انتشرت ظاهرة الكتابة والرسم على الجدران بين عامة الشباب بشكل اكبر بعد الثورة ! حيث ملأت الكتابات جدران المؤسسات التربوية وجدران المرافق العامة منها والخاصة بما في ذلك جدران المقابر وانتشرت هذه الظاهرة بعد الثورة في مدينة القيروان. والملاحظ أن الظاهرة لم تستثن تقريبا أيا من الفئات العمرية فمن أطفال المدارس إلى مراهقي المعاهد ومرورا بالطلبة وحتى بعض الكهول.
السيد فتحي غرسلي رئيس قسم النهوض الاجتماعي بالقيروان أرجع ذلك إلى عوامل نفسية واجتماعية وتربوية وسياسية. وقال «كلها ساهمت في تفجير نوع من الكبت الداخلي للتعبير عن رأي أو توضيح فكرة أو الإدلاء بموقف كان من الممكن التعبير عنه بالطرق العادية والحوارية».
ومن الأسباب المباشرة التي تدفع بالطفل أو الشاب إلى الكتابة على الجدران، حسب الأخصائي نقص التواصل في الأسرة التونسية والتي تعتبر النواة الأولي لتكوين شخصية المراهق وللأسف مازالت ثقافة الحوار والتعبير الحر عن الرأي شبه منعدمة في أسلوب تربيتنا وهذا ما يدفع الشاب للبحث عن فضاء بديل يتيح له حرية التعبير عن ذاته أو رأيه أو موهبته بدون حاجز ولا رقيب فهو يرى في الجدار فضاءه الحر لإيصال صوته والتعبير عما يخالج نفسه.
واعتبرها ظاهرة مؤقتة سوف تتلاشى مع ازدياد هامش حرية التعبير عن الرأي في تونس ما بعد الثورة وبعد خروج الإعلام من قوقعته فأصبح متاحا لكل مواطن التعبير عن آرائه في وسائل الإعلام بدون خوف ولا محاسبة وهي ظاهرة متوقعة بعد عقود من الكبت والقمع الذي عانى منه الشعب التونسي.
وحول طرق التعامل مع هذه الظاهرة وعلاجها أكد السيد غرسلي على ضرورة تفعيل جانب الحوار ولا سبيل لمعالجة مثل هذه الظواهر الاجتماعية إلا بالطرق التوعوية والعمل على غرس ثقافة الحوار وحرية التعبير. وقال «ان تجريم مثل هذه الكتابات ومعاقبة من يقومون بها لن يحل المشكل بقدر ما سيزيد حدته وقد يتطلب الأمر بعض الوقت حتى ننتج جيلا قادرا على التعبير عن ذاته وقبول الآخر بدون الحاجة إلى ممارسة العنف الجداري كما يرى أن مؤسسات الدولة من واجبها الإحاطة بهذا الشباب وتوفير فضاءات تمكنه من صقل مواهبه الفنية والتعبير عن رأيه بدون تعد على الأشخاص والممتلكات. وهنا يأتي دور المجتمع الذي مازال يعاني من أزمة عدم الانتماء والامتناع عن تقديم النصح بتعلّة أنه ملك عام «رزق البيليك» وهو تصرف خاطئ يشجع على التمادي في الخطإ حسب راي الأخصائي.