الأحاديث النبوية التي تأمرنا بصيانة الصوم عمّا يفسده كثيرة, فعلى المسلم الصائم أن يصون جوارحه عمّا حرّم الله عليه, فيصون لسانه عن الكلام القبيح ويصون أذنيه عن الإستماع للغو وأن يصون عينيه عن النظر إلى الحرام, فزنا العينين النظر بشهوة , قال النبي : (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس لعنه الله فمن تركها خوفا من الله تعالى أتاه الله عزّ وجلّ إيمانا يجد حلاوته في قلبه) وقال أيضا: (خمس يفطرن الصائم: الكذب والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة والنظرة بشهوة). وعلى هذا الأساس فالأكل والشرب والجماع مفطرات حسّية والخمس المذكورة في الحديث السابق مفطرات معنوية.قال بعض السلف (إذا صمت فانظر على أيّ شيء تفطر وعند من تفطر). وممّا ينبغي للصائم أن يحتاط له الشبع وقت الإفطار, فقد اعتاد كثير من الناس أن يجعلوا من رمضان موسما للتفنّن في صنع المأكولات وتنويعها مما قد لا يعرفونه في غير رمضان وهذا بدون شك ينافي الحكمة من تشريع الله للصيام, فقد جعله الله للقلب وصقل الروح فجعلناه للبطن والمعدة, وجعله الله للحلم والتسامح , وجعلناه للغضب والطيش جعله الله للسكينة والوقار , فجعلناه شهر الخصام والسباب والشتم , جعله الله تعالى ليغيّر الناس فيه من سلوكهم, فما غيروا إلآ مواعيد أكلهم, جعله الله تعالى شهر الكد ومجاهدة النفس فجعلناه شهر الكسل والنوم . وبذلك خالفنا سنّة الإسلام وأفرطنا في الإستهلاك والتبذير وأهدرنا فوائد الصوم الصحية والروحية لأنّ المقصد من الصوم هو الخواء وكسر الهوى لتتقوّى النفس على التقوى قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون )(البقرة: 183) وقال أيضا : (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ) (الحج:37) .
إنّ الإنسان إذا جاع وذاق ألمه في بعض الأوقات تذكّر من هو جائع في جميع الأوقات فيسارع إلى رحمته والإحسان إليه. قيل ليوسف عليه السلام وكان كثير الجوع : لم تجوع وأنت على خزائن الأرض فقال : إنّي أخاف أن أشبع فأنسى الجائع . قال تعالى : ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين )(الأعراف:31) . وقد عظّم الله هذا الشهر الذي أنزل فيه القرآن وبعث فيه محمّدا خير الأنام وجعل فيه ليلة القدر خيرا من ألف شهر وجعله تعالى لنفسه ووعد بالغفران, قال النبي (ذاكر الله في رمضان مغفور له وسائل الله لا يخيب ) وقال أيضا عليه الصلاة والسلام (لو يعلم العباد ما في رمضان لتمنّت أمّتي أن تكون السنة كلّها رمضان).
فما أحوجنا اليوم إلى مراجعة سلوكنا ونحن نستقبل شهر رمضان وكم يسرّ المرء أن يرى المسلمين يفتحون قلوبهم قبل أن يفتحوا المصاحف لأن المصحف لا ينفع في القلب المغلق المتحجّر وأن يعوا أنّ الصيام لم يكن ولن يكون سهرا بالليل ونوما بالنهار وقعودا عن العمل ونقصا فادحا في الإنتاج, وأنه ليس شراسة في الأخلاق وعجرفة في المعاملات ولا لغوا في الكلام , ولكنه إنتصار على الهوى وفوز بالصبر وسمو بالنفس وعروج بالروح إلى مراتب العلى . فعلى كل مسلم مقدم على القيام بهذه الفريضة السامية أن يجدّ في طاعة الله وأن يؤديها على الوجه الذي يرتضيه الله ورسوله وأن يغتنم هذا الموسم المبارك في التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بإكثار الصدقات وفعل الخيرات فهو شهر التراحم والتضامن.وأن يتعامل مع إخوانه بقلب مفتوح مليء بالمحبة والرحمة لأن الصائم في هذا الشهر يتشبه بالملائكة التي تذكر الله وتسبحه بكرة وأصيلا ولا تعصيه في شيء.