ترتبط بصناعة السكر في تونس العديد من الأنشطة الاقتصادية التي تؤمن آلاف مواطن الشغل في القطاع الصناعي والخدماتي، كما يؤثر تعثرها على الواقع الاجتماعي في الولايات التي تتركز فيها وحدات الإنتاج. وتقوم صناعة السكر في البلاد على الإنتاج الشامل للسكر المستخرج من اللفت السكري بمعدل 15 ألف طن سنوياً. وتتولى وحدة التصنيع في باجة الراجعة بالنظر للشركة التونسية للسكر وهي مؤسسة عمومية تحت إشراف وزارة الصناعة والمناجم والطاقة، تكرير ما بين 150 و180 ألف طن من السكر المورد الخام، وهو ما يمثل 45% من الإنتاج المحلي. شهدت الأسواق في الفترة الاخيرة وهي التي تحتاج سنوياً إلى نحو 360 ألف طن من السكر، نقصا في هذه المادة الرئيسية تحت تأثير ارتفاع الأسعار في السوق العالمية وعدم قدرة المصانع المحلية على مسايرة احتياجات المستهلكين. لتلافي هذا الوضع أدّى رئيس الدولة، قيس سعيّد، يوم 5 ديسمبر الفارط، زيارة فجئية تفقد، لمصنع السكر بباجة، المتوقف آنذاك عن الانتاج، تفقد خلالها مختلف أقسامه مؤكدا، في ذات الصدد، على ضرورة الحفاظ على ديمومته وحل المشاكل التي يعرفها وذلك بالخصوص بسبب تقادم المعدات والصعوبات الماليّة متراكمة منذ سنوات. انطلقت منذ مدة، على هذا الاساس، عمليات الصيانة مما مكن من استعادة المصنع الأهم في البلاد لحيويته والدخول من جديد في دورة الإنتاج وتزويد السوق المحلية. وتقوم منظومة الإنتاج المحلية على ثلاثة مصانع، مصنع باجة التابع للقطاع العام وهو أكبرها ومصنعان تابعان للقطاع الخاص، أحدهما يشهد تعثراً ماليا تسبب في إغلاقه. أعلنت الشركة التونسية للسكر التي تدير أكبر مصنع في البلاد عن استئناف نشاطها بعد فترة صيانة عانى فيها السوق من شح في هذه المادة. وتزامنت عودة إنتاج السكر المحلي مع اواخر شهر رمضان الماضي حيث يزيد الطلب على السكر كواحدة من أهم المواد الأساسية في صناعة الحلويات. وأكدت الشركة أن المصنع يعمل على توفير إنتاج يومي بنحو 500 طن لضخها في السوق في اطار السعي لتلبية حاجيات الصناعيين والأسر بعد أن عانت البلاد من شح السكر على امتداد أشهر رغم توريد كميات من السكر الجزائري. ويلبي مصنع السكر بباجة نحو 45 بالمائة من حاجيات البلاد، غير أن تقادم معداته ودخوله في فترات صيانة متواترة أثّر على تزويد السوق وأربك إنتاج سلسلة من مصانع المواد الغذائية والمشروبات التي تحتاج هذه المادة ضمن تركيبة منتجاتها. وخلال الفترة الماضية التي يقبل التونسيون فيها بكثافة على التزود بالسكر لصناعة الحلويات ضاعفت سلط الاشراف جهودها لمكافحة شبكات المضاربة حيث تعقّب وزارة التجارة بشكل مكثف مستودعات التخزين غير القانونية. على صعيد مواز، اعتبر مسؤولو الغرفة الوطنية لصناعة المرطبات أن عودة إنتاج السكر وتحقيق كفاية السوق يعتبر مكسبا مهما للغاية بالنسبة للعاملين في القطاع بشكل خاص وللصناعيين على نحو عام، حيث تخول لهم عودة التزويد العادي تجاوز أزمة المواد الأولية التي عانوا منها خصوصا خلال العام الماضي. وبينت الاطراف الفاعلة في الميدان أن الصناعيين لم يجدوا صعوبة هذه السنة في الحصول على كميات السكر التي يحتاجونها ولكن في المقابل تم تسجيل تضاعف سعر السكر الموجه للصناعيين بنسبة 100 بالمائة هذه السنة، إذ مرّ سعر الكيلوغرام الواحد من 1.5 دينار إلى 3 دنانير بينما جرى الحفاظ على سعر السكر الموجه للاستهلاك الأسري. في ذات السياق ورغم ان زيادة أسعار المواد الأولية ترفع كلفة المنتوجات وذلك بالأساس في مواسم ذروة الاستهلاك، الا أن البيانات الإحصائية تبرز ان أغلب المهنيين يحاولون خفض هوامش ربحهم من أجل الحفاظ على استقرار الأسعار أو تعديلها بنسبة لا تتجاوز 5 بالمائة مقارنة بالعام الماضي. في المقابل، جرى تسجيل تراجع في الطلب مقارنة بالسنوات الماضية في حدود 20 بالمائة ناجم عن عدة عوامل ظرفية. في جانب اخر، يؤكد مسؤولو التخزين والتوزيع بمصنع السكر في باجة ان سلسلة الإنتاج عادت إلى العمل بمعدل يتراوح ما بين 500 و550 طنا يوميا وهو ما يوفر نصف الحاجيات الوطنية من مادة السكر وذلك الى جانب توفير مخزون أولي بنحو 8 آلاف طنا اوكلت لديوان التجارة مهمة ضخها في الأسواق وهي كميات مهمة لتلبية الطلب الصناعي والأسري. وتنعكس، عموما، استعادة إنتاج السكر إيجابيا على قطاعات الصناعات الغذائية التي تحتاجه كمادة أولية ما يبعد شبح البطالة عن آلاف العمال ممن يشتغلون في هذه القطاعات. وفي وقت سابق، تسبب تراجع الاحتياطات الاستراتيجية من السكر إلى مستويات متدنية في توقف العديد من المصانع أو التخفيض من طاقة إنتاجها اليومي، الأمر الذي أدى إلى تخفيض ساعات العمل وتلويح وحدات الإنتاج بإحالة العمال إلى البطالة المؤقتة من دون اجور. الأولى الأخبار