ارتفع نسق احتقان واحتجاج المعطّلين عن العمل خلال الفترة الأخيرة.. ودعا بعضهم إلى تنفيذ شعارات الثورة.. معتبرين أنهم لم يتلقوا غير الوعود طيلة سنة. ترشح بعض المصادر من اتحاد الصناعة والتجارة وغيرها من المصادر بلوغ عدد العاطلين عن العمل عتبة المليون.. أعداد المعطّلين عن العمل في تصاعد وموجة الاحتجاجات ارتفعت والاحتقان في أوجه. «الشروق» بحثت في واقع البطالة في تونس، وحاولت الحصول على شهادات من المعطلين.. سنة بعد رفع ثورة تونس لمطالب التشغيل، كما اتصلت بخبير في الاقتصاد لمعرفة الواقع التونسي وفرص بعث مواطن الشغل في هذه الفترة، والحلول الممكنة. بداية الحديث كانت مع السيد جمال الزغيدي رئيس جمعية المعطلين عن العمل من أصحاب الشهائد العليا.. الذي انطلق في الكلام ووصف وضعية المعطلين قائلا: «إننا نغرق.. نغرق». وأضاف ان الوضعية تزداد سوءا وأن هناك خيبة أمل كبيرة بالمقارنة مع التطلعات التي عاشها المحرومون من العمل طيلة تسعة أشهر. مماطلة ووعود «لقد سئمنا الوعود والكلام.. نحن انتظرنا حلولا ملموسة وواقعية من هذه الحكومة.. فالمفروض ان الحكومة الجديدة قد جلبت معها برامج عمل وحلولا لا مجرّد كلام ولغة خشبية كتلك التي سوّقها النظام السابق» هذا ما ذكره رئيس جمعية المعطلين عن العمل مضيفا: «هذا نوع من المماطلة.. وربح للوقت وأصحاب الشهائد العليا من المعطلين وغيرهم يعيشون خيبة أمل كبيرة». ووصف محدثنا شوارع صفاقس وسوسة وغيرها من فروع الجمعية ب«المحتقنة» و«الغاضبة» ورشح الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية للارتفاع في 14 جانفي وعند الاحتفال بسنة أولى ثورة. نظرا لغياب الحلول الملموسة.. ويعتبر المعطلون عن العمل أن أزمة التشغيل زادت حدة، وأن كل حكومة تعيد العمل من جديد والقيام باستشارات ودراسات جديدة دون مرور إلى حلول عملية.. ويتساءلون عن غياب الحلول التي من المفروض أن الحزب جلبها معه ضمن برنامجه الانتخابي، وهو ما يذكر بالعهد القديم لا يبشر بحلول وانفراج. ونفى جمال الزغيدي أن تكون خيبة الأمل ناتجة عن غياب الصبر وعدم إعطاء الحكومة الجديدة فرصة للعمل، مطالبا بوجود جرأة من الحكومة في إعادة تفكيك المنظومة الاقتصادية وإعادة تركيبها وفق متطلبات سوق الشغل مشيرا إلى وجود 250 ألف معطل عن العمل من أصحاب الشهائد العليا. وقال: «لقد صبرنا.. وصبرنا.. لكن ما يخيفنا اليوم ويبعث على التشاؤم هو التناقض والتضارب في الكلام وازدواجية اللغة.. فكأن الديمقراطية لها مفهومان مفهوم قبل الوصول إلى كرسي السلطة وآخر بعد الحصول على الحكم!! «ما ألاحظه هو ارتفاع في معدلات البؤس والشقاء، نحن لا نريد سياسة.. نحن نطالب بحقوق الإنسان الفكرية والحق في العمل والكرامة!!». وأضاف: «ما يحصل الآن وما يمارس هو تجاهل للمطالب.. وتضارب مع مطالب الثورة!!». الرؤية الاقتصادية قصد الوقوف على حقيقةوضع الاقتصاد التونسي وإمكانيات التشغيل الموضوعية بعيدا عن لغة السياسة اتصلنا بالدكتور علي عبد الله دكتور في الاقتصاد.. ويقول الدكتور علي عبد الله: «ان الاشكال يتمثل في أن منوال التنمية وحده غير قادر على خلق مواطن الشغل فبعد حوالي عشر سنوات من العمل ارتفع معدل التنمية بحوالي 1٪.. لكن الثورة والاضطرابات والاعتصامات جعلت معدل النموّ يتراجع ويصل الصفر». وفسّر أشكال البطالة بوجود مخزون تراكمي من العاطلين عن العمل طيلة 25 سنة، ومع تراجع النموّ يرتفع هذا المخزون.. مع العلم أن 1٪ نسبة نمو تخلق 16 ألف موطن شغل وقال المختص في الاقتصاد: «ربط البطالة بتطور نسبة النمو لا غير لا يكفي لإحداث مواطن الشغل وحل أزمة البطالة.. فما نلاحظه هو تجاوز نسبة البطالة لدى أصحاب الشهائد العليا بحوالي 40 و50٪ في المناطق الداخلية».. والآليات الاقتصادية الحالية عاجزة عن استيعاب العاطلين عن العمل. ولاحظ محدثنا أن القطاعات التي تحتاج إلى مواطن شغل قد لا تجد في «ملامح» العاطلين من يستجيب لتطلعاتها، مثل القطاع الفلاحي. وأكد على ضرورة تغيير الهيكلة الاقتصادية. واعتبر أن الظروف الحالية و«الاحتقان» الموجود في الشارع والضغط الخارجي دون مساعدة يجعل من الاقتصاد في وضعية جمود.. كما أن القطاع الخاص لا يمكنه التحرك مع وجود الاحتجاجات.. وأكد على أهمية عودة العجلة الاقتصادية للعمل والدوران حتى تحل الأزمات فالوضع الحالي ضبابي وغير واضح.. واعتبر أن هناك حلولا «سحرية» مثل انفراج الوضع في ليبيا واستقطابها ليد عاملة تونسية وعودة مصانع الطاقة والغاز للعمل في وسط ظرف اقتصادي يحتاج هذه القطاعات وشبه الاقتصاد التونسي بالعائلة التي لها أفراد وقطاعات متعددة بإمكانها أن تعيش في سلام، لكن يوم أن يقع أحد الأفراد أو القطاعات مريضا فإن البقية تتعطّل.