أثارت خطة الحكومة التونسية بشأن رفع سن التقاعد استياء كبيرا لدى الأوساط النقابية، التي عبرت عن رفضها القاطع لتمرير هذا المشروع الذي قوبل أيضا بانتقادات من خبراء. ويتمثل اقتراح الحكومة في رفع الحد الأدنى من سن التقاعد من 60 إلى 62 عاما بحلول سنة 2012، ليصل إلى 65 عاما في 2020، إضافة للزيادة في نسبة الاشتراكات من قبل المؤجر والأجير. ويهدف رفع سن التقاعد والتمديد في فترة الاشتراكات إلى تعبئة موارد صناديق المعاشات بعدما أصبحت مهددة بالانهيار والإفلاس نتيجة تخبطها في عجز مالي متواصل منذ سنوات. وتتوقع دراسة رسمية أن تلتهم صناديق التقاعد جميع مدخراتها في السنوات المقبلة. وقد يبلغ العجز التراكمي نحو 2.5 مليار دولار (3.5 مليارات دينار) عام 2015، وقد يصل إلى 6.85 مليارات دولار (9.5 مليارات دينار) عام 2030. حلول ترقيعية وانتقد بعض خبراء الاقتصاد مشروع الحكومة. وفي السياق، يقول الخبير حسين الديماسي للجزيرة نت إن "رفع سن التقاعد والاشتراكات هي إجراءات ترقيعية ستؤجل الأزمة لبضعة أشهر أو سنوات في أحسن الأحوال، لكنها لن تحل المشكل". ويضيف "هذا الإجراء يعكس استسهالا للأمور، لأن الأزمة قد تعود أكثر حدة". يذكر أن الحكومة زادت أعوام 1994 و2002 و2007 في نسبة الاشتراكات في القطاع العام، لكن أزمة صناديق التقاعد تعمقت أكثر بعد ذلك. من جهة أخرى، يرى الديماسي أن رفع سن التقاعد له "انعكاس سلبي على خلق مواطن الشغل"، وهو ما سيزيد في تأزم الوضع لدى أصحاب الشهادات في بلد تصل فيه البطالة إلى مستويات قياسية (أكثر من 13%). ويرجع الديماسي استفحال الأزمة إلى أسباب تتعلق خاصة بالموارد ومنها إخفاق الحكومة في حل مشكل البطالة, واعتمادها سياسة التقاعد المبكر عند 55 عاما, وهو ما يضعف من نسب المساهمات، إضافة للتهرب من التصريح الحقيقي بالمداخيل سواء من قبل الأجير أو المؤجر. وبقطع النظر عن رفع سن التقاعد والاشتراكات، يرى الديماسي أن الحكومة لا تمتلك خيارات أخرى سوى التخلي عن بعض نفقاتها الأساسية كالتعليم أو الصحة أو النقل, أو اللجوء إلى مزيد من التداين الخارجي, أو زيادة الضرائب ورفع الأسعار، وهو ما سيقضي على الطبقة الوسطى، حسب قوله. تحركات احتجاجية ويرفض الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية) المشروع الحكومي، ويرى أن الأزمة التي تعصف بصناديق المعاشات هي نتيجة خيارات سياسية تتحملها الحكومة وحدها. وتظاهر مؤخرا مئات النقابيين بمحافظة جندوبة (شمال غرب تونس) في أولى المسيرات الاحتجاجية على اقتراح الحكومة برفع سن التقاعد، واشتكى بعضهم من تعرضه لاعتداءات أمنية. ويأتي هذا التحرك على وقع المظاهرات الصاخبة التي تشنها النقابات العمالية في جميع أنحاء فرنسا رفضا لخطة الحكومة برفع سن التقاعد من 60 إلى 62 عاما بحلول 2018. ومنذ أيام أضرب أساتذة التعليم الثانوي في تونس عن العمل (يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي) احتجاجا على الأوضاع المهنية, وطالبوا باحتساب مهنتهم ضمن المهن الشاقة للتمتع بالتقاعد في سن 55 عاما. وفي تصريح للجزيرة نت يقول سامي الطاهري رئيس نقابة التعليم الثانوي -التي نظمت الإضراب- "نرفض خطة الحكومة برفع سن التقاعد، ونطالب باعترافها بمهنتنا مهنة شاقة للحصول على التقاعد في سن 55 عاما". ويتساءل "إذا كنا نرفض أصلا التقاعد في سن الستين فهل سنقبل بالتقاعد في سن 62 أو 65 عاما؟". ويضيف "تخيلوا ماذا سيكون موقف أستاذ في هذا العمر بين مراهقين وفي ظل فوضى المدرسة الحالية".