تشهد اسعار «العلوش» ارتفاعا متواصلا ويفسر الفلاحون ذلك بغلاء اسعار الاعلاف والتهريب في حين اصبح القصابون مهددون بالإفلاس ويتهمون المحتكرين بالتسبب في تأزيم وضعهم ويطالبون الحكومة بالتدخل لإنقاذهم قبل فوات الأوان. عند زيارتنا للسوق الأسبوعي بالكريب الذي يعرف «بسوق الثلاثاء» فان أول ما استرعى انتباهنا، عند تجوالنا بكامل أرجاء سوق الدواب، ذلك العدد الضئيل جدا من الخرفان المعدة للذبح بالنسبة للجزارة، إذ طغى على معظم عملية البيع بهذا السوق النعاج والبعض من الماعز والأبقار أما الخرفان فتكاد تكون مفقودة، مما أدى الى ارتفاع أسهم الخروف ليصل ثمن الكلغ ال20د، لكن هذه التعريفة التي أصبحت غير قابلة للنقاش بالنسبة للقصابين عللوها بعديد الأسباب التي سنأتي عليها تباعا، وذلك بعد قيامنا بعديد الحوارات مع عدد من الإطراف التي لها صلة مباشرة بهذا الموضوع.
الانفلات الامني... قلل من توافد تجار المواشي
قبل الثورة كان التوافد على بطحاء سوق الدواب بالكريب بشكل كبير وكان يغص بشتى أنواع الماشية وتكون الأسعار المتداولة بين المستهلك والمنتج في المتناول، لكن منذ حلول الثورة، تراجع العرض بشكل ملفت للانتباه حسب السيد منصف ترشلة (أصيل منطقة المكنين) وصاحب السوق الأسبوعي بالكريب، ويضيف بأنه من الأسباب المباشرة التي أدت إلى تقلص توافد تجار المواشي بأنواعها على سوق الدواب بالكريب خاصة وبالأسواق الأخرى عامة هو الانفلات الأمني الذي تعيشه بلادنا في الوقت الراهن مما ادى الى عزوف العديد من مربيي الأغنام والأبقار وعدم المجازفة للتحول إلى السوق الأسبوعية بالكريب مثلا وخاصة منهم من يأتون من أماكن بعيدة مثل صفاقس وجربة وسوسة والقيروان وكل ذلك خشية «البراكجات» التي تعترضهم من حين إلى آخر وخاصة منها بالليل.
تراجع الطلب وكثرة العرض افقد السوق توازنها المعهود من خلال هذه العملية، فعرف سعر الخروف ارتفاعا مشطا في ثمنه, وكسبب آخر لفقدان هذه النوعية من السوق تتالي سرقات المواشي بالعديد من القرى والأرياف مما أدى بالعديد من الفلاحين إلى التفويت في ماشيتهم خشية تعرضها للسرقة بالإضافة إلى ان كميات كبيرة من الأبقار أصبحت تباع بالقطر الجزائري الشقيق، مثلما هو الشأن بالنسبة للخرفان التي تباع بالقطر الليبي مما أدى إلى تراجع هذه النوعية من المواشي بالسوق.
أما السيد نور الدين الرزقي (فلاح مربي من مكثر) فقد اكد أن من الاسباب الأخرى التي أدت إلى ارتفاع ثمن الخروف بهذا الشكل الجنوني، ارتفاع أسعار الأعلاف المعدة للتسمين مثل العلف المركب والشعير... السيد الناصر الفرشيشي يقول بان النقص الفادح الذي يشهد قطاع الخرفان في الوقت الراهن مرده لعدة أسباب منها ما هو مباشر ويتمثل في عملية التهريب خارج حدود الوطن، بالإضافة إلى الآلاف المؤلفة التي تم ذبحها بعيد الأضحى المبارك وما انجر عنه من نقص فادح في الكمية المتوفرة بالسوق.أما الأسباب غير المباشرة والتي أثرت أيضا على عدد الخرفان ما خلفته فيضانات السنة الفارطة من هلاك للآلاف من المواشي مما قلص من تكاثر هذه النوعية. هذه الأسباب حسب محدثنا السيد الفرشيشي كانت كفيلة لتراجع الكمية المعتادة بالسوق مما جعل ثمنها يرتفع بشكل كبير أثر بطريقة أو بأخرى على سعر لحم العلوش الذي أصبح يضاهي سعر قفة الخضر في الوقت الراهن.
القصابون مهددون بالإفلاس ويتهمون المحتكرين
أما البعض من القصابين الذين التقتهم «الشروق» فكان لهم تبرير آخر لارتفاع الاسعار اذ يقول الشاب سليم بن التيجاني (جزار) بان نوعية الخرفان المطلوبة لدى المستهلك قلت من السوق بشكل كبير وحتى لدى الفلاحين المربين مما جعل التهافت عليها يكثر لدى الجزارة وذلك تلبية لرغبة الحريف، لذلك عرف سعره ارتفاعا كبيرا من ذلك مثلا فإن الخروف متوسط الحجم والذي لا يتجاوز وزنه ال10كيلوغرامات يفوق سعره أو يساوي ال200د، لذلك يضيف بأنه يضطر مكرها لفتح أبواب الدكان أمام الحر فاء وبيع ما تيسر من الخرفان إرضاءا لهم.
السيد بلقاسم العبيدي يمتهن الجزارة هو الآخر يقول بان هذا السعر المتداول حاليا بالسوق والمقدر ب20د للكلغ الواحد لا يساعدنا البتة في بيع بضاعتنا كالمعتاد بل ستتكدس لبعض الأيام من جراء تقلص عدد الحر فاء.وللخروج من هذه الوضعية المعقدة التي فرضتها عديد الأسباب يقول السيد العبيدي بأنه يجب في البدء مراجعة أسعار العلف بما يساعد الفلاح على تربية ماشيته في أحسن الظروف ومن دون التملص منها، بالإضافة إلى الضرب على أيدي المحتكرين من التجار الذين ألهبوا الأسعار في كل مرة.ومن خلال هذه الحلول حسب السيد العبيدي ستتكاثر النوعية بالسوق ويتراجع بالتالي سعر العلوش، ومن بعده ثمن اللحوم الحمراء.