جاءت المعلومات الأخيرة التي تداولتها وسائل الإعلام في البلاد والتي كان أخرها تقرير الزميل رونين برجمان في الزميلة يديعوت أحرونوت حول الفشل في معالجة قضية رون أراد ليكشف واحدة من الفصول الجديدة في ملف بلاهة مسؤولينا في التعامل مع هذه القضايا الحساسة ويثير مرة أخرى التساؤلات بل والرغبات التي تطالب بفتح الباب لمناقشة المسؤولين عن الفشل في التعامل مع قضية أراد وكيف أخطأت كبرى أجهزة الدولة في معالجة هذه القضية والأهم لماذا تحركت في الاتجاه الخطأ رغم أن الاتجاه الصحيح كان الإعلان صراحة عن حقيقة مصير أراد والاعتراف بالخطأ الذي وقع فيه هؤلاء المسؤولون؟. وتكشف التقارير الصحفية التي تداولت هذه القضية أن إسرائيل شكلت لجنة سرية قبل أربع سنوات برئاسة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية اللواء أهارون زئيفي فركش كشفت فيها صراحة أن أراد كان على قيد الحياة على الأقل حتى منتصف التسعينات من القرن الماضي أي بعد قرابة العقد من سقوطه في الأسر، غير أنه توفي بمرض عضال في لبنان هاجمه بعد أن كان محبوسا على مدى فترة طويلة في معتقل سري في طهران ولم يسمح بإحضار الطبيب له. وحاول حزب الله العثور على قبره ولكن في ضوء التغييرات السياسية المحيطة بالحزب والتطورات الإقليمية المختلفة فشل الحزب في العثور على هذا القبر، بل والحصول على معلومات مؤكدة عن مصير أراد. ولقد كشف الزميل رونين برجمان وكما ذكرت من قبل ومعه بعض من الزملاء في وسائل الإعلام الإسرائيلية الدعارة الأمنية التي باتت تسيطر على كبار مسؤولينا، ومن الممكن الاطلاع على تفاصيل هذه الدعارة الأمنية والانهيار الأمني الذي بتنا عليه بعد الاطلاع على تفاصيل كتاب «دولة اسرائيل هي المتحكمة في كل شيء» والذي صدر أمس الاثنين الموافق السابع من سبتمبر والذي من الممكن من خلاله معرفة الدور الذي لعبته الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مع أجهزة الاستخبارات الأجنبية التي حاولت حل هذا الموضوع لكن دون نتيجة. المثير أن هذا الكتاب السابق ذكره أشار إلى أن إسرائيل كانت تتعاون مع بعض من الأطراف اللبنانية في أوج العداء الحاصل بينها وبين بيروت، ومثال ذلك رجل الأعمال اللبناني الملقب ب «السيد رفيع المقام» الذي كان مقربا من زعيم حركة أمل نبيه بري والذي كان الوسيط بين إسرائيل من جهة وحركة أمل اللبنانية من جهة أخرى. وكان بري يعلم بأمر هذا الوسيط وطلب منه إبلاغ إسرائيل بأن الحركة مستعدة لإطلاق سراح رون أرد مقابل تحرير 365 أسير فلسطيني. غير أن وزير الدفاع في حينه الراحل اسحق رابين والذي تعرض لانتقاد شديد للغاية على موافقته على صفقة تبادل للأسري سابقة مع الفلسطينيين لم يكن مستعدا لأن يدفع هذا الثمن الغالي في حينه والذي يبدو الآن رخيصا بالمقارنة بمطالب حركة حماس الآن مقابل تحرير جلعاد شاليط. ويشير الكتاب أيضا إلى أن إسرائيل قررت بعدها العمل عسكريا واختطاف عملاء وقادة حركة أمل الذين اختطفوا أراد من أجل الضغط على حركة أمل للمساهمة في إطلاق سراح أراد وبالفعل قررت اختطاف مصطفى الديراني الذي كان يحتفظ برون أراد عام 1994 بعد عملية معقدة للغاية. إلا أن هذه الخطوة لم تساهم في الإفراج عن رون أراد بل على العكس فلقد جعلت الإيرانيين ومعهم حزب الله وقادة حركة أمل يتعنتون في الإفراج عن أراد الذي بقى لغزا يعجز كبار الساسة اللبنانيين عن حله.وعرف رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل خطورة هذه القضية منذ أن كان وزيرا للدفاع وعقب توليه رئاسة الوزراء توجه رابين إلى المستشار الألماني هلموت كول وطلب منه تدخل ألمانيا في هذه القضية خاصة في ظل العلاقات القوية بين ألمانياوإيران. وبالفعل استجاب كول لهذا الطلب وتم تكليف الجنرال برند شميتباور المقرب منه بهذه المهمة. وتوجه شميتباور في البداية إلى الاستخبارات الإيرانية من أجل الاستفسار عن مصير أراد، وكان الرد إيجابيا من إيران وبالفعل عقد شميتباور لقاء مع رئيس الاستخبارات الإيرانية الأسبق علي فلحيان الذي كان يعرف الكثير عن أراد إلا أنه لم يكن يعرف مصيره الحالي أي أن كافة التفاصيل القديمة المتعلقة ب «أراد» كانت معروفة ل (فلحيان) إلا أنه لم يكن يمتلك معلومة واحدة جديدة. ويشير الكتاب والذي أطلعت معاريف على أجزاء منه قبل النشر إلى أن الألمان بذلوا بالفعل الكثير من الجهد، وعلى سبيل المثال كان فلحيان ضالعا في قتل بعض من الرجال المعارضين الإيرانيين في مطعم ميكونوس في برلين ومع ذلك فقد وافقت ألمانيا على حضور ه إليها من أجل أتمام هذه الصفقة ونست من أجل عيون أراد جريمة الماضي التي أرتكبها فلحيان.ويكشف الكتاب أن ألمانيا رأت أن فلحيان وكبار مساعديه يماطلون في إتمام هذه الصفقة أو الإدلاء بأي معلومات جديدة عن رون أراد، المثير أن الوفد الاستخباراتي الألماني الذي التقى فلحيان ورجاله ضم ضابط المخابرات الإسرائيلي الذكي شبتاي شابيت الذي جلس في هذه المباحثات كضابط ألماني. وعرف شابيت من أول جلسة عقدها مع الضباط الإيرانيين أنهم يلاوعون ولا يمتلكون أي معلومات جديدة عن أراد وهو ما دعاه للعودة إلى إسرائيل وأبلغ رئيس الوزراء إسحاق رابين بهذه المعلومات وهو ما دفع برابين إلى الغضب بشدة وبات في حالة من اللاوعي وقام بعقد مؤتمر صحافي أعلن فيه أن أراد ضاع بين تعنت إيران وغباء لبنان مشيرا إلى أن إسرائيل ترى أن طهران مسؤولة عن سلامته في النهاية. الغريب أن الإيرانيين فهموا الأمر وكانت المفاجأة أنهم اعترفوا بأن أراد كان بالفعل في إيران إلا أنه دخل إليها عن طريق منظمات سرية غير معروفة تعمل لصالح المحافظين. ويقول الكتاب أن السفير الإيراني في ألمانيا علي موسوي أعترف صراحة بهذا الأمر في حديثه إلى عملاء المخابرات الألمانية وقال لهم صراحة أن كنتم تريدون أراد فإنه الآن في قبضة حزب الله أو لبنان ولا دخل لإيران في هذا الموضوع. ومع تطورات الأحداث أصبحت هناك حقيقة واحدة وهي أن رون أراد ضاع ولا يوجد بالفعل مسؤول (رسمي) يعرف مكانه وهو ما وضح في أكتوبر عام 2000 عندما أختطف حزب الله أربعة من الإسرائيليين ثلاثة منهم عسكريين والرابع كان تاجر المخدرات الإسرائيلي الحنان تننباوم. وبعد أربع سنوات وبالتحديد عام 2004 تمت مبادلة هؤلاء الأسرى بالعديد من الأسرى اللبنانيين وحاولت إسرائيل أن يشمل رون أراد في هذه الصفقة إلا أن حزب الله لم يعرف صراحة مكان أراد وهو ما أكد لإسرائيل أن حزب الله بالفعل لا يعرف شيئا عن أراد خاصة وأن اللبنانيين كانوا مستعدين بالفعل لدفع أي ثمن مهما كانت قيمته لصالح إسرائيل لإتمام الصفقة، غير أن الفشل اللبناني في الإجابة عن طلبات إسرائيل أثبت أن مصير أراد معروف فقط الآن لدى المنظمات السرية الإيرانية واللبنانية وليس أكثر. ويضيف الكتاب أن بعضا من قادة المخابرات الإسرائيلية كشفوا أنه ومهما كانت نتيجة المجهودات التي تقوم بها إسرائيل فإن الأمر الآن يرتكز فقط على كيفية إعادة رفات أراد.. نعم رفات أراد خاصة أن كل الدلائل تشير صراحة إلى أنه مات في الأسر وأنه أصيب بالسرطان في الغالب أو بمرض عضال ولم يتلق العلاج الملائم له. عموما ومهما كانت النتيجة فإن قضية أراد تعكس عددا من الأمور والملحوظات الهامة أبرزها أن المخابرات الإسرائيلية فشلت في معرفة واحد من أبناء المؤسسة العسكرية لسنوات، وعجزت عن وضع تصور واحد حقيقي صادق عن مصير أراد. بالإضافة إلى هذا كانت المخابرات تتبع معلومات مغلوطة وتفاوض الطرف الخطأ في كثير من الأحيان الأمر الذي يفرض علينا ضرورة فتح الحساب لمعاقبة الطرف المخطأ ومساءلة قادة الأجهزة الأمنية ومعرفة الأسباب التي جعلتهم يحجمون عن مساعدة أراد المسكين في الأسر ولماذا كان الموساد متقاعسا بهذه الصورة وكيف تخبطت المخابرات الإسرائيلية ولماذا كان رابين بهذه الحقارة.. أسئلة يجب الإجابة عليها في أقرب وقت حتى تهدأ عائلة أراد من الأزمة التي غاصت فيها. 2009-09-08 معاريف