إزاء المواقف الغريبة المتهاطلة تعقيبا على الحرب في قطاع غزة وتفاعلا مع فظاعات العدوان الصهيوني على القطاع وعلى أهله وعلى الشعب الفلسطيني قاطبة، إزاء ما يصدر من مواقف يحتار المرء بشأن العقلية الحاكمة في الدول الغربية. وينتابه شك كبير فيما إذا كان هؤلاء ينظرون للصراع بعيون غربية وبعيون بشر في مطلق الأحوال أم بعيون صهيونية. مع بدايات العدوان أدلى الرئيس الفرنسي بدلوه وبدل التحرّك لإيجاد أرضية لوقف إطلاق النار وتجنيب أهالي غزة كل تلك الحمم وذلك الدمار الذي أوقع مئات الشهداء والجرحى. وبدل توجيه رسائل للطرفين بضرورة التخلي عن سكّة التصعيد والمواجهة وفتح قنوات للحل السياسي بدل كل ذلك لم يجد ماكرون حرجا في صب الزيت على النار بقوله إن صواريخ حماس تمثل تهديدا لأمن إسرائيل. الرئيس الفرنسي لم يقل لنا ماذا تمثل صواريخ إسرائيل بالنسبة لأمن قطاع غزة وأهله وهي التي تفوق قدراتها التدميرية صواريخ حماس بمئات المرات. الإدارة الأمريكية التي قامت ببعض التحركات الخجولة تتحرك باتجاه توفير فسحة زمنية تحتاجها آلة الحرب الصهيونية لتوجيه ضربات موجعة للمقاومة في القطاع بغية حشرها في الزاوية وإضعافها واستنزاف قدراتها لتتقبل الشروط والإملاءات الصهيونية عندما يأتي وقت وقف إطلاق النار والترتيبات السياسية. ولكي توفر هامش الوقت المطلوب أجهضت مشروع بيان في مجلس الأمن يدعو لوقف إطلاق النار وبذلك تحظى إسرائيل بالغطاء السياسي اللازم وتمضي في عدوانها المجنون على كل ما يتحرك وعلى البنى التحتية في القطاع. أما الاتحاد الأوروبي فقد تبع الجوقة ولم يغرّد خارج السرب. حيث عقد اجتماعا ليؤكد فيه «دعمه إسرائيل في الدفاع عن نفسها وإدانته إطلاق حماس للصواريخ». أما أمن القطاع وأمن سكانه وسلامة أطفاله ونسائه ومدارسه ومستشفياته وطرقاته وكل بناه التحتية فتلك أشياء لا تراها عيون مسؤولي الاتحاد الأوروبي ولا اعتبار لها في ميزان التعاطي الأوروبي مع أزمة تضع كيانا مدججا بكل أنواع الأسلحة وبكل ما حوته مخازن السلاح الأمريكي والغربي من أدوات القتل والتدمير ورجال مقاومة لا مقارنة لقدراتهم العسكرية مع ترسانة عدوهم المتوحش. هذه المواقف الغربية تضعنا أمام مفارقات عجيبة ففي حين يتحرك الشارع الأوروبي والأمريكي وينتفض نصرة لقطاع غزة ونصرة للقضية الفلسطينية وتنديدا بالعدوان الصهيوني وبالاحتلال الذي يطحن شعبا بأسره ويحرمه حقوقه الوطنية المشروعة، في هذا الوقت يتبارى حكام الغرب وأمريكا في إظهار آيات الولاء والطاعة للصهونية العالمية... ويديرون ظهورهم لما يتشدقون به من قيم الحرية والديمقراطية وما يتبجّحون به من نصرة لحقوق الإنسان. فأين تذهب هذه القيم عندما يكون الضحية فلسطينيا وعندما يكون الجلاد صهيونيا؟ وإلى متى ينظر هؤلاء إلى الصراع العربي الإسرائيلي عامة وإلى القضية الفسطينية خاصة بعيون صهيونية لا ترى إلا ما تراه إسرائيل...؟ وإلى متى تلهج ألسنتهم بلسان صهيوني فصيح لا ينطق إلا بما ينطق به الصهاينة؟ ألا يدركون أنهم بانحيازهم للغطرسة الصهيونية لا يزيدون إلا في إشعال وتأجيج نيران الإرهاب في صدور أشخاص يئسوا من إنصاف القانون والشرعية الدولية؟ أليسوا كمن يشعل النار ليعود ويتساءل عن مصادر الدخان؟ عبد الحميد الرياحي