وكان مالك يميل منذ صغره الى الغناء وخاصة ان الغناء كان رائجا في المدينة في عصره، واشتهرت مطربات كان أهل المدينة والمسلمون عموما لا يتخلفون عن الولع بالغناء والألحان والطرب اللائق والتمتع بالاشعار الرقيقة والأصوات البديعة والآلات المطربة والألحان الرائقة والتنعم بالأجواء الفنية الجميلة. فتسامح المالكية بالمدينة جعل الشعر الغزلي الرقيق بالمدينة ينشأ ويتطور ويبلغ أعلى قمم الفن، ويشهد الحجاز تطور المدرسة الشعرية وبروز الحب العذري الذي خصصنا له كتابا نشرناه منذ شهر. كما خصصنا كتابا للجواري المغنيات اللاتي ظهرن منذ عهد مالك بن أنس في الحجاز ونشرناه سنة 1997 ومن أبرزهن جميلة وعزة وحبابة... وقد تعلق مالك بالغناء منذ نعومة أظفاره لكن أمه نصحته بالتخلي عن رغبته تلك وأن يتعلق بالفقه فقط. وقالت له: «يا بني إن المغني اذا كان قبيح الوجه لم يلتفت الناس الى غنائه فدع الغناء واطلب الفقه» قالت له أمه ذلك رغم ان مالكا استشهر بكونه جميل الوجه طويل القادمة. وكان مالك يهتز للغناء والطرب الأصيل خاصة اذا كان غير فاحش ويورد القاضي عياض في «ترتيب المدارك». بعض النوادر التي تتخلق بحب مالك للغناء من ذلك تعليقه عند سماعه بخادم بني عمارة تغني فقال: انها لفصيحة اللهجة حسنة التأدية. وعلّق مرة على أداء أغنية سمعها من مغنية فقال: لو غنّى به حول الكعبة لجاز. وفي رواية : يا أهل الدار علّموا فتيانكم مثل هذا. وسمع مرة أبياتا تتضمن حسن أخلاق الجار لجاره فقال: لا بأس بالغناء بمثل هذا. ويقول أحد المؤلفين عن مالك: «يتصل بجانب التمتع بطيبات الحياة عند الإمام مالك عنايته بالغناء» (أحمد الشرباصي : الأئمة الاربعة، ص113 114). ويذكر الدكتور الشرباصي ان كتاب الموطأ لم يذكر فيه مالك شيئا من الآثار عن تحريم الغناء رغم انه تحدّث عن حرمة كثير من الاشياء.