حالة الطقس لهذا اليوم..    صممها "الموساد" وجمعت في إسرائيل.. تقرير يكشف تفاصيل مثيرة حول هجوم "البيجر"    الاحتلال يقصف مسجدا يؤوي نازحين بدير البلح ويحاول التوغل جنوب لبنان    ترامب يهاجم بايدن وهاريس بسبب إعصار "هيلين"    هيئة الانتخابات: إقبال كبير على مراكز الاقتراع في باقي الدول الأوروبية واعتماد التكنولوجيا ساعد في تسهيل العملية الانتخابية    مهرجان الإسكندرية السينمائي : "الما بين" يفوز بجائزة أفضل فيلم عربي و"وراء الجبل" يحرز جائزة كتاب ونقاد السينما وتتويج لأمينة بن إسماعيل ومجد مستورة    داعية سعودي يفتي في حكم الجزء اليسير من الكحول شرعا    قد يكون أُصِيبَ في الرباط الصليبي.. كارفاخال يفزع ريال مدريد    ولايات الوسط الغربي الأكثر تضرّرا .. 527 مدرسة بلا ماء و«البوصفير» يهدّد التلاميذ!    إقتطاع من الحسابات الجارية: ''آس او آس'' تطلق حملة للترفيع في عدد التحويلات الدائمة لفائدتها    أم تبيع ابنها بحضور شقيقها وبواسطة إمرأة    عاجل/ وزير الخارجية الإيراني يتوعد ب"رد أقوى إذا لزم الأمر" على أي عدوان صهيوني..    أولا وأخيرا..«شريقي بيقي باو»    مع الشروق .. الكلمة للصندوق    أعوان الشركة الوطنية للنقل بين المدن يحملون الشارة الحمراء بداية من الاثنين    منظمة الدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تنشر 168 ملاحظا في الانتخابات    محرز الغنوشي: سكان المرتفعات يجبدوا الكُواتات    المنتخب التونسي للاواسط في تربص تحضيري من 6 الى 14 أكتوبر استعدادا لتصفيات كاس افريقيا للامم لكرة القدم    استقرار نسبة التضخم في تونس في مستوى 6.7 بالمائة خلال سبتمبر 2024    المعهد الوطني للرصد الجوي: شهر جويلية 2024 ثالث أكثر الأشهر حرارة منذ سنة 1950    بطولة الرابطة الثانية - برنامج الجولة الافتتاحية    مدنين: انتشال جثة وإخضاعها للإجراءات العلمية اللازمة لتحديد انتمائها من عدمه لغرقى مركب الهجرة غير النظامية بجربة    وليد الصالحي: أنا الأكثر إنتاجًا حاليا    آية دغنوج: لهذه الأسباب تم فسخ أغنية ''ناقوس تكلم '' من اليوتيوب    رئيس هيئة الانتخابات يلتقي وفدا من هيئة الانتخابات بروسيا ووفدا من المنظمة الدولية للفرنكوفية    فاروق بوعسكر: « ما يروج حول ضعف نسبة الاقبال على التصويت في الخارج هو اخبار زائفة ومغلوطة »    "رويترز": الإمارات تصدر أول رخصة لأنشطة القمار بالخليج    كأس 'الكاف': النادي الصفاقسي في المستوى الثاني في تصنيف الأندية قبل قرعة دور المجموعات    دعوة ثنائي الملعب التونسي لتعزيز صفوف منتخباتهم    حضور تونسي لافت في الدورة 12 من مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي    تقرير دولي يؤكد استدامة الدين الخارجي لتونس    القبض على عصابة ترويج المخدرات بمحيط المعاهد الثانوية..    بورتريه: حسن نصر الله.. القائد والمعلم    عاجل/ المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرات توقيف بحق 6 أشخاص..وهذه جنسياتهم..    نابل: توقعات بإنتاج 62 ألف طن من زيتون الزيت و5600 طن من زيتون المائدة بزيادة 4 بالمائة مقارنة بالموسم الفارط    هام/ بلغ أقصاها 39 ملم ..كميات الأمطار المسجلة خلال الساعات الأخيرة..    القصرين : تقدم موسم جني صابة الطماطم الفصلية المتأخرة بالجهة بنسبة 50 بالمائة    توقيع وتسليم اذون انطلاق انجاز الأشغال المتعلقة بالدفعة الثالثة لمشاريع الانتاج الذاتي للكهرباء    عاجل/ لجنة مجابهة الكوارث تتدخّل لشفط مياه الأمطار من المنازل بهذه الولاية..    تاجروين: إيقاف موظفين بشبهة فساد واختلاس من إحدي الجمعيات المالية    الرابطة الأولى: محمد محجوب يقدم ملف ترشحه لمواصلة رئاسة الملعب التونسي    الطقس اليوم/ أمطار رعدية بهذه الجهات..    نسبة تقدم انجاز الطريق الرابطة بين جربة وجرجيس بلغت 67 بالمائة    جيش الاحتلال: مؤشرات متزايدة على استشهاد هاشم صفي الدين    سيدي بوزيد: افتتاح مركز الصحة الأساسية بالرقاب    الممثلة وجيهة الجندوبي ل«الشروق»...مسرحيّتي الجديدة اجتماعية بطابع سياسي    متابعة صيانة المعالم الثقافية    أولا وأخيرا... لا عدد لدول العرب !    كيف تنجح في حياتك ؟..30 نصيحة ستغير حياتك للأفضل !    سيدي بوزيد ..إصابة طفل ال 3 سنوات بجرثومة الشيغيلا    بالفيديو: الشركة التونسية للصناعات الصيدلية تعلن استئناف نشاطها    المكنين: الإحتفاظ بمروّج مخدّرات وحجز كمية من المواد المخدّرة مخفية داخل عدّاد استهلاك الكهرباء    خلال التسعة أشهر الأولى : ارتفاع لحركة عبور المجال الجوّي التونسي    البنزرتي: طرحت فكرة تجنيس مهاجم الترجي الرياضي رودريغو رودريغاز على رئيس لجنة التسوية للجامعة    الفيلم التونسي '' الرجل الذي باع ظهره '' يُعرض في مهرجان الفرنكوفونية بباريس    الاحتياطي من العملة الصعبة يتراجع إلى ما يعادل 114 يوم توريد    مفتي الجمهورية: يوم الجمعة (4 أكتوبر الجاري) مفتتح شهر ربيع الثاني 1446 ه    عاجل : الأرض تشهد كسوفا حلقيا للشمس اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سودانان وعراقان ويمنان وأمة واحدة!
نشر في الحوار نت يوم 08 - 11 - 2010

كثيرا ما يغرق الواحد منا في الاهتمام بقضية أو أكثر من القضايا القطرية المحلية الملحة ثم يستمرئ ذلك من نفسه وربما يجد عليه أنصارا وتكون النتيجة في العادة: برود كبير في الاهتمام بالقضايا الجمعاء العظمى التي تفرض على الأمة العربية أو الإسلامية بأشكال متعددة ومن مصادر مختلفة.
ذلك أمر لا يبرر بحال كائنا ما كانت وطأة التحديات التي تحكم بقبضتها على هذا القطر أو ذاك لأنّ ذلك باختصار شديد وبساطة أشد يبدد فينا الاهتمام بالأمر العام للأمة وأكرم به من اتجاه في التفكير سرعان ما يأخذ طريقه إلى الفعل يجعل من ألم الفرقة العربية والإسلامية الراهنة يوما بعد يوم واقعا مفروضا تتثاقل الخطى على درب معالجته.
بكلمة واحدة: ذاك اتجاه في التفكير والمعالجة يطبع مع أحوال التمزق والتفرق والتشرذم في أكثر من صف من صفوف الأمة وعلى صعيد أكثر من حقل من حقول نشاطها.

ما هي بداية الوعي؟
بداية الوعي فيما نحسب تنشأ من الإحساس بالمفارقة العجيبة بين مثال لوحدة الأمة وبين واقع ملموس. مثال لا يفتأ يكر به عليك الإسلام صانع الأمة العربية والإسلامية سواء بسواء ومثال عاشته الأمة ذاتها حقبات من الزمن على اختلاف في درجات التماسك الوحدوي. بداية الوعي هي ذاك. بداية الوعي هي الإحساس الصحيح والعميق بأنّ فرقتنا من بعد وحدة بمظهريها العقدي النظري والعملي هي الشرخ الذي تسللت منه تباعا أمراض أخرى بل إنّ تلك الأمراض عند التحقيق ليست سوى أعراض جلدية أما الجرثومة المسؤولة عن وضعنا الحاضر فليست سوى جرثومة التفرق. كل بداية للوعي فيما نحسب مخالفة لذاك أو مهوّنة من شأنه فهي وعي مزيف أو مغشوش.

أول الصيدليات: صيدلية التاريخ.
هل أنّ تاريخنا نحن أمة العرب والمسلمين مفترى عليه حقا وما هي درجات الافتراء عليه أو تبرئته!... ذاك سؤال مهم. سؤال لا يتسع له المجال هنا ولكن محطات خطيرة جدا في تاريخنا لا بد من استحضارها كلما كان التفكير منا جادا في معالجة أوضاعنا. من يتغافل منا عن معركتي الفتنة العصيبة الكبرى الأولى في تاريخنا (الجمل وصفين) أو عن الانقلاب الأموي ضد ثاني أكبر قيمة عقدية في الإسلام (الشورى التي هي رمز كرامة الإنسان وتساوي المواطنين وحق الأمة في أمرها السياسي حقا لا تفرط فيه حتى تحت طعن القنا وخفق البنود، وهي العاصمة من التفرق والحاصنة للوحدة والضامنة للتنوع إلى آخر ذلك من مآثر الشورى)... ثاني أكبر قيمة عقدية في الإسلام مباشرة بعد عبادة الله الواحد سبحانه... أو عن الانقلاب ضد المرأة أثرا ارتداديا عاجلا أو استحقاقا حضاريا مفهوما من آثار واستحقاقات الانقلاب ضد قيمة الشورى... أو عن سيادة مناخات الانحطاط بما هو تقليد وجمود وإمعية واستنكار للتجديد والاجتهاد والابتداع والابتكار والاختراع... أو عن التنكيل العباسي المعتزلي بفريق من التمذهب الإسلامي بعصا السلطان... أو عن سقوط بغداد عاصمة ذلك التنكيل على أيدي التتار... أو عن سقوط الأندلس... أو عن حروب الفرنجة (الحروب الصليبية بالتعبير المسيحي)... أو عن سقوط آخر معقل سياسي للأمة يحفظ كيانها الوحدوي العام ولو رمزيا أي الآستانة... أو عن الغزو الثقافي والإلحاق الحضاري والاستلاب الفكري... أو عن تشظي الكيان العربي والإسلامي من بعد ذلك إلى دويلات مجزأة بأثر اتفاقيات سايكس وبيكو... أو عن الاحتلال العسكري المباشر للأمة قاطبة تقريبا ... أو عن الاحتلال الصهيوني لفلسطين منذ 62 عاما كاملة حتى اليوم... أو عما لا يحصى من أنواع الاحتلال المعاصر اقتصايا وعسكريا وثقافيا واجتماعيا وفرض واقع التجزئة والتفرق والتمزق وسلب الثروات ونهب المقدرات وإخضاع السياسات... أو عن تغذية النعرات القومية الداخلية بعضها ضد بعض تمهيدا لانفصالات مؤلمة في جسد منهك جدا من جراحات تاريخية ومعاصرة ثخينة سواء بأسماء مذهبية أو دينية أو عرقية...
من يتغافل عن تلك المحطات المؤلمة الخطيرة وغيرها لن تكون مقاربته لمعالجة أوضاعنا معالجة تلبي حاجاتنا الضرورية الحيوية مقاربة لا صحيحة ولا ذات جدوى.
من يتغافل عن التاريخ بكلمة فقد ذاكرته أو أكره نفسه على فقدانها وحظه في كدح الدنيا حظ وليد يحبو وأنى لوليد يحبو أن ينافس الجهابذة أو الكواسر والضواري!

السؤال الحضاري مازال معلقا.
خلاصة ذلك أنّ السؤال الحضاري المعاصر: لماذا تأخرنا أو انحططنا أو تراجعنا سواء تقدم غيرنا أو كان منحطا مثلنا ولكن نختلف في درجة أو نوع الانحطاط فحسب يظل ذلك السؤال معلقا في أعناقنا جميعا لا يعفى منه منتم إلى الأمة العربية أو منتسبا إلى الإسلام. لماذا انحططنا هو نصف الجواب الصحيح عن السؤال الأجمع: كيف ننهض من جديد؟ فمن لم يطرح السؤال الأول لن يظفر بجواب صحيح عن السؤال الثاني.

إيانا والخلط بين الأعراض والأمراض.
مما لا يحسب لنا في السنوات المتأخرة أنّ اللسان السياسي في توصيف الأمراض والأعراض طغى طغيانا شديدا على اللسان الفكري. اللسان السياسي يستبق اللحظة ويمضي بسرعة بسبب وظيفته وليس عيبا فيه إلى العرض الحاضر تنبيها إليه وتحريضا عليه من مثل سرطان الاستبداد السياسي. أما اللسان الفكري فهو ينفذ إلى المرض الأصلي تحليلا وتشريحا ومحاولة فهم. ربما تخلف اللسان الفكري بذاك المعنى في السنوات الأخيرة تقاعسا عن فريضة البحث والاجتهاد والتجديد فطغى اللسان السياسي الذي لا يزيد على قيادة وتوجيه أمة أو شعب أو مجتمع تحصن باللسان الفكري بعد تحليل لأدوائه وتشريح لمشكلاته. أما الاقتصار على اللسان السياسي أداء للدورين: دور القراءة والمقاربة ثم دور التحريض والتعبئة وإعادة البناء... ذاك اقتصار يهنأ به الكسالى بسبب أنّ الأزمة العربية والإسلامية الراهنة أزمة مستحكمة ومعقدة ومتشابكة بل شديدة الاستحكام والتعقيد والتشابك في التاريخ والحاضر وبين الفكر والدين والسياسة والعلاقة بالآخر.

خذ إليك هذا المثال التوضيحي العملي.
التعبئة السياسية الحاضرة ضد الاستبداد السياسي العربي عمرها عقود وليس مجرد سنوات والضحايا على دروبها بالآلاف المؤلفة والجهود لا تحصى ولا تعد ولكن دار لقمان كما قال الشاعر المصري على حالها والقيد باق والطواشي لم يعد صبيحا ولكنه ولد صبيح أي إمعانا في التوريث العائلي وإمعانا في تفعيل عقد الاستبداد وإنتاج التعذيب والقهر والمسخ وإكراه الملايين على الهجرة القسرية إلى الغرب وبيع البلدان بالمجان إلى أسواق النخاسة الدولية وفرضا للتطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل بل إمعانا في نفاق عربي عجيب يتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات والعدالة الاجتماعية والاستقلال والسيادة وهو لا يزيد على أن يروغ منا كما يروغ الثعلب الخداع.
مثالان يذكرهما المفكرون العرب والمسلمون وفي الفؤاد حسرات وحشرجات: مثال رومانيا وبعض بلدان أروبا الشرقية البالية حيث انقلبت الشعوب على المستبدين بأمرها (بل منها إيران أصلا)... ومثال تركيا الأوردوغانية أو تركيا الجمهورية الثانية.
أخطر نتيجة لذلك هي: اندياح آثار اليأس في الشارع العربي من المنهاجين معا: منهاج الثورة الشعبية التي تطيح بالمستبد ومنهاج الديمقراطية.
ذاك يأس لا يعالجه اللسان السياسي فحسب ولكن يعالج بالأساس باللسان الفكري تحليلا وتشريحا وتفكيكا وإعادة بناء أي: استدعاء الاجتماع والثقافة والدين والتاريخ قبل استدعاء السياسة فعلا يوميا مباشرا...
لنسأل أنفسنا بصراحة وشجاعة: أنى لجهود سياسية مخلصة كبيرة أن تبوء في نهاية المطاف بتيار إسلامي لب مشروعه هو: الحكم العربي الحاضر إمارة إيمانية أو خلافة راشدة أو قريبا من ذلك والخروج عليها بأي مظهر من مظاهر الخروج ولو كانت معارضة سياسية خروج عن الإسلام وعن مبادئ البيعة الإسلامية!! إعادة إنتاج ذلك يعني أنّ القضية أعقد مما كنا نتصور. لا تقل لنفسك مستريحا: ذاك تيار صغير معزول تموله أنظمة معروفة. ولكن قل: المشروع الحضاري النهضوي العربي والإسلامي المعاصر لم يستكمل حلقات فكرية سابقة تحمل المشروع السياسي بما أنشأ فجوة أو شبه فجوة بين النخبة وبين المجتمعات والشعوب. فجوة ملأتها السلطة العربية بالعصا فتعمقت الفجوة حينا وبالدجل حينا آخر وبالاستقواء بالآخر الغربي حينا ثالثا فكانت الأمة هي الضحية. ضحية يعلوها الدم الأحمر القاني والفقر والجهل والمرض والقابلية للاحتلال بأي صورة من صور الاحتلال المعاصر الجديد في كل موضع من مواضع جسمها.

سودانان وعراقان ويمنان..
تركيز الدوائر الغربية الكائدة على الأقليات الدينية والعرقية والمذهبية في الأمة تركيز واضح جلي لا يحتاج إلا لفتح الأعين. قامت حركة الترابي في 30 حزيران 1989 على أسس منها التعجيل بالانقلاب تلافيا لسقوط الشمال في أيدي الجنوبيين وبعد عقدين فحسب (2010) تتهيأ الأوضاع محليا وعربيا وإفريقيا ودوليا لانفصال الجنوب الذي لا يعني سوى انتصار دوائر العداء في أمريكا وأروبا ضدنا إذ صرح أحد أكبر قيادات الجنوب أن تدشين سفارة لإسرائيل أمر ممكن وبذا يكون اليمن جارا لأسرائيل هناك وبلدان أخرى تحتاج إسرائيل أن تكون جارة لها. العراق اليوم هدية سفاح العصر بوش إلى إيران عراقات ثلاث: عراق الأكراد وهو مستقل استقلالا تاما سوى أنّ الفرصة الدولية مازالت غير سانحة للإعلان عن استقلاله بمثل ما هو متاح لجنوب السودان. وعراق الشيعة الموالي لإيران والطامحة إلى ابتلاع المنطقة جزءً بعد جزءٍ مستغلة انقسام العرب وهرولة حكامهم إلى الاحتماء منهم بالأمريكان وإحدى أيدي الأمريكان الطولى دون ريب ولا شك: الصهيونية. أما عراق السنة فهو العراق الذي يكاد ينتمي لعالم الوجود الافتراضي بعد حملات استئصالية تدميرية ضدهم ربما تحصدهم كما حصدت الشيوعية في أعقاب الثورة البلشفية ملايين من المسلمين في ما عرف بعد ذلك بالجمهوريات الإسلامية المستقلة. اليمن هو الآخر اليوم 3 يمنات أو أكثر: يمن علي عبد الله صالح في الشمال ويمن الجنوب المتململ المتمرد (توحدت الألمانيتان في الفترة ذاتها التي توحد فيها اليمنان ولك أن تنظر في أوضاع الوحدتين: وحدة ألمانية جعلت من برلين عاصمة أروبا بأكثر من مقياس تاريخي ومالي وسياسي. ووحدة يمنية فشلت فشلا ذريعا منذ السنوات الأولى وهي اليوم تهدد بالانفجار). ويمن القاعدة ويمن الحوثيين ولن تكون النتيجة سوى اضطرار علي عبد الله صالح إلى الاستقواء بالأجنبي سيما أنه سيكون جاره في سفارة إسرائيل في جنوب السودان.

وفي مصر قنبلة موقوتة مهددة بالإنفجار.
دعنا من الدويلات العربية الميكروسكوبية جغرافيا وتاريخا أو وجودا دوليا من مثل موريطانيا وتونس والصومال وغيرها... ما هو وضع أكبر دولتين عربيتين: العربية السعودية ومصر؟ مصر مهددة بمصير غير بعيد عن مصير السودان بسبب ما لا يزيد عن 4 بالمائة من الأقباط المسيحيين الموالين للحكومة المركزية من جهة ومن ذوي الاستقلال الديني والمالي من خلال الكنائس والمصالح والعلاقات الخارجية من جهة أخرى. ما كشف عنه الدكتور العوا للجزيرة قبل أسابيع من وجود أسلحة داخل بعض الكنائس المصرية فضلا عن تواتر أخبار موثقة صحيحة عن احتجاز أكثر من امرأة قبطية عضلا لها عن اختيار الإسلام سيما أنّ إحداهن زوج لأحد أكابر الأقباط نفوذا ... ما كشف عنه لا يعني سوى أنّ قنبلة موقوتة شديدة الانفجار تهدد مصر. قنبلة نسجت فتائلها بين ثلاثي: الحكومة المركزية التي يؤمن لها الاستمرار بقدر تمكينها للصهيونية وخنق غزة والتسامح مع المسيحيين والأقباط أنفسهم سيما قياداتهم النافذة حتى لو غرنا الذي غرنا من دعمهم لقضية فلسطين بعدما تبين أنّ دعم فلسطين من أكثر من طرف إسلامي أو مسيحي لم يكن سوى قرص حماية يوفر لمشاريع الانفصال أو العداء مناخات نشوء مناسبة مع الدوائر المعادية للأمة العربية والإسلامية سيما إذا كانت الحالة المعنية هي مصر المتاخمة لغزة وفلسطين وصاحبة الأزهر الشريف ولدورها المعروف تاريخيا ودينيا في القضايا العربية والإسلامية.

أزمتنا خطيرة وكبيرة ومعقدة والمعالجة من جنس المشكل.
كل ما أردنا لفت النظر إليه هنا هو أنّ الغرق من بعضنا في قضايا قطرية محلية ملحة لا يبرَّرُ بأي حال من الأحوال إلا بما يخدم القضايا الكبرى الأشد إلحاحا للأمة جمعاء قاطبة وإلا سقطنا فيما يراد لنا السقوط فيه أي استمراء حالة التمزق والتفرق والتشظي.
عناوين أزمتنا معروفة لكل طالب في الابتدائي ولكن المطلوب ليس تعدادها أو إحصاؤها بل المطلوب أمران: إعادة تركيب تلك العناوين (الاستبداد السياسي + نهب الثروات + مقاومة الاحتلال إلخ...) ضمن دليل معاصر مبسط يستوعبه الناس ويتعبؤون له ويتعاونون عليه تلافيا لحالة التشوش الذهني كلما تطرق الحديث إلى عنوان من تلك العناوين أو طرح السؤال الحضاري المعاصر الأكبر: كيف ننهض من جديد مؤسسا على سؤال: لماذا انحططنا؟!... الأمر الآخر المطلوب هو: التعبؤ لملء الفراغ الفكري المحيط بأزمتنا المعاصرة على معنى أن تؤسس الأجوبة على مقاربات فكرية صحيحة وتتسع لحد أدنى من العمق والدقة والشجاعة بنظرة في التاريخ وأخرى في الواقع فلا نقع صرعى تفسير تآمري ضدنا من جهة ولا نجلد أنفسنا جلدا يستحيل معه كل تاريخنا سوادا في سواد من جهة أخرى.

تحصنت تركيا أو هي على طريق التحصن ..
اختارت إيران طريقها المذهبي ونحن حيالها بين متوجس شرا وبين مؤيد باحتراز..
اتخذت بعض شعوب شرق أروبا طريق الثورات البرتقالية فحققت نجاحات..
احتمت بعض بلدان جنوب شرق آسيا بالهوية من جهة وبالتعويل على المقدرات الذاتية من جهة أخرى فكادت تنافس العمالقة اقتصاديا منافسة ندية...
حسمت أروبا معركتها الحضارية بين الإقطاع المتكنس أو الكنيسة المتأقطعة وبين الثورات العلمية بالإجماع الديمقراطي والعدالة الاجتماعية...
حتى الهند الوثنية حيث مليار وثلث من البشر أنقذتها الديمقراطية من الهلاك وهي اليوم قوة عمرانية ديمغرافية واقتصادية صاعدة...
حتى الصين الشيوعية توفقت إلى اختيار شيوعية ليبرالية غير عسيرة الهضم لم تكن عائقا أمام صعودها الاقتصادي تعويلا على إمكانياتها الذاتية...
لم يعد في الأرض غيرنا نحن العرب والمسلمين ممن لم يحسم خياره الثقافي والاجتماعي والسياسي والاستراتيجي بما يضمن له مساحة تليق بحجمه التاريخي والقيمي والجغرافي والعمراني والمالي فوق الأرض وتحت الشمس...
أليست تلك مفارقة خطيرة أولى بالبحث والمقاربة من قضايا عربية أو إسلامية أخرى أدنى حظا في سلم مراتب الأولويات الحضارية؟

الحوار.نت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.