رسالةٌ إلي فضيلةِ مُفتي الدّيار التّونسيّة: من إمام خطيب بالدّيار السّويسريّة الشيخ محمد الحبيب مصطفى الشايبي
فتواك يا فضيلةَ المُفتي كلمةُ حقٍّ أُريدَ بهَا باطل، في تحريم الصّلاة على " مُحمّد البُوعزيزي " رحمهُ الله و على شهدائنا في تونس و هم في ريعان شبابهم ! أستسمِحُ فضيلتكُم بِزُمرَةٍ من الأسئلة إن لم تَعْبَهْ بِهَا اليوم، فستقرؤُها في كتابك و يسألُكَ الله عليها عند لقائه و فضيلتُكُم لا يشكُّ في ذلك قطعًا: · السُّؤال الأوَّل: أين فضيلتكم حينمَا جاعت العائلات و ضاقت بهم الأرض بما رحُبت ؟ ألمْ تكُنْ هُناك حينما جاع جيرانُك في الوطن ؟ ألم يُوصيكَ دينكُ قُرآنًا و سُنّة عنهم خيرًا و أنت تجاورهم في الوطن، ذي القُربَى منهُم كانَ أو جارِ الجُنُب ؟ ناهيك عن أنّك تمثّل دين الله في بلد لا ندري أين غاب فيه الوازع الدّيني، أليس ذروة سنام الجِّهادِ يقبعُ في : كلمةِ حقٍّ عندَ سلطانٍ جائرٍ ؟ لا نختلف مع الحكم الشّرعي القاضي بحُرمَةِ الإنتحار " ...و لا تقتلُوا أنفُسكم إنّ الله كان بكم رحيمًا "[1] و هذه هي كلمةُ الحقِّ التي نعنيّ، و لكن أُريدَ بها باطل حينما تغضُّ الطّرف عن جرائم النّظام! محمّد البُوعزيزي رحمه الله قتلَ نفسهُ حينما أُوصدت في وجهه الأبواب و ضاقت به الفاقة ذرعًا، في سجنه الكبير الذي يقبعُ فيه، فلجأ إلى لُقمة العيش كبقّال مُهمّش بسّوق سيدي بوزيد، فما كان على " كلاب الحراسة " إلاّ أن ألقوا بعربته المُتواضعة أرضًا، فأَرْدَواْ رأسَ ماله هباءً منثُورًا، و الأنكى من ذلك أنَّ " شُرطِيَّةًً "[2] لئيمة صفعتهُ على وجهه، فأراد أن يحقِن ما بقي له من ماء الوجه حتّى يشكُو أعلى هرم السّلطة في الولايّة و لكنّ مع الأسف كما هُوَّ معهود في بلد كمَّمَ الأفواهَ و عَتَّمَ الإعلام و قهرَ و استبدّ، ألقى بمحمد البُوعزيزي رحمه الله عرض الحائط فلم يجد من يُصغي إليه، فمَا كان لِهذا الأخير إلاَّ أنْ يُضرِمَ في نفسهِ النيران، فلماذا لا تُنوّه فضيلة المُفتي بالعدل الذي قامت عليه السّماوات و الأراضين: " و السّماءَ رفعها و وضعَ الميزان "[3] الذي ترك مكانهُ إلى الظّلم الذي خيّمَ على كامل البلاد التّونسيّة، التي أُدلِيَ بخيراتها غصبًا إلى الحُكام ؟ · سؤالي الثّاني لفضيلتِكُم: ما رأيُ فضيلتِكُم في المرأةِ التي حبست هِرّة فما أطعمتها و ما تركتها تأكُلُ من خشاشِ الأرض، و مُحمّد البُوعزيزي كرّمه الله لأنّه من بني آدم " و لقد كرّمنا بني آدم... "[4]، فلم يرزقُهُ " بن علي " و لم يتركهُ يأكُلُ من فومها و عدسها و بصلها، و أردتُ أن أُذكّركَ و مِثلُكَ أفقهُ و أعلم، بأنّ أعلى درجات تشريف المولى عزّ و جلّ بأن يُوشِّحَ عزَّ و جلَّ عبدهُ بنيشان الشَّهادة " و أُخرى تُحبُّونها "[5]، و هي إحدى الحُسنين. و ما رأيُكَ في قوله صلّى الله عليه و على آلهِ و صحبِهِ و سلّم: " من ماتَ دُونَ مالِهِ فهو شهيد "، فمُحمّد البُوعزيزي رحمه الله ماتَ دُون مالِه، بَلْ و دُونَ عِرضِه حينما صفعته على وجهه شرطيّةٌ حمقاء، بل مات دونَ أرضِه التي اسْتُبيحت حُرُماتُها و أُهِينَ دينُ اللهِ فيها كمَا لمْ يُهنْ فيها الإسلام من ذِي قبل ؟ سؤالي الثّالث: أين أنتَ يا فضيلة المُفتي إبّان بُروز المُتبرِّجات، مرتدين " الدُونْتَالْ " و هي تتكلّم عن الحجاب و تُفتي بعدم وجُوبهِ[6]، سافِرةً، مُتبرِّجة، فما تَكْييفُكَ الشّرعي لهذا ؟ السُّؤال الرّابع: لماذا تَحْجِبُ رحمةَ اللهِ التي تطالُ المُستضعفين، بل و حتّى الجبّارين، على مُحمّد البُوعزيزي و شبابُ تُونس الذي يُصعقُ بالكهرباء و خراطيش من صُنعِ الكيان الصُّهيوني، فاللهُ أرحمُ منكَ يا فضيلةَ المُفتي و أرحمُ ممن عَيَّنَكَ في المنصب الذي سيُحاسبُكَ اللهُ عليه، و لن يُضيِّعَ لكَ مثقال ذرّة، لأنّكَ في منصبٍ رسميٍّ وِزرُهُ ثقيلٌ، ثقيل...؟ و إن كُنَّا نستنكِرُ الإنتحار كخيار و لو كانت كل الخيارات مسدودة، فهو حرامٌ لا يتناطحُ في حُكمهِ اثنان، و لكن عليك أن تقرأ كُلَّ الرّسالة لا تقفُ عند قولِه تعالى: " ويلٌ للمُصلّين ". ألا تنطبقُ الآية الكريمة على تُونس مُنذُ عقدين قول اللهِ تعالى: " ...إنَّ المُلُوكَ إذا دخلُوا قرية أفسدُوها و جعلُوا أعِزَّةَ أهلِهَا أذِلّة و كذلك يفعلون [7]" ؟ سؤال أخير لكلّ عُلمائنا الأجّلاّء : لماذا تنوّهُون بما يفعلُه المُستضعفُون من القهر و الكبت و الجوع و التّضييق ؟ و لا يُحرِّكُ أحدكم ساكنًا تُجاهَ البطّاشين الجبّارين ( عدى قلّةٍ تكادُ تنحصرُ في إمامنا و شيخنا علاّمةُ عصره يُوسف القَرَضاوي حفِظهُ الله ) ؟ أليس حريٌّ بكم أن تنوّهُوا بهؤلاء الجبابرة ؟ فالإنتحار تكييفُه الشّرعي سهل، فهو حرام، و لكن تكييفُ ما دفع هؤلاء للإنتحار عسير و سيسألكُم المولى عزّ و جلّ عن ذلك حين تلاقونه، نسأل الله أن يغفِرَ لي و لكم و لسائر المُسلمين و أن يرحم أخي محمّد البُوعزيزي و كلّ الشّهداء في تونس و الجزائر و استحلفهم بالله أن يلجئوا لهذا الخيار بعد اليوم، فأرواحكم باهضة الثّمن عندنا ! الشيخ محمد حبيب مصطفى الشايبي ( خاص بالنّاشر: السّلام عليكم و رحمة الله : مقالتي هذه تنبعُ من صفتي التي أمارس كشيخ، فالرّجاء عدم نكران الصفة، فهو سؤال فقهي من إمام بسويسرا إلى إمام بتونس، مع الشكر سلفًا و جازاكم الله كلّ خير) [email protected] [1]سورة النّساء الآية: 29. [2]مع أنّ هذه بمفردِها تقتل الرّجال غيظًا، في زمن تطاولت فيه النّساء على الرّجال، إن كُنت ترضاه فضيلة المفتي لنفسك فهو سببٌ يمُوتُ منه الرِّجالُ غيظًا. [3] سورة الرّحمان، الآية 7. [4] سورة الإسراء، الآية 70. [5] سورة الصّف، الآية 13. [6] و أقصد " مُنجيّة السوايحي " عنوان الرّداءة و الإبتذال، فمن مصائب عصرنا أن تنطق هذه الرّويبضة التّافهة التي تتحدّثُ في أمور العامّة و الأنكى من ذلك أن تعتلي منابر جامع الزّيتونة هذه المنابر الطّاهرة التي دنّستها و مثيلها و مثيلاتُها كُثُر، فأين أنتم من هذا كلّه يا فضيلة المُفتي ؟؟؟ فمن أنكرَ فرضًا أو أباح حرامًا أو حلّلَ حرامًا بنصٍ قطعيِّ الثُّبُوتِ قطعيِّ الدّلالة فهو كافِرٌ بإجماع الفُقهاء، أليس كذلك يا فضيلة المُفتي، و هذه تضربُ بأمر الله بفرض العين الذي فرضه الله على إيمائه عرض الحائط، فما حُكمُها ؟ [7] سورة النّمل، الآية 34.