وضعت وزارة الداخلية الفرنسية حيز التنفيذ مشروع إنشاء شرطة جوارية في الضواحي التي تصنف في عِداد الأحياء السكنية الصعبة. و باشرت هذه الوحدات الأمنية الجديدة، التي سميت الوحدات الإقليمية الخاصة بالأحياء عملها بقيامها بدوريات في هذه المناطق الشعبية الساخنة من فرنسا ابتداء من الاثنين 14 نيسان/أبريل. وتهدف الحكومة الفرنسية من نشر هذه الوحدات، خاصة في الأحياء التي شهدت أحداث شغب في السابق كضاحية كْلِيشِي مُونْفِيرْمَايْ وضاحية سانْ دُونِي وأيضا لاَكُورْنَافْ شمال العاصمة باريس، الي مكافحة الانحراف في أوساط المراهقين والشباب وأيضا الي محاولة خلق علاقات ثقة بين الشرطة وسكان هذه الأحياء التي تشكل شريحة الذين تقل أعمارهم فيها عن 30 سنة نسبة 40 بالمئة من السكان، وحيث يصل معدل البطالة أحيانا الي أكثر من 40 بالمئة. وستُنشر في الضواحي سابقة الذكر دفعةٌ أولي من خمسين شرطيا ستكون من بين مهامهم الصعبة جمع المعلومات الميدانية عن تعاطي وبيع المخدرات وعن الإجرام شبه المنظم الذي تشرف عليه مجموعات شبانية منتظَمة في شكل جماعات متنافسة أحيانا ومتناحرة أحيانا أخري الي حد الدخول في عراكات جماعية أمام الملأ يشارك فيها المئات في وضح النهار وتصل في بعض الحالات الي درجة الاقتتال. ولا يشك السكان المعنيون بالشرطة الجوارية في أن هذه المهمة ستكون صعبة بسبب تبلور قواعد سلوكية في الضواحي تحولت تدريجيا الي ثقافة راسخة في أوساط شباب الأحياء. وتقوم علي اعتماد شبه مقاطعة جماعية قاسية لكل من يجرؤ علي التعامل مع الشرطة واختراق جدار الصمت وقانون ما رأيت، وما سمعت . كما قد يصل مدي ردود الأفعال الانتقامية الردعية الي حد الاعتداء الجسدي كما وقع في حالات سابقة شمل حتي بعض رجال الشرطة. بالنسبة لهذه المجموعات الشبانية الغارقة في اقتصاد المخدرات ، أمام انسداد آفاق أخري، قد تشكل الوحدات الأمنية الجديدة تهديدا واضحا لمصالحها، ما ينبئ بإمكانية الاصطدام بين القوة العمومية الجديدة وهذه المجموعات الإجرامية في المستقبل. ولعل التصرفات الأمنية البحتة إزاء الشباب التي انتهجتها الشرطة خلال السنوات السابقة، والتي تعتبر في الضواحي تصرفاتٍ مهينة ومبالغا فيها، قد أساءت كثيرا للعلاقة بين مصالح الأمن عامة وشباب الضواحي، ولن تلعب بالتالي في فائدة الوحدات الأمنية الجديدة. ويري المتتبعون لملف الضواحي الساخنة في فرنسا أن ما كان يجب القيام به للخروج من الحلقة المفرغة للقمع من جانب السلطة والانطواء المتنامي علي الذات بمنطق عدائي لكل ما يرمز للقوة العمومية من جانب شباب هذه الأحياء هو تنمية هذه الفضاءات العمرانية التي أصبحت عرضة للعنف الحضري. وذلك بالاستثمار في التربية والتكوين وخلق مناصب شغل لطاقاتها الشابة وتوفير السكن وغيرها من الحاجات الاجتماعية والاقتصادية الملحة في هذه التجمعات السكنية المتواضعة الحال. وهو ما دعت إليه قبل أشهر فضيلة عمارة، سكرتيرة الدولة لشؤون المدينة، عندما كان يجري الحديث عن مخطط مارشال للضواحي. غير أن رئيس الجمهورية نيكولا ساركوزي سرعان ما خفض طموحات فضيلة عمارة في آخر لحظة ليختار للضواحي سياسة أمنية صارمة أكثر منها اجتماعية تعتمد علي تعزيز الحضور الأمني للدولة. علي سبيل المثال، في ضاحية غْرِينْيِيه القريبة من باريس، وهي ليست الأسوأ حالا، تشكل شريحة الشباب الذين تقل أعمارهم عن 20 سنة 36 بالمئة من أصل 12 الف ساكن الذين يعمرون هذه الضاحية، علما بأن أكثر من خمسِ هؤلاء السكان أجانب ينتمون الي 55 جنسية أو إثنية مختلفة، وأن معدل البطالة يعادل 14 بالمئة؛ أي ضعف المتوسط السائد في الإقليم الذي تنتمي إليه ضاحية غرينييه. كما تجدر الإشارة الي أن 20 بالمئة من السكان يعيشون بالاعتماد علي المساعدات الاجتماعية التي تقدمها مؤسسات الدولة. وتعتبر ضاحية غرينييه في الوقت الحالي من الأحياء التي بدأ العنف يدخل تدريجيا في وتيرة حياتها اليومية. في 11 نيسان/أبريل الجاري، أشرفت وزيرة الداخلية ميشال آليو ماري علي إطلاق الشرطة الجوارية الجديدة التي سمّي أعوانها ب الملائكة الحراس (Anges Gardiens) حيث عُلم حينها أن الوزيرة تعتزم نشر نحو 100 وحدة من هذه القوة العمومية في نحو 100 حيّ من الأحياء الصعبة خلال السنوات الثلاث المقبلة عبر مختلف مناطق البلاد، وأن هذه القوة الردعية الجديدة ستكون الأداة الأساسية للوزيرة لاستعادة هيبة الدولة في الضواحي المشاغبة وهي عادة تجمعات سكنية متواضعة الحال تكثر فيها الجاليات المهاجرة والمنحدرة من الهجرة. لكنها لاتحتوي فقط علي المارقين، بل تؤوي الكثير من الناس الطيبين الذين يشتغلون بإخلاص ويعودون الي بيوتهم ليلا، وهم يرغبون في العيش في ظل الهدوء والطمأنينة علي حد تعبير أحد أعوان هذه القوة الجديدة التي أبدت اقتناعا كبيرا بأن زملاءها قادرون علي التمييز بين فئتي سكان هذه التجمعات السكنية الشعبية . وتقول أوساط يمينية إن الملائكة الحراس سيعملون علي تحديد وعزل المارقين داخل الأحياء السكنية الشعبية ثم توقيفهم، ما سيميزهم، حسب نفس المصادر، عن الشرطة الجوارية التي اسسها رئيس الحكومة الاشتراكي ليونيل جوزبان ثم ألغاها في سنة 2002 نيكولا ساركوزي، وزير الداخلية آنذاك، بسبب ملائكيتها التي اعتبرها زائدة عن اللزوم. بل أعلن ساركوزي حينها أن المهمة الأولي للشرطة لا تتمثل في تنظيم الدورات الرياضية بل في تحديد هوية المارقين منتقدا حميمية الروابط التي كانت قائمة بين هذه القوة العمومية والسكان. وتعرّض حل الشرطة الجوارية في صيغتها الاشتراكية الي انتقادات شديدة لدي اليساريين الذين نسبوا لها التدهور الكبير الذي طرأ علي العلاقة بين قوات الأمن العمومي وشباب الضواحي خلال السنوات الأخيرة. من جهتها، وفي انسجام تام مع فلسفة نيكولا ساركوزي الأمنية، قالت ميشال آليو ماري، يوم 11 نيسان/أبريل في كلمة أمام الدفعة الأولي لهذه الشرطة الجوارية في صيغتها اليمينية المعدلة ان مهمتكم كشرطة ليست الانخراط في شراكة اجتماعية وإنما القيام بالاعتقال . وفي كلمة عن الفرْق بين شرطة الجوار الاشتراكية ونظيرتها اليمينية، قال أحد ضباط وحدة ضاحية لاكورناف، الواقعة شمال العاصمة باريس، موضحا: في السابق كنا نتدخل عند الحاجة فقط، أما الآن فإن الناس سيروننا كل يوم . غير أن السؤال المطروح بحدة الآن هو هل ستنجح الفلسفة الأمنية اليمينية من خلال الوحدات الإقليمية الخاصة بالأحياء في تحسين العلاقة بين الأمن الفرنسي والضواحي ووضع حد للقطيعة القائمة بينهما؟ عدد كبير من الفرنسيين يشك في ذلك، ولو أن الجواب القاطع متروك للمستقبل.