لنا أن نطرح سؤالا يتعلق بالصلة الكامنة بين اللغة،علما، والثقافة،علما هي الأخرى، ومؤدى هذا السؤال لغوي في الظاهر حضاري في الباطن، ولن نقف عند البعد اللغوي إذ له أهله والراسخون في العلم اللغوي في اللغة العربية يبذلون الجهد لإماطة اللثام عن شجاعة اللغة العربية حسب عبارة ابن جني، وهي تفيد المعنى المتداول اليوم وهو عبقرية اللغة. ولا نحسب أن السبيل إلى هذه الشجاعة في الفترة الراهنة ممكنة بالثقافة اللغوية التقليدية بل هي ضرورية بالثقافة الحداثية. ولنا أن نشير إلى عدد من الأعمال في هذا السياق اللغوي الصرف من أطروحات أنجزها جامعيون تونسيون أرادوا بها، تحت رعاية الأستاذ الشيخ اللغوي عبد القادر المهيري، أن يمزقوا الحجب التقليدية وأن يفجروا من ينابيع اللغة العربية المعتقة رؤى ستؤدي إلى تطوير المباحث اللغوية إن لم يكن في الآجال المتوسطة ففي الآجال البعيدة. أ- محمد صلاح الدين الشريف:»الشرط والإنشاء النحوي للكون، بحث في الأسس البسيطة المولدة للأبنية وللدلالات» جزآن، جامعة منوبة، منشورات كلية الآداب، تونس 2002. يقول المؤلف في تقديم كتابه:»يتنزل هذا البحث النظري في صلب حركة نحوية سادت مجال البحث بالجامعة التونسية منذ بداية السبعينات وأثمرت نتائجها في التدريس في أوائل الثمانينات وكان للأستاذ المشرف على هذا العمل الدور الأول والأساسي (الأستاذ عبدالقادر المهيري) في بعث هذه الحركة وتوجيهها إلى قراءة التراث والدراسات الغربية دون أن تتقيد بالنظريات والأفكار المسبقة، وكان لهذا التوجيه أثره في مجموعة من الباحثين اتجهوا في اللغة اتجاهات مختلفة وتوخوا في دراستها سبلا شتى21. وللأستاذ الباحث محمد صلاح الدين الشريف منزلة في الدراسات اللغوية بالجامعة التونسية ما يبشر مع ثلة من اللغوية الآخرين بقاعدة علمية لغوية جديدة لعلها تقتحم المجال المعجمي بما يحتاج إليه من تعاضد بين اللغوي اللساني المحض والمعجمي المختص. وللأستاذ إبراهيم بن مراد المعجمي في كلية الآداب بمنوبة في هذا الحقل سبق محمود انحصر أو كاد في المصطلحات العلمية والبيطرية والطبية والصيدلية منها على وجه الخصوص، ولعله يوجه بعض طلبته إلى المصطلحات والمفاهيم الحضارية وأن يدفعهم إلى ذلك بالقاعدة العلمية اللسانية. 2- محمد الشاوش: أصول تحليل الخطاب في النظرية النحوية العربية، تأسيس» نحو النص»، جزآن، جامعة منوبة، كلية الآداب بمنوبة والمؤسسة العربية للتوزيع، تونس 2001. يقول:»يقف المتتبع لمجالات البحث اللغوي والبلاغي في العصر الحديث متى تدبر بعض المسالك المستحدثة التي سار فيها هذا البحث على مجموعة من المفاهيم كانت فواتح فضاءات تساؤل ونظر. ولا شك في أن درس العوامل المعرفية التي رشحت بعض المفاهيم في العصر الحديث للاضطلاع بذلك الدور والإسهام في إعادة رسم المعالم والتضاريس البارزة في ميادين البحث اللغوي والبلاغي أمر ضروري يمكن من فهم الكيفيات التي بها انفتحت للدارسين المحدثين سبل البحث وجداوله، غير أن هذا الدرس يتجاوز مبحثنا إلى مبحث تأليفي آخر ترصد فيه حركات إعادة التشكل في بناء المعرفة اللغوية في العصر الحديث. ولهذه الفترة التي انتخبنا من الأهمية ما يؤكد أن القاعدة العلمية اللغوية اللسانية هي السبيل الآمنة إلى إعداد جيل من الباحثين قادرين على طرح الأسئلة على حقل المفاهيم وعندئذ يرجى أن تجد الثقافة في المعجم العربي اللغوي أو المختص ما يبوئها مكانة تضاهي ما وقفنا عنده في المعاجم باللسان اللاتيني أو الانجلو سكسوني. وللأستاذ محمد الشاوش دور في التمهيد للقاعدة العلمية عبر الانتباه إلى مدخل مهم هو»نحو الجمل». 3- الشاذلي الهيشري: الضمير، بنيته ودوره في الجملة، منشورات كلية الآداب، جامعة منوبة، تونس 2003. يقول:»إنه لتأخذنا الدهشة لقلة ما يصدر في البلاد العربية من الدراسات اللسانية الجادة في مجالي التنظير والتطبيق على اللغة العربية في مسائل دقيقة كالإشارة والإحالة أو ما يتعلق بالمبهمات والمضمرات حسب مصطلح القدامى». هل الدهشة مكتفية بقلة الإصدارات العلمية في اختصاص اللغة واللسانيات أم هي دهشة موصولة بالعقلية والثقافة؟ كمال عمران أستاذ جامعي وباحث تونسي الصباح الإربعاء 18 أوت 2010