حل الرئيس التونسي المنصف المرزوقي بالعاصمة الليبية طرابلس في أول زيارة رسمية إلى ليبيا منذ توليه منصب الرئاسة. وقالت وكالة الأنباء التونسية إن المرزوقي حل بليبيا برفقة وزير الخارجية ورئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعة التقليدية في زيارة "أخوة وعمل" تستغرق يومين لبحث آفاق التعاون بين البلدين وتنويع مجالاته. وتزامن الإعلان عن زيارة الرئيس التونسي مع نشر خبرين اثنين أوردتهما وكالة الأنباء التونسية الرسمية في نفس الصفحة الرئيسية، أولهما عن اشتباكات دارت ليلة الأحد الإثنين بين دورية لحرس الحدود التونسي ومجموعة مسلحة بمنطقة المريسة ببن قردان، والخبر الثاني في شكل بيان أصدرته وزارة الداخلية التونسية تدعو فيه المواطنين إلى عدم التهويل من حادث اختطاف أحد حراس الحدود التونسيين من قبل مجموعة مسلحة السبت الماضي مشيرة إلى "متانة العلاقات بين البلدين الشقيقين". ويعتبر اللقاء بين الرئيس المرزوقي ورئيس المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا مصطفى عبد الجليل الثاني الذي يجريه عبد الجليل مع مسؤول كبير من تونس، بعد اللقاء الذي كان عقده مع الوزير الأول في الحكومة الانتقالية باجي قايد السبسي منتصف العام الماضي. وتحمل زيارة المرزوقي إلى ليبيا العديد من فرص النجاح يأتي في مقدمتها التقارب السياسي الواضح بين القيادات الجديدة في البلدين، بين حزب النهضة الإسلامي وزعيمه الروحي راشد الغنوشي وبين إسلاميي المجلس الوطني الانتقالي الليبي الحاكم. كما أن تونس التي تربطها بليبيا علاقات جوار وحدود وماضي مشترك، كانت من أولى الدول التي قررت الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي ممثلا شرعيا للشعب الليبي في شهر أغسطس/آب الماضي، قبل سقوط نظام العقيد معمر القذافي. وقد اعترف مصطفي عبد الجليل في إحدى تصريحاته التي تلت نجاح الثورة الليبية وحتى قبلها بالدور التونسي في دعم ثوار ليبيا ومساعدتهم، على الرغم من الحياد الذي أبداه الحكام الجدد في تونس منذ اندلاع الثورة الليبية والنزاعات الأولى التي دارت بين الثوار وكتائب القذافي. ويضاف إلى هذا التقارب السياسي حاجة اقتصادية لدى البلدين إلى استعادة العلاقات الاقتصادية بينهما لمستواها السابق بعد أن بلغ رقم المبادلات بينهما سنة 2009 ما قدر 1.25 مليار دولار، وتعميقها وتجاوز الضرر الذي ترتب عن التحولات السريعة والمكثفة التي عاشها البلدان خلال الأشهر الماضية. وقد توالت التقارير الاقتصادية لتشير إلى الضرر البليغ الذي أصاب الاقتصاد التونسي من جراء المواجهات المسلحة في ليبيا، بعد أن توقفت الصادرات التونسية عن التدفق صوب ليبيا وتقلصت المبادلات التجارية في المناطق الحدودية، مع انقطاع تحويلات العمال التونسيين في ليبيا وتراجع الاستثمارات الخاصة في تونس فضلا عن المشاكل التي صارت تعانيها السياحة التونسية. ولدى رجال الأعمال التونسيين رغبة معلنة في الحصول على عقود إعادة الإعمار في ليبيا، من منطلق ما صرح به مصطفى عبد الجليل من أن الصفقات ستكون من نصيب "الدول التي ساعدتنا". وتونس فضلا عن اعترافها المبكر بالمجلس الوطني ومساعدتها للثوار فتحت حدودها لاستقبال ما لا يقل عن 70 ألف لاجئ ليبي عبروا الحدود هربا من الحرب. لزيارة المرزوقي إلى ليبيا إذن الكثير من فرص النجاح، لكن يبقى عليها معالجة بعض الشوائب التي تضر بالعلاقة بين البلدين، أولها المشاكل ذات الطبيعة الأمنية، وتأمين الحدود المشتركة من تهديدات فوضى السلاح في ليبيا. صحيح أن مسارات السياسة في البلدين ستختلف، تأثرا بالطريقة التي أنجزا بها ثورتهما، تونس بثورة سلمية حققت أهدافها تباعا، وليبيا بثورة مسلحة مسنودة بغطاء جوي دولي خلف خسائر بالغة في الأرواح والعمران، سقط على إثره النظام ولم تنجح الدولة الجديدة بعده في إنهاء فوضى السلاح. في هذا السياق مطلوب من المرزوقي ومعه إسلاميي تونس أيضا نوع من المصاحبة للتحول السياسي الذي تعيشه الجارة ليبيا في اتجاه تأمينه وتطبيع العلاقة بين مكوناته.