تنفق هذه الأيام العائلات التونسية، أموالا طائلة على الدروس الخصوصية لأبنائها استعدادا للامتحانات، وذلك رغبة منها في تحسين نتائجهم وضمان نجاحم بمعدلات مقبولة. غير ان هذه الدروس الخصوصية تزيد في الواقع في منسوب الضغط على ميزانيات الأسر دون فائدة تذكر ذلك أن النتائج المحققة غير مرضية بالمقارنة مع النفقات المرصودة، وفق ما تؤكده سنويا مؤشرات التقييم الوطنية. في جانب اخر، تشير معطيات إحصائية ان الكلفة السنوية للدروس الخصوصية في مختلف مناطق البلاد تقدر بنحو1.468 مليار دينار في حين تبلغ ميزانية وزارة التربية برمتها للعام الحالي 7.918 مليار دينار مما يعني ان هذه الدروس تمثل 19 بالمائة من إجمالي هذه الميزانية. وتبين المعطيات الصادرة، في هذا الصدد، في إطار دراسة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بخصوص "النفقات الاجتماعية المخصّصة للتعليم: ما بين وهم المجاني والصعوبات المادية للعائلات " ان معدل الانفاق الشهري على الدروس الخصوصية يقدر بنحو 146 مليون دينار (فترة 10 اشهر الموافقة للسنة الدراسية)، كما أنّ معدل التلاميذ، الذّين يلجؤون إلى الدروس الخصوصيّة يقدر بنسبة 67 بالمائة فيما يهم تلاميذ المدارس وبنسبة 61 بالمائة في الإعداديات وبنسبة 80 بالمائة في المعاهد. ويصل معدل الكلفة الشهرية للدروس الخصوصيّة إلى 94 دينارا بالنسبة لتلميذ الابتدائي و74 دينارا لتلميذ الإعدادي وإلى 120 دينارا لتلميذ الثانوي. وبحسب الدراسة، فإنّ انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية ما فتىء يهدد مبدأ نظام التعليم العمومي، خاصّة، وأنّ هذه الدروس لا تستهدف التلاميذ، الذّين يعانون صعوبات في التعلّم، لكن كل فئات المتعلّمين بما في ذلك التلاميذ الموهوبين. من ناحية أخرى، تنتهك الدروس الخصوصيّة مبدأ تكافؤ الفرص لأنّها تمنح الأفضليّة للتلاميذ من أبناء العائلات الميسورة وذات الدخل المتوسط على حساب التلاميذ من أبناء العائلات ذات الدخل الضعيف اذ تعمل الظاهرة على تعميق التفاوت الاجتماعي من خلال آلية الانتقاء، التّي تستند إلى القدرات الماديّة للمتعلّم وليس لكفاءته وقدراته على التعلّم طبقا للقانون المدرسي. وتحولت مسألة الدروس الخصوصية خلال السنوات القليلة الماضية إلى مصدر قلق متزايد للعائلات التونسية، وكذلك لسلطات الاشراف التي تسعى إلى تنظيم هذه المسألة. وفي الوقت الذي تشدّد فيه وزارة التربية على منع إجراء دروس خصوصية خارج الفضاء التربوي، يعمد الكثير من الأساتذة والمعلمين، وحتى من يملكون شهائد جامعية في تخصصات أخرى، إلى ممارسة هذا النشاط في البيوت والفضاءات الخاصة. وتؤكد وزارة التربية على أن هذه المسألة أصبحت ظاهرة ساهمت في تعميق الفوارق بين التلاميذ، وسط ضغط متزايد على ميزانيات الأسر المخصصة لتعليم أبنائها. كما يؤكد مختصون في الشأن التربوي ان الدروس الخصوصية ينظمها المرجع القانوني والبيداغوجي، وتبقى دائما خاضعة للقانون حتى لا تتعرض لحسابات مادية بين التلميذ والأستاذ غير انهم يجمعون على انه لو تؤدي المدرسة العمومية واجباتها، يمكن تحقيق نتائج أفضل، والطرق البيداغوجية المتبعة في التدريس ضعيفة، وهو ما يستدعي تكوينا قاعديا للمعلمين والأساتذة، حيث لم تعد هناك قيمة للمعلومات أمام طرق التدريس البيداغوجية، فأصبحت الدروس الخصوصية ضرورية، وما يقدمه المدرس لا يفي بالحاجة. كما يشير مراقبون إلى ان الكثير من الأساتذة وجدوا الدروس الخصوصية فرصة لتحقيق الربح المادي، والولي يريد ملء أوقات فراغ ابنه خوفا من ممارسة سلوكات أخرى. وتعتبر تونس واحدة من الدول التي أصبح فيها مستوى التعليم الذي تقدمه مؤسسات القطاع العام مقلقا للغاية، حيث كشف استطلاع للرأي في العام 2021، أعده معهد الشرق الأوسط (مؤسسة مقرها واشنطن مخصصة لدراسة الشرق الأوسط) أن 77 بالمائة من الذين تم استطلاع رأيهم في تونس غير راضين عن التعليم في البلاد. الأولى الأخبار