هو كثير التنقل والترحال بين تونس وروما لإلتزاماته الابداعية المتعددة... حافظ خليفة سيكون له لقاء أيام الجمعة والسبت والأحد القادمة مع جمهور قاعة الفن الرابع من خلال عروض مسرحية «طواسين» التي مثلت حدثا بارزا في الدورة الأخيرة لأيام قرطاج المسرحية.
في هذا اللقاء كشف حافظ خليفة الكثيرمن هواجسه الابداعية.
تمثل هذه الفترة مرحلة حرجة جدا لإنقاذ ما تبقى من الثقافة ببلادنا إثر هذا الطوفان وأمواجه العاتية من التهميش قبل وبعد الثورة. فأما ما قبل الثورة فكان مسيسا ومستهدفا ومنظما من قبل ذيول المخلوع وأما بعد الثورة فعن طريق هذه الأفكار المتطرفة والهمجية والمستعملة للدين كأداة للإلغاء والاقصاء وما مجيء السيد الوزير المهدي مبروك كمستقل وصاحب مشروع جدي واضح إلا أمل لهذا الانقاذ. وأعتقد أنه عن الرغم من المحاولات الجريئة والجادة والاختيارات الصائبة التي اتخذها فإن رياح التهميش والتركيز على الأشياء الثانوية وترك المسائل الجوهرية قد بدأت تحاول النيل من المشروع الثقافي لهذا الرجل وأقول لمن ينتقده اتركوا الرجل يعمل واتركوا هذا الوطن يتنفس من خلال الاعتماد على إبداعات أبنائه ولا القادمين من الشرق بهدف ملء الجيوب بنشاز ألحانهم وتفاهة مواضيعهم فإن في جراب مبدعي وفناني هذا الوطن الكثير وفي كل الاختصاصات الثقافية .
من أهم الرهانات الثقافية في قطاع المسرح تعيين ووجود الفنان فتحي الهداوي بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات والفنان أنور الشعافي كمدير عام للمسرح الوطني؟
بالنسبة لفتحي الهداوي، فالكل يعرف مسيرته الفنية العالمية وليست العربية فقط ومدى قدرته على استقطاب الشراكات الثقافية العالمية وقدرته على «الاستماتة» ليبقى مسرح المركز الثقافي بالحمامات ومهرجان الحمامات في المستوى الفني العالي كما وكيفا وعدم السقوط في مقولة «الجمهور عايز كده» اذ أن مهرجان الحمامات ومهرجان قرطاج ولدا وعاشا وسيبقيان بوابة الابداع الفني الراقي لجميع أشكال الفنون. وأما أنور الشعافي فهو «سيزيف» المسرح باصراره وثباته على مشروعه على الرغم من القدح والتشكيك و«صنصرة» بعض مشاريعه من احدى الفضاءات الخاصة ومثابرته على مشروع صياغة ونحت ملامحه بكل جدية. وأعتقد أن المسرح الوطني في حاجة عاجلة الى مشروع ومسؤول في حجم ونوعية هذا الرجل على الرغم من أني أرى ضرورة خلق نواة (أي مجموعة) من مسرحيين شباب يسهرون على المسار الفني والاداري والرسكلة والتوزيع والعلاقات الخارجية كسائر ما اعتمدته باقي المسارح العالمية الأوروبية.
دعم الابداع بمختلف أصنافه يبقى من الهواجس التي تقضّ مضجع المبدع وخاصة أهل المسرح... ما هي رؤيتك في ذلك؟
يبقى الدعم ضمانا للمستوى العالي للمسرح التونسي لكي لا يسقط في الارتزاق والتفاهة ولكن للأسف قد خلق الدعم من جهة أخرى شريحة مسرحية مرتزقة همها الوحيد الاستفادة من هذا الدعم وليس الابداع. وأعتقد ان خير وسيلة لبلوغ هدف ما وتحقيق مشروع يجب الاعتماد على الصناعة الثقافية أي اقناع أصحاب المشاريع الخاصة والشركات الذين كانوا في يوم ما يهبون الأموال مضطرين للصندوق الوهمي (26-26) ولحزب المخلوع فضرورة اقتناع هذه الشركات ورجال الأعمال بأهمية العمل الثقافي ودعمه مسألة حيوية. وكتجربة خاصة فإني أعيش هذه الأيام تجربة جد مميزة بدعم تلفزيون «TAWRA TV» بسلسلة من العروض لعملي الجديد «طواسين» التي ستكون أيام 2 و3 و4 مارس 2012 بقاعة الفن الرابع في العاصمة. وأعتقد جازما أن القطاع العام وتحديدا وزارة الثقافة وعلى الرغم من كل شيء هي الضمان الأكبر في حماية مشاريع أمثالي من الانحراف الفني... اتفق النقاد على اعتبار «طواسين» نقلة نوعية في مسيرة حافظ خليفة المسرحية. أعتقد أن ما عاشه المجتمع التونسي من ثورة هو نقلة حضارية ورجة تاريخية تعاد فيها كل الحسابات الذاتية والفنية والفكرية غرارا على السياسية طبعا. وأعتقد ان كل مبدع لم يهضم هذا الحدث ولم يجلل بعد ان وضع المسافة لخلق نقلة في ما يبدع فهو على قارعة التاريخ. «طواسين» هي افراز لهذا التحول الجذري الذي تعيشه بلادنا بحلوه ومرة لمحاولات التنظير والفوضى لكل أشكال التطرف باسم حرية التعبير لائكية كانت أم عقائدية اذ حاولت قدر الامكان أن أثابر على جدية الطرح والموضوع دون تناسي الطرف الآخر في اللعبة المسرحية ألا وهو الجمهور للفهم والفرجة والتمتع وربما في الأخير التطهر حسب التعريف الأرسطي.
هل يمكن الحديث عن نخبة في تونس... لها رؤيتها الخاصة للمشهد الثقافي التونسي؟
قيل لي ذات يوم إن في تونس هناك نخبة وللأسف لم أرها ترتاد المسارح وفي الشوارع تقاوم جنود المخلوع أثناء الثورة في الصحف والكتب والوسائل السمعية البصرية تستميت لتقاوم التهميش الثقافي الذي كان ولازال. ان لدينا نخبة مخمورة نرجسية أثقل كاهلها بعد المسافة بين العلو الشاهق لبرجها العاجي الوهمي وبين اسفلت ابن الشارع الذي خلق لنا الثورة والذي لا يهضمها ولا يؤمن بها لأنه في تاريخ الشعوب (الثورة الفرنسية مثلا) كانت النخبة المشعل الذي يهدي الطريق ويمهد للتحرك واستنهاض الهمم. ليست هناك نخبة في تونس وان كان هناك من يقول انها موجودة فهي مزيفة وليدة ثقافة رؤوس أقلام.
...تعالت الأصوات منادية بضرورة إعادة الحياة للفرق المسرحية الجهوية المحترفة.. في ظل تقلّص دور مركز الفنون الدرامية وتنامي ظاهرة الفرق المسرحية الخاصة؟
ما ألاحظه هو أن المؤسسات الوطنية الدرامية لا تقدم أشكالا فنية رائدة على غرار ما تقدمه الفرق الخاصة بالرغم من توفرها على الفضاء والمعدات التقنية والموظفين والتقنيين وهذا ناتج، حسب رأيي، عن تواصل صورة المخلوع الذي كان منحوتا في شخص كل واحد مسؤول لكل هذه المؤسسات قبل الثورة في النرجسية وأحادية الاختيار والاقصاء وتفشي منظومة «رزق البيليك» والتشبث بالكرسي والتزلّف في الوقت الذي تطوّرت فيه تجارب الفرق الخاصة كمشروع بديل لصياغة مسرح تونسي وتطويره وما نتائج «ليلة المسرح التونسي» يوم 26 ماي 2010 إلا أكبر مثال على نجاح التجربة الخاصة على حساب التجربة المؤسساتية الدرامية وأملي بعد هذه التسميات الموفقة على رأس مؤسساتنا الدرامية الوطنية أن تتطور وتصل الى المستوى العالي الذي نرجوه بأفكار ودماء شابة واعية من خرّيجي المعهد العالي للفن المسرحي من جميع أنحاء الجمهورية وخارجها.
بشّر سليم الصنهاجي بأن المستقبل هو لفنون مسرح الشارع.. أين أنت من هذا الرأي؟
أنا مع هذا التوجه إذ أن ابن الشارع أصبح لا يرتاد دور الثقافة ولا المسارح فالأجدر لإعادة المصالحة بين المسرح والجمهور أن ينزل المسرح الى الشارع ويتخلص المسرحي من نرجسية الأنا وأكذوبة بما يسمى مسرح النخبة.. فالجمهور هو النخبة وخاصة إذا رأينا الآن أن الحصار الذي كان موجودا على الشارع قد زاد وقد يعود «هذا إذا لم يعد فعلا» من طرف أصحاب الأفكار المتطرّفة التي ستحرّم علينا حتى التنفس آجلا أم عاجلا فالمسألة دقيقة وحساسة وعاجلة فإن لم يملأ المسرح الشارع فسيملأه الآخر بطهارته المدنّسة. حافظ خليفة الذي يعيش منذ سنوات عديدة في ايطاليا.. ألم يحن بعد موعد العودة الى الاستقرار النهائي في تونس؟
أعتقد أن الاستقرار عدو الفنان ولكن هناك مسائل جوهرية لا تنتظر وخاصة عندما ترى وطنك وهو يتألم من جرّاء الردّة الفنية فالاستقرار بالنسبة إليّ هو رهين مسؤولية ما قد توكل لي لخدمة وطني ولا أعتقد أن هذا الهاجس (الاستقرار) قريب باعتبار أن المسؤول لم يتخلص لحد الآن في نظرته للمسؤولية التي تعطى الى حدّ الآن إلا لأصحاب الوظيفة العمومية وتسميات مديري المؤسسات الدرامية الوطنية مثال على ذلك وأحيانا أتساءل: هل الثورة قامت من أجل تسوية وضعية وترقية الموظفين العموميين أم لانتداب «بطّالة»؟ إننا في ظرف يحتّم علينا الاختيار بجرأة وليس بالاضطرار لملء الفراغ. ويبقى الترحال، حسب رأيي، الشريان الذي من خلاله أتنفس لمواصلة المشروع والتجدد