يظل مشهد الرأس الآدمي وهي تتدلي مثل حبة الرمان الناضجة وسط عقدة الحبل المحكمة الربط من أكثر المشاهد إيلاما، ذلك أن إعدام حياة نفس بشرية تظل أقسي عقوبة تسلط باسم القانون، ولئن كانت عمليات الإعدام البشعة تنفذ في السابق بشكل سري ومباغت، سواء أكانت إعدامات فردية أو جماعية، فإننا اليوم بتنا نتابع مشاهد الإعدامات علي القنوات التلفزيونية بتلذذ خفي وصار الكثير من الناس يسجلون تلك الإعدامات لإعادة مشاهدتها!!! مثلما فعلت السلطات العراقية المنصّبة من قبل الإدارة الأمريكية بعد أن أفرجت عن شريط صامت يصور بدقة عملية إعدام الرئيس السابق صدام حسين حتي ما قبل لحظة شنقه! وقد صارت الحكومات تتفنن في تنفيذ أحكام الإعدام، ففي إيران ما زال الإعدام رجما علي الزاني، وقد رجم مؤخرا في تموز (يوليو) 2007 جعفر كياني حتي الموت في قرية بالقرب من طاكستان في إقليم قازوين، أما في الصومال فقد نفذ حكم الإعدام علي عمر حسين علي الملأ بعد أن وضع قناع علي رأسه ووجهه وربط بعمود ثم طعن حدّ الموت علي يدي صبي في السادسة عشرة من العمر! وتبقي كعادتها الولاياتالمتحدةالأمريكية، المبشرة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، يبقي الإعدام فيها الأكثر تميّزا وحرفية، ذلك أن الأمريكيين حليمون بطبعهم لذلك استنفدوا أغلب الأشكال رحمة بالمعدمين ومختلف الأساليب لقطع حبل الحياة، من الشنق، إلي إطلاق النار علي أيدي فرق الإعدام، إلي غرفة الغاز والصعق الكهربائي والإعدام بالحقنة المميتة وهذه طبعا أشكال لا تطال المعدمين الأمريكيين وحدهم بل إن لأمريكا الحق في إعدام الملل والنحل والشعوب والحكماء والرؤساء وكل من تسوّل له نفسه الخروج عن طاعتها. ومنذ أشهر قليلة احتفل العالم بأسره باليوم العالمي ضد عقوبة الإعدام والذي يوافق يوم 10 تشرين الاول (أكتوبر) من كل سنة، وشاهدنا المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية المنادية بوقف تنفيذ أحكام الإعدام، وكانت منظمة العفو الدولية كعادتها سباقة في تنظيم التظاهرات وتوقيع المناشدات الدولية لفرض وقف عالمي علي تنفيذ عقوبة الإعدام وهي التي توصلت بمعية جمعيات ومنظمات مدنية دولية إلي رفع عدد الدول التي ألغت حكم الإعدام قانونا وممارسة الي 130 دولة. وإذا كان يوم 10 تشرين الاول (أكتوبر) من كل سنة مناسبة للتذكير بشناعة وفظاعة عقوبة الإعدام المادية في جميع دول العالم فإننا في أوطاننا العربية المتخلفة مطالبون كل يوم من كل سنة بإدانة عقوبة الإعدام المادية أولا (في العراق 270 معدما منذ ثلاث سنوات فقط!!!) وثانيا بوقف عقوبة الإعدام الرمزية التي يمارسها الحكام والرؤساء العرب من دون استثناء علي الشعوب العربية، من ذلك إعدام التداول السلمي علي السلطة، إعدام استقلالية القضاء والمحاكم، إعدام علو الدساتير والقوانين، إعدام حرية التعبير والتفكير، إعدام العمل النقابي، إعدام الاختلاف السياسي، إعدام الدور الطلائعي للمثقف، إعدام التعليم والتنوير، إعدام الأمل في الحياة... إن حبل الحياة علي طوله قصير في بلداننا، لا، لا... انهم يصرون علي جعله قصيرا ليكون خانقا أكثر... نافذا في قطع الأنفاس والأرزاق والأحلام والآمال... حبل الحياة عندنا هو تماما كقطعة الحبل التي نعرفها جميعا، تلك التي أتي بها واد ساكن غائر تماما مثلما تأتينا الانقلابات السياسية والعسكرية ساكنة غادرة فتلطمنا بأمواجها المستبّدة حتي تجعلنا نحتفل بها كل سنة طول الحياة!!! ناجي الخشناوي تونس 13/03/2008 القدس العربي