لهؤلاء. والأموال حاضرة بمئات الملايين لإنجاح هذه الخطة.
ولا يقولن أحد، أو يخطر بباله أن مجرد افتضاح أمر هذه الخطة سيمنعهم من المضي فيها قدما، ولنتذكر جميعا أن الخطة المشؤومة "لقطع الجذور وتجفيف الينابيع" كان أمرها قد افتضح قبل تطبيقها بوقت طويل، فلم يمنع ذلك من أن تحل على تونس سنوات الجمر الطويلة.
3 الخطة المضادة وضرورة الرد القاصم:
يجب أن يكون ردنا هذه المرة قاصما لكم أمل لأعداء الشعب في إمكانية تحقيق مخططاتهم الجهنمية. ومن أجل ذلك اقترح الخطوات التالية:
قبل المناداة إلى الاعتصام من جديد يجب الاتفاق على شخصية وطنية جديرة بالثقة لتولي المسؤولية الأولى خلال هذه المرحلة، ولتكن هذه الشخصية السيد أحمد المستيري مثلا، مع اشتراط الالتزام بالتشاور الدائم مع جميع القوى السياسية والمدنية. ولا يتم فض الإعتصام حتى يتولى من نصبه الشعب دفة المرحلة الانتقالية ويبدأ بإحالة مجرمي البوليس السياسي وكافة رموز التجمع على القضاء مع تجميد كل أحزاب التجمع الجديد حتى صدور الأحكام القضائية ضدهم.
لا يشارك في الاعتصام إلا جزء من شباب الثورة بينما يحرص الباقون على منع شراذم التجمع والبوليس السياسي من ارتكاب جرائم جديدة في الجهات، ويتولى الجميع مطاردة المسئولين المحليين من عمد ومعتمدين وولاة ورؤساء لجان تنسيق وغيرهم ممن أذاقوا الشعب الأمرين ويريدون إعادة الكرة ثانية. لا مجال لأن يشارك في الانتخابات القادمة كل من ساهم في المأساة المرة التي عاشتها بلادنا من عتاة مجرمي التجمع ومن شايعهم وأعانهم على سرقة أموال الشعب وانتهاك كرامته و قتل أبناءه.
4 مخاطر ومحاذير:
إن أكبر خطرين يتهددان الثورة هما: أن تخبو جذوة الحماس والاندفاع لدى الشباب، فلو حدث هذا لا سمح الله لارتدت علينا فورا آلة التعذيب والتزييف الجهنمية المتحفزة وأحالت مكاسب الثورة هباء منثورا.
أن تصدق القوى الاجتماعية المناصرة للثورة أن ما تحقق من مكاسب غير قابل للردة، فينفرط عقد تحالفها المتين، وتنخرط قبل الأوان في معارك وخصومات سياسية وفكرية تضعف أداءها في تأطير الشباب وتجييشه لإفشال خطة إجهاض الثورة، والتي لا يقف وراءها عتاة مجرمي التجمع فقط، بل تساندهم قوى خارجية عظمى تعتبر أن شعوبنا لا يجب أن تتاح لها أبدا فرصة الاختيار الحر وتفعل كل ما في وسعها لمنع أي تحول ديمقراطي حقيقي في البلدان العربية.
إن مهمتنا الأساسية في هذه الظرف التاريخي هي الحرص على قراءة الواقع ومآلاته قراءة صائبة، والقيام بواجب التوعية لقوى الثورة وشبابها حفاظا على زخمها حتى تحقيق جميع أهدافها. الأحد 13 مارس 2011