رفض الإفراج عن الموقوفين على ذمة حادثة رفع علم تركيا فوق مبنى للشيمينو    Xiaomi تطلق واحدا من أفضل هواتف أندرويد    15 قتيلا نتيجة انهيار مبنى في سيراليون    "هآرتس" تكشف تفاصيل الاقتراح الإسرائيلي للاتفاق مع "حماس" الذي قدم إلى الولايات المتحدة    "ليس تصرفا رجوليا يا إيلون".. قديروف يوجه رسالة قاسية لماسك بسبب "سايبر تراك"    طقس اليوم الجمعة    توزر: وضع حجر الأساس لانجاز المحطة الفولطوضوئية الجديدة بطاقة انتاج قدرها 50 "مغواط" بجانب المحطة الأولى    مصادر أمريكية: إسرائيل خططت على مدى 15 عاما لعملية تفجير أجهزة ال"بيجر"    وزير التعليم العالي والبحث العلمي يؤدّي زيار إلى مؤسّسات الخدمات الجامعية بولاية بنزرت    جدة لامين جمال توجه رسالة للمغاربة الغاضبين    ارتفاع عائدات تونس من صادرات التمور    منح اعفاءات عمرية للترسيم بالسنة الأولى من التعليم الاساسي    علٌمتني الحياة ...الفنانة العصامية ضحى قارة القرقني...أعشق التلاعب بالألوان... وتشخيص نبضات المجتمع    حكايات من الزمن الجميل .. اسماعيل ياسين... الضاحك الحزين(1 /2)...العاشق الولهان... والحبّ من أول نظرة !    كظم الغيظ عبادة عظيمة...ادفع بالتي هي أحسن... !    والدك هو الأفضل    كلام من ذهب...مهم لكل الفئات العمرية ... !    ارتفاع عائدات صادرات التمور بنسبة 22،7 بالمائة    في لقاء سعيّد بوزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي....اتفاق على تطوير التعاون الثقافي بين البلدين    التمديد في "الصولد"    تعيين ر م ع جديد للتلفزة التونسية    الخطوط التونسية تعلن إلغاء رحلاتها نحو جمهورية مالي حتى إشعار آخر    بحث سبل تعزيز التعاون بين وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية لدعم التغطية الصحية الشاملة    عاجل/ تقلبات جوية الليلة: الحماية المدنية تحذّر وتتخذ هذه التدابير    اقصاها في صفاقس: كميات الامطار المسجلة بولايات مختلفة    هام/ المتحور الجديد لكورونا: د. دغفوس يوضّح ويكشف    ردا على طلب من جامعة التنس: وزارة الرياضة تؤكد عدم وجود منتخب وطني للبادل    لجنة المالية تدعو لاعتماد فرضيات واقعية في ميزانية 2025 لضمان تعافي الاقتصاد    عاجل :وزير الشباب و الرياضة يحل جامعتين تونسيتين    كرة اليد: اليوم انطلاق بطولة أفريقيا للأمم أصاغر في تونس    المركز الثقافي الدولي بالحمامات دار المتوسط للثقافة والفنون يحتفي بالذكرى 50 لرحيل مؤسس دار سيباستيان    مسرحيتا "شكون" لنادرة التومي ومحمد شوقي بلخوجة و "مقاطع" لفتحي العكاري ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان الإسكندرية المسرحي الدولي    قابس: تراجع ملحوظ لصابة الرمان    عاجل/ ارتفاع حصيلة ضحايا انفجارات أجهزة الاتصالات اللاسلكية في لبنان..    إنقاذ مركب تعطل قبالة سواحل المنستير وإجلاء 28 مجتازا    سليانة: التحاق 321 تلميذا وتلميذة بمراكز التكوين المهني    عاجل : توقيع اتفاقيتين حول انتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية الفولطاضوئية بقصر الحكومة    رحلة 404 المرشح الرسمي في سباق الأوسكار    المنستير : إنتقاما منه..سممته وقتلته ثم أضرمت في جسده النار    جلسة تفاوضية مرتقبة بين جامعة الثانوي ووزارة التربية بداية الشهر المقبل    سلمى بكار رئيسة للمكتب التنفيذي الجديد للنقابة المستقلة للمخرجين المنتجين    أمل جربة: ثنائي يجدد .. ورباعي يعزز المجموعة    مقابلة ودية: الملعب التونسي يفوز على شبيبة منوبة    المنتخب التونسي يقفز 5 مراكز في التصنيف الشهري للفيفا    في نشرة متابعة للرصد الجوي: أمطار غزيرة تصل الى 80 مليمترا بهذه المناطق    بطاقة ايداع بالسجن ضد المعتدي على طبيب في قسم الاستعجالي بالمنستير    الخارجية الفلسطينية تطالب بتنفيذ فوري لمشروع قرار معتمد من الأمم المتحدة..    حادث مرور قاتل بالطريق السريعة الجنوبية..وهذه التفاصيل..    الكاتبة العامة للفرع الجامعي للبلديات بالقيروان "وفاة والدة موظفة بلدية القيروان بعد دخولها في غيبوبة"    بنزرت:حجز حوالي 82,5طن من الخضر وإعادة ضخها بالمسالك القانونية    التمديد في آجال استقبال الأفلام المرشحة للمشاركة في مسابقة الأفلام الطويلة والقصيرة    عاجل : القبض على ''تيكتوكوز"'' عربية مشهورة    بانتظار كلمة نصرالله اليوم.. حزب الله يتوعد إسرائيل ب"عقاب خاص على هجمات البيجر"    "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"...الفة يوسف    الشّركة التّونسيّة للصّناعات الصّيدليّة تستأنف أنشطة تصنيع محاليل الحقن    التهاب القصيبات الحاد للأطفال ...وزارة الصحة تقدت توصيات للأولياء    مصر.. التيجانية تعلق على اتهام أشهر شيوخها بالتحرش وتتبرأ منه    ضربة مزدوجة للأمراض.. طبيب ينصح بخلط عشبتين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس.. نهاية الطاغية تحرك الكراسي الصدأة : عبد الباقي خليفة
نشر في الفجر نيوز يوم 20 - 01 - 2011

تكتب تونس هذه الأيام تاريخًا بحروف من ذهب، تمكَّن فيها أبناؤها من كسر أكبر حلقة في سلسلة الاستبداد التي تلفُّ المنطقة العربيَّة من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، فقد أسقطت الثورة الشعبية التونسية أقوى رئيس عربي، من حيث حجم القمع المسلَّط على الشعب، وأقوى جهاز أمني في المنطقة العربيَّة، مما جعل من العاصمة التونسية ملتقى دوريًّا لوزراء الداخليَّة العرب.
عُرفت تونس بأنها بلد القبضة الحديديَّة، والنظام الذي يعد نموذجًا في استئصال وتحجيم الحركة الإسلاميَّة، ولكن وبعد 23 سنة أجبرت الجماهير الساكنة، التي لم يضع لها بن علي أي حساب، ونظر إليها كجزءٍ من الممتلكات الخاصة، التي يستطيع الحاكم أن يفعل بها وبدونها ما يريد ويروق له، لكن هذه الجماهير أجبرته في هبَّة واحدة خلال فترة حكمِه على الفرار كالفأر المذعور، وكان قد مثَّل عليها دور الأسد طيلة ما يزيد عن العشرين عامًا.
ولحق بن علي بشاوسيسكو، وهونكير، وميلوشيفيتش، وبينوشيه، وكل الطواغيت الذين عرفهم التاريخ الحديث، سقط الطاغية، ولكن الماضي الرهيب لا يزال شبحًا مخيفًا، يخشى التونسيون وكل الأحرار من عودته في ثوبٍ جديد، وسط تحفز قوَى الديكتاتوريَّة الحاكمة، وربما الجيش بدعمٍ خارجي ولا سيما من فرنسا والقوى الغربيَّة، لإبقاء الشعب التونسي والعرب خارج التاريخ.
ولذلك فإن الشعب التونسي مطالب بتقديم المزيد من التضحيات، إذ يبدو أن مهر الحرية لم يدفع كاملًا، وأن خطر إجهاض الثورة لا يزال جاثمًا، لكن الأمل في صمود الشعب لا يزال حيًّا.
ساعات الحسم
كان النظام التونسي يسوِّق لنفسه في المحافل الدوليَّة بأنه نظام معتدل، يحارب الإرهاب، ويقف سدًّا منيعًا في وجه التطرف والإرهاب، وأنه يعطي المرأة (حقوقها) وله توجهات أوروبيَّة، ويقدم للمنظمات الدوليَّة أرقامًا كاذبة عن مستوى النمو، وعن مؤسسات المجتمع المدني، وعن التطور الذي حقَّقه. وفي الداخل كان الفقر يعشِّش في المناطق الداخليَّة، ويكبر معه الغضب والحنق على النظام الحاكم، يزيده اشتعالًا تردي أوضاع الحريات، وحقوق الإنسان، واستمرار الحرب على الإسلام وأهله من خلال حملات اضطهاد المحجَّبات، وسجن وقتل الأحرار من أبناء الحركة الإسلاميَّة، سواء تحت التعذيب، أو بالموت الممنهج من خلال التسميم الخفي، ومنع الأدوية عن المرضى الذين أُصيبوا بأمراض خطيرة داخل السجون، ورافق ذلك فساد ممنهج تمثَّل في استيلاء أسرة بن علي وأصهاره الطرابلس على ممتلكات الدولة والتغوُّل على الشعب، وبناء ثروة طائلة من مصادر مشبوهة قانونيًّا.
وأخيرًا لم يستطعْ نظام بن علي أن يستمرَّ في الخداع، فسقط في أول اختبار مواجهة مع الشعب، وبدا أنه أكثر هشاشة وبمراحل من نظام المقبور الحبيب بورقيبة الذي سبقه.
لقد كانت تونس مع موعد مع الانتصار الأكبر في تاريخها، بعد (الاستقلال) وهناك خشية من أن يكون الاستقلال الثاني شبيهًا بالاستقلال الأول، حيث لم تستقلّ تونس عن فرنسا تمامًا، وإنما ظلَّت في تنورتها، وحديقة خلفيَّة للاحتلال الفرنسي غير المباشر، وهو ما يتوجَّب رفض إسقاط وصاية مقابل ظهور وصاية جديدة عسكريَّة كانت أو سياسيَّة.
في 17 ديسمبر 2010 م بدأ العدّ التنازلي لنظام بن علي البائد، ومع بزوغ كل فجر جديد، ومع سقوط كل شهيد جديد كانت الثورة تقترب من تحقيق أهدافها، بدأ بخطاب الديكتاتور المخلوع بن علي الأول، وحتى خطاب رئيس وزرائه محمد الغنوشي، وكانت تظهر تطورًا في خطاب الهزيمة والفرار والتواري عن الأنظار من التهديد والترغيب، والوعد والوعيد إلى التبرير والاعتراف بالجرائم التي سموها أخطاءً! إلى محاولة تحميل أطراف معيَّنة مسئوليَّة الجرائم، فأقيل محافظ سيدي بوزيد، ثم وزير الداخليَّة والمستشار السياسي للديكتاتور المخلوع، وعندما لم يجدِ ذلك نفعًا واستمرَّت الجماهير في المطالبة برحيل الطاغية فرَّ الديكتاتور دون إعلان، وعندما خرجت طائرته من الأجواء التونسيَّة أُعلن عن ذهابه وإلى الأبد، تاركًا تونس غارقةً في دمائها وفي فوضى عملت أجهزته –وتعمل- على تغذيتها انتقامًا من الشعب ومن ثورته في محاولة لتشويهها والقضاء عليها كما حصل في الجزائر وغيرها.
سقط الطاغية وبقيت ذيوله
سقط بن علي غير مأسوفٍ عليه، ولم تستطعْ فلول الوصوليين والانتهازيين حمايته، رغم المحاولات المسرحيَّة لبعض أزلامه الظهور في الشارع، لكن التيار جرفهم فاختفوا بسرعة غير مسبوقة، فالثورة أسَّست لواقع جديد، ولا مجال للعودة إلى الوراء، ولا مجال لظهور ديكتاتور جديد في تونس، باسم الجيش الذي كان خلف خروج بن علي وإلى الأبد من الحياة السياسيَّة في تونس، ولكن لا يجب أن يظلَّ الجيش يحرك الدمى من خلف الستار، ولا بدَّ أن يعود لثكناته، ويسلِّم السلطة للشعب، بعد انتخاب رئيسه وبرلمانه الجديد، بعد التوافق بين مختلف التيارات والأحزاب السياسيَّة على دستورٍ جديد للبلاد يؤسِّس للحريات والديمقراطيَّة وسلطة الشعب.
لقد قضى الجيش على المحاولات الالتفافيَّة للديكتاتور المخلوع بتنصيب رئيس وزرائه خلَفًا له بصفة مؤقَّتة، وأعاد الوضع إلى نصابه، بتسليم رئيس مجلس النواب السلطة المؤقَّتة، رغم أنه غير منتخب انتخابًا حرًّا ونزيهًا، ورغم أن مجلس (الشعب) لا يمثِّل الشعب التونسي، وقد جاء تغيير رئيس الوزراء المعيَّن، تحت ضغط الجماهير التي رفضت تنصيب محمد الغنوشي، ولو مؤقتًا، وما لم يتم تشكيل حكومة انتقاليَّة من شخصيَّات محايدة أو من خلال ائتلاف بين مختلف الأحزاب تشرف على وضع الدستور الجديد وعلى تحديد موعد الانتخابات خلال 60 يومًا، فهناك مخاوف من ذيول النظام الذي لا يزال موجودًا في مفاصل الدولة، أو حتى من الجيش، ومن ثَمَّ سرقة ثمار ثورة الشعب التونسي، التي يجب أن تنجح ويحافظ عليها لتدخل التاريخ كأحد أنظف الثورات التي عرفها العالم في العصر الحديث.
وقد ناشد العديد من الشخصيات السياسيَّة المعارضة، مثل رئيس حركة النهضة التونسيَّة، الشيخ راشد الغنوشي، ورئيس المؤتمر من أجل الجمهورية، منصف المرزوقي، وزعيم الحزب الاشتراكي التقدمي، أحمد نجيب الشابي، الشعب البقاء في الشارع حتى يتأكَّد من تلبية جميع مطالبه فعليًّا.
الثورة التونسيَّة والوضع العربي
لا خبر يعلو على أخبار تونس في متابعات الرأي العام العربي، وبصفة جزئيَّة العالم، فالشعوب العربيَّة تنظر بإعجاب وإكبار، يشبه الذهول والحلم لإنجازات الشعب التونسي، الذي واجه بصدورٍ عارية، رصاص النظام البائد الذي يعد أشد الأنظمة قمعًا في المنطقة، وبعد اندلاع الثورة بدا حقيرًا ضعيفًا بائسًا كما لو كان وهمًا يسكن قلوب وعقول الناس ويخيفهم، فبدأ بتقديم تنازلات متسارعة من إجراءات إحداث مواطن عمل إلى الحريات السياسيَّة إلى تخفيض سعر المواد الأساسيَّة، ولكن الوقت كان قد فات، وقد عمدت الكثير من البلدان العربيَّة مثل الأردن وليبيا والمغرب إلى اتخاذ إجراءات بتخفيض الأسعار لتجنُّب مصير نظام تونس، وكما وصفت الكثير من المصادر فإن ثورة تونس تثير أعصاب الكثير من الأنظمة العربيَّة خوفًا من أن تنتقل العدوى إليهم.
ويزيد من مخاوف الأنظمة العربيَّة مواجهتهم لمصير نظام تونس السابق، وبن علي شخصيًّا الذي كان ينظر إليه كأحد أكثر الاستبداديين سيطرةً على الأوضاع في البلد الذي يحكمه دون تفويض من الشعب، لا سيَّما وأن تونس تشبه الكثير من الأنظمة مثل ليبيا، ومصر، والجزائر، والمغرب، والأردن، وغيرها، بل إن أنظمة هذه الدول أكثر هشاشةً لو وضعت في اختبار حقيقي كالذي واجهه نظام تونس السابق، خاصةً وأن فرنسا التي وقفت إلى جانب بن علي على مدى 23 سنة، رفضت استقباله، كما رفضت إيطاليا، ومالطا، نزول طائرته فوق أراضيها، وظلَّ لساعات طوال يبحث عن مأوى حتى وجدها في جدَّة.
وهذه رسالة واضحة للأنظمة العربيَّة، أن لا عزاء لها في الغرب الذي يدعم ديكتاتوريتها، أما المملكة العربيَّة السعوديَّة التي لجأ إليها ديكتاتور تونس السابق، فقد اشترطت عليه كما هو معلن، أن يكون لاجئًا سياسيًّا، وأن لا يمارس أي نشاط سياسي من فوق أراضيها، وأن لا يجري أي حوارات صحفيَّة، وذلك حتى لا تثير الشعب التونسي وطلائعه القياديَّة القادمة، وهو موقف حكيم، فالبقاء للشعوب، ومصير الحكام الرحيل بهذه الطريقة أو تلك، وكفى بالموت واعظًا.
الاسلام اليوم
الخميس 16 صفر 1432 الموافق 20 يناير 2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.