حاول حمّادي الجبالي رئيس الحكومة المؤقتة مساء الاربعاء التصرّف بحجم الازمة التي وقعت فيها تونس بعد اغتيال امين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد وأبرز قادة المعارضة شكري بلعيد. الرجل أدان بشدّة عمليّة الاغتيال ووصفها بالعمل الارهابي متحدّثا صراحة للراي العام «قررت تشكيل حكومة تكنوقراط تضم كفاءات وطنيّة بعيدة كل البعد عن تجاذبات الاحزاب» مقرّا بأنّ هذا القرار شخصي ولم يستشر فيه لا حزبه، حركة النهضة، ولا بقيّة الاحزاب.
هذا الموقف الرسمي من رئيس الحكومة رأى فيه الكثير من المراقبين محاولة ل«حفظ ماء وجه الحركة» ما بعد توجيه الاتهامات إليها عقب اغتيال شكري بلعيد. وقالوا عنه إنه موقف ذكي اتخذه أمين عام النهضة لإنقاذ حزبه من التورّط السياسي في اغتيال بلعيد الذي يعدّ العدو الاول لحزبه فالجبالي أعلن صراحة أنه لم يتشاور مع حزبه ومثل هذه المواقف تتناقض تماما مع تقاليد التنظّم في الأحزاب الإخوانيّة.
لكن هؤلاء المراقبين يبدو أنهم اضطروا لتغيير مواقفهم صباح أمس حين أعلنت حركة النهضة عدم قبولها بمقترح أمينها العام وتقرر عقد مجلس شورى طارئ واستثنائي. قرار ورفض
النهضة متمسكة، الى حد كتابة هذه الاسطر، بالائتلاف الحاكم وترفض مقترح أمينها العام وتهدد باتخاذ اجراء صارم في حقه. وبالعودة الى مجريات الاحداث نلاحظ أن حمادي الجبالي ومنذ مقاطعته لاجتماع مجلس الشورى المنعقد في قمرت نهاية الاسبوع الماضي ومغادرته لقاعة الاجتماع قرّر المضي في اتجاه تشكيل حكومة تكنوقراط وكان هذا القرار محور لقائه صباح الاثنين الماضي مع حسين العباسي الامين العام لاتحاد الشغل ومع وداد بوشماوي رئيسة اتحاد الاعراف ومع محافظ البنك المركزي ورافق هذه اللقاءات تكتم شديد. وبعد اغتيال بلعيد صباح الاربعاء أراد الجبالي التسريع في هذه الخطوة لإغلاق أفشل الملفات التي يجري الخوض فيها منذ أكثر من 5 أشهر وهو ملف التحوير الوزاري فلم يتردد في الاعلام الرسمي والمباشر عبر القنوات الوطنية بأنه سيشكل حكومة كفاءات وطنية ستشرف على تصريف اعمال الدولة الى حين تنظيم الانتخابات المقبلة.
بعض الشخصيات الوطنية دعت الى الالتفاف حول مبادرة الجبالي والشد على قراره الثوري الذي لم يشرّك فيه حزبه وهو ما يتناقض مع العادات الإخوانيّة. من ضمن تلك الشخصيات عياض بن عاشور الذي وصف قرار الجبالي بالثوري بامتياز.
لكن النهضة ترى في قرار الجبالي ربّما تجاوزا للخطوط الحمراء وربّما يقرّر مجلس الشورى سحب الثقة منه كأمين عام للحركة وربّما تبحث النهضة فيما بعد عن أغلبيّة داخل التأسيسي لتمرير قرار سحب الثقة منه كرئيس حكومة وتكليف شخص بديل لتشكيل حكومة جديدة تتضمن أعضاء عن الترويكا.
سيناريوهات ممكنة
كل السيناريوهات مفتوحة اليوم أمام رئيس الحكومة حمادي الجبالي في مواجهة حزبه بالأساس. وتشير مصادر من داخل النهضة أن الجبالي يواجه شقا متشددا يتزعمه راشد الغنوشي بمساندة رجالاته المقرّبين وهم بالأساس حسين الجزيري ولطفي زيتون وعامر العريّض وعلي بن عرفة. فيما يصطف خلف الجبالي علي العريّض والعجمي الوريمي.
وتقول مصادر أخرى مطّلعة من داخل الحركة أنّ تمسّك الجبالي بمبادرته يعني تزايد الانصار من حوله داخل الحركة فالكثيرون يحملون انتقادات شديدة تجاه رئيس الحركة راشد الغنوشي ويرون في مبادرة الجبالي فرصة لاسترداد الحركة من بين قبضتي الغنوشي.
في الشق المقابل لا يخفي أنصار راشد الغنوشي أن تونس فوّتت على نفسها فرصة أن يتولّى رئيس الحركة، الذي تحوم حول مغادرته لتونس بداية التسعينات روايات كثيرة، قيادة التيّار الوطني ما بعد الثورة. هم يقولون ذلك بكل ثقة في دائراتهم الضيقة دون أن يعلنوا ذلك صراحة في العلن.