تواصل حالات التعذيب، وانتهاكات حقوق الإنسان.. وتنامي المخاوف من ضرب الحريات العامة والفردية.. والهدف من إطلاق مبادرة عهد تونس للحقوق والحريات، والمطالبة بتضمينها في توطئة الدستور الجديد... تلك أهم محاور ندوة «عهد تونس للحقوق والحريات» بالمهدية. أكد العميد عبد الستار بن موسى رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في الندوة التي انتظمت نهاية الأسبوع المنقضي بدار الثقافة بالمهدية في إطار حملة التوقيع على عهد تونس للحقوق والحريات وسط حضور مكثف من الحقوقيين، والنقابيين، وممثلي الأحزاب السياسية، والمواطنين على القيمة المعنوية الكبيرة لهذا العهد باعتباره يمثل المدخل الأساسي لإبرام عقد اجتماعي في المرحلة المقبلة.
انتهاكات
وأضاف أن «عهد تونس للحقوق والحريات» أتى في مرحلة تميّزت بتنامي المخاوف من عودة الاستبداد، فالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان كان من المفترض أن تهتم بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية بعد الثورة، فإذا بها تجد نفسها مجبرة على الاهتمام بالتعدي على أبسط الحقوق والحريات، وكانت تعتقد أن الإعلام تحرّر فإذا بجزء منه تحول إلى ناطق باسم الحكومة، متسائلا: عن أيّ أمان نتحدث بعد أن تُغتصب امرأة في الطريق من قبل أعوان أمن، وتبرره السلطة؟ وعن أيّ احترام للحرمة الجسدية للمواطن عندما يتواصل التعذيب في مقرات الأمن، مستدلا بشهادات طبية تؤكد تعرض موقوفين للتعذيب من الحنشة بصفاقس، و«برج عريف» بالمهدية، ومنطقة «العمران» بمنزل بوزيان وغيرها من الأماكن... وهي ممارسات قال إننا كنا نخالها ولّت وانقضت فإذا بها تعود من جديد.
وعبّر العميد بن موسى عن استغرابه وتعجبه من عدم إمضاء حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية إلى حد الآن على وثيقة عهد تونس للحقوق والحريات، وخصّ هنا بالذكر محمد عبّو الأمين العام لحزب المؤتمر، مستبعدا إمكانية تنصّله أو عدم إمضائه على وثيقة العهد بالنظر إلى ما لقيه من دعم ومناصرة من قبل الرابطة التي أسندت له منحة شهرية قدرها 1200 دينار عندما سجنه النظام السابق.
وشدّد العميد بن موسى في خاتمة كلمته على وجوب إنشاء مجلس وطني مستقل للحريات وحقوق الإنسان، وعلى تمكين الجمعيات من التقاضي مباشرة دون توكيل، كما استغل هذه المناسبة للرد على اتهامات الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي للحقوقيين بتشويه صورة تونس قائلا «عندما نندّد بممارسات منافية لحقوق الإنسان فذاك دورنا ولا يعتبر بأي حال من الأحوال تشويها لصورة تونس».
تحقيق أهداف الثورة
الأستاذ عبد الباسط بن حسن رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان أبدى تفاؤله وسعادته بمدى إقبال المواطنين على حملة الإمضاء على عهد تونس للحقوق والحريات الذي استند إلى العمق المدني المتأصل في ثقافة وتربية كل تونسي وتونسية، مذكرا بريادة تونس في هذا المجال باعتبارها ثاني دولة في العالم ألغت العبودية، ومن أولى الدول التي شهدت حركية نقابية وحقوقية، إضافة إلى تفجيرها لثورة ألهمت العالم وصفها بثورة «قيم» نادت بإسقاط الفساد والديكتاتورية، لذلك فهي تستحق حسب تعبيره نصّا وعهدا يذكّر دائما بمسؤولية الإصلاح، وتحقيق أهداف ومطالب الثورة رغم حدة الصراعات الإيديولوجية والتجاذبات السياسية التي يجب أن لا تضرب الأدنى المشترك وهو حقوق الإنسان والحريات.
وبيّن الأستاذ بن حسن أن تونس اليوم تعيش عدة مخاطر نتيجة التأخر في عملية إصلاح الإدارة، والأمن، ومنظومة العدالة، وتحقيق العدالة الانتقالية، إلى جانب المخاوف من تواصل التعذيب، وانتهاك حقوق الإنسان، ومن هذا المنطلق فإن عهد تونس للحقوق والحريات جاء ليؤكد أن هذه المخاوف يمكن معالجتها بإقامة منظومة لحقوق الإنسان تتضمن مؤسسات دستورية وتعديلية تحميها.
وأوضح في ذات السياق أن هذا العهد المتكوّن من تسع مواد أطلق بمبادرة من المعهد العربي لحقوق الإنسان، وبدعم من الاتحاد العام التونسي للشغل، والنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، والهيئة الوطنية للمحامين، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، وأمضى عليه إلى حد الآن 14 حزبا، وقد قام بصياغته مجموعة من الخبراء إثر مئات النقاشات التي أُجريت على امتداد قرابة سنة ونصف مع النخب، ومختلف الفئات الشعبية التي نادت بأن يصبح جزءا من ديباجة الدستور الجديد.
ومن جهته أشار سمير الشفي الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل أن انخراط المنظمة الشغيلة في هذه المبادرة يدخل في جوهر العمل النقابي الذي يعتبر عملا حقوقيا بامتياز، إذ أثبتت التجربة النضالية الطويلة التي مر بها الاتحاد بما لا يدع مجالا للشك أن الحديث عن العمل النقابي واستقلاليته وجدواه لا يمكن أن يكون في ظل دولة استبداد، مضيفا أن تحقيق أهداف الثورة، وتطلعات الشعب في القطع مع منظومة الفساد والاستبداد يمكن أن يختزلها عهد تونس للحقوق والحريات في كل أبعادها الحقوقية والاقتصادية والاجتماعية من خلال العمل على تكريسها على أرض الواقع.
كما عرّج السيد الشفي على تواصل حالات التعذيب والاغتصاب من قبل من يُفترض أنهم حماة للمواطنين بعضها لم يُسجّل حتى قبل الثورة رغم أنها يمكن أن تكون حالات شاذة لا يُقاس عليها، إلا أن ذلك لا ينفي حسب تعبيره وجوب التحلّي باليقظة التامة، منهيا كلمته بضرورة المراهنة على نضج الشباب، والنساء، منظمات المجتمع المدني، والأحزاب التقدمية من أجل قطع الطريق أمام كل محاولات الالتفاف على أهداف الثورة.