إن "المرحلة المقبلة تتطلب تحالف كل القوى الديمقراطية الحقيقية والوسطية والإحداثية ذات المرجعية الإصلاحية التونسية إلى التحالف في جبهة واحدة، من أجل مواجهة أخطار التطرّف والإقصاء وهيمنة طرف واحد على السلطة في البلاد، ومن أجل إعادة هيبة الدولة وحماية المجتمع التونسي من الانقسام ومن حالة القلق اليومي التي باتت تعصف بالشارع التونسي" هذا هو تصريح الباجي قائد السبسي لجريدة البيان الإماراتية ليوم 26 ديسمبر الجاري, فهل هو بالفعل قادر على تجميع كل هذه الاتجاهات ضدّ حزب يصرّ على إقصاءه من الحياة السياسية لمدّة عشر سنوات وفق مشروع القانون المقدّم للمجلس التأسيسي؟ الحقيقة انه بعد مرور أكثر من سنة, اكتشفنا بان حلّ حزب التجمع ليس سوى خدعة, كان الغرض منها التخفيف من حدّة التوتر الشعبي تجاه التجمعيين, لأن قانون العزل السياسي لم يتبناه سوى خمس كتل فقط وهم, النهضة, الحرية، الكرامة، وفاء و المستقلين الأحرار, فأين الباقون؟ الباقون فقد تجندوا للدفاع عن التجمعيين وعلى رأسهم الباجي قائد السبسي, مرّة تحت عنوان حقوق الإنسان وأخرى أن ليس للنهضة حق استبعاد الآخرين. موقف الجبهة الشعبية فقد أكده ناطقها الرسمي حمّة الهمامي يوم 13 ديسمبر 2012 في برنامج كلام موزون على راديو كلمة بأن قانون التحصين السياسي للثورة هو "كلمة حق يراد بها باطل" , ثم أضاف على إذاعة شمس اف ام, على اثر أحداث جربة ومنع نداء الباجي من عقد اجتماعه, بان "ألاعتداء على الباجي يعتبر اعتداء عليه هو شخصيا". وأما الكتلة الديمقراطية فيرى محمد الحامدي رئيسها بالمجلس الوطني التأسيسي, في تصريح له للتونسية يوم 04102012, بأنه من الضروري تحصين الثورة ومحاسبة من أجرم ، ثم أشار إلى أنه لا بدّ أن تتم المصالحة على مستويين: معالجة قانونية قضائية وهي مهمّة فمن أساء للبلاد والعباد من الضروري أن يحاسب وهذا جزء من العدالة الانتقالية وبالتالي لا «حركة» النهضة ولا الأحزاب ستضطلع بهذا الدور .كما ذهب نائب كتلته محمود البارودي في تصريح وكالة أنباء آسيا 8 ديسمبر 2012 أن قانون تحصين الثورة يعتبر قانونا لتحصين حركة النهضة وإقصاء خصومها السياسيين. وأما موقف العريضة الشعبية فقد قال عضو مكتبها التنفيذي نزار النصيبي للتونسية في 04/10/2012, " إن العريضة كانت من أوّل الأحزاب التي وقفت ضد قانون الإقصاء والذي كان قد طالب به نوّاب المؤتمر. وأضاف, "الثورة ليس لها أب وليست تابعة لأي حزب وبالتالي إن كان هناك من يحّصن الثورة أو يحاسب فهو الشعب". كما جاء في تصريح لأنيس الهمّامي, عن حزب البعث, في صحيفة التونسية ليوم 4/10/2012, " إنّ محاسبة الفاسدين والمجرمين يجب أن تتم في إطار قضائي" ثم أضاف " إنّ الإقصاء لا يجب أن يشمل كل التجمّعيّين مشيرا إلى أن هناك أكثر من مليوني تجمّعي متسائلا «هل كلّهم مورّطون ليتّم إقصاؤهم؟" كل هذه الأحزاب تعلن دفاعها المستميت عن التجمعيين, وذلك ضمن منطق واحد, بان التجمعيين بقيادة السبسي سيكونون الطرف الأقدر على مواجهة حركة النهضة التي لا يقدرون عليها فرادى. والتجمعيون لا يجدون دعما داخليا فقط من الأحزاب اليسارية و"الديمقراطية", وإنّما ذهبوا إلى خارج حدود الوطن, فقد قالت المحامية التجمعيّة عبير موسى, للبيان في 1 ديسمبر 2012, بان " قانون العزل السياسي الذي تقدمت به حركة النهضة الإسلامية وحلفاؤها إلى المجلس الوطني التأسيسي «يعتبر حلقة من سلسة اجتثاث خطيرة، قضت على حزب له تاريخ وجذور"، واصفةً "قانون العزل بأنه مخالف من الناحية المبدئية لكل المواثيق الدولية والإقليمية والعربية لحقوق الإنسان، وأنه "عمل استبدادي". وأمّا رئيس حزب الوطن محمد جغام وهو تجمّعي فقد اعترف بطلبه تدخّل خارجي لمنع المصادقة على قانون العزل السياسي, إذ قال لموقع جدل في 29 نوفمبر 2012 " إن هذا الأمر كان متوقعا حيث تحركنا منذ قرابة جوان الماضي وقمت شخصيا بالاتصال بخمسة سفراء لدول عربية وأجنبية منها الجزائر والمغرب ومصر، وطلبت مساعدتهم من أجل الضّغط على السلطة الحاكمة في تونس لوقف أية قانون مشابه. كما اتصلنا بمنظمات حقوقية وأحزاب مثل المسار والحزب الجمهوري، وأبدى الجميع تجاوبا وتأييدا لمطلبنا". وقال الباجي قائد السبسي لقناة نسمة في لقاء خاص يوم 2 ديسمبر الجاري, " إن مشروع قانون التحصين السياسي للثورة الذي تقدمت به 5 كتل في المجلس التأسيسي خطيئة وفضيحة عالمية" وقال " وأكد إنّ هذا القانون يتنافى ومبادئ حقوق الإنسان وسيدفع أًصدقاء تونس إلى التخلي عنها إذا تمّت المصادقة عليه." وقال بنبرة واثقة إنّ " قانون تحصين الثورة لن يمر رغم الأغلبية". وكما أثبتت كل مكاتب سبر الآراء فان النهضة دائما تتصدّر المشهد السياسي, وان القوّة الصاعدة واللاحقة هي قوّة حزب نداء تونس, ولا تستطيع كل الأحزاب منفردة من الانتصار الانتخابي على حركة النهضة, لذلك وحسب تصريح السبسي حول ضرورة تكوين "جبهة وطنية" تنافس النهضة ونظرا لأنه يتصدّر الأحزاب المعارضة حسب سبر الآراء, فان كل الأحزاب لا تجد حلاّ سوى الاصطفاف وراء السبسي لأنها تشترك معه في نفس الهدف, إسقاط الإسلاميين. وعلى ما يبدو ميدانيا, فان العمل ضمن جبهة واحدة قد بدأ فعليا, التجمّع والأحزاب الراديكالية والتي تمي نفسها ديمقراطية ووطنية من جهة, ومن جهة أخرى حركة النهضة. ولكن المثير حقا للجدل, هو رأي نائب رئيس حركة النهضة عبد الفتاح مورو في حوار له مع قناة فرانس 24 من سنّ قانون تحصين الثورة أو العزل السياسي فقد أكّد أن إقصاء التجمعيين لا يمكن أن يكون إلا عن طريق الشعب و لا يحق لأي طرف سياسي أن يقوم بذلك ، وهو ما أورده أيضا موقع "شمس اف ام . كما صرّح مورو لأفريكان مانجر, في 9/12/2012, وقال إن "قانون تحصين الثورة لن يغير الأوضاع ولن يلغي الواقع, و أن معاقبة الدستوريين أو التجمعيين أو غيرهم ممن لهم مسؤولية جزائية في الفساد الحاصل في العهد السابق ،يجب أن تكون عبر القضاء، وإن أثبت القضاء تورطهم عندها يتم إبعادهم عن الساحة السياسية". فهل يشير موقف مورو بان هناك خلاف داخل حركة النهضة حول قانون العزل السياسي, مع إن الحركة قد تقدّمت فعليا بمشروع القانون؟ مع التأكيد بان أيّ تراجع لحركة النهضة في ما يخص هذا القانون سيعود بالسلب على الحركة, ليس لأن القانون ذا جدوى قصوى, ولكنه سيدخل في باب التراجعات الكثيرة التي تقوم به الحركة والتي تضرّ بمصداقيتها. وستشهد الأيام القادمة اصطفافا أكثر وضوحا بين الإسلاميين من جهة, والأحزاب الأخرى من جهة أخرى. د. محجوب احمد قاهري