بقلم : محمد النحال (باحث وأكاديمي) نسبة قليلة من الناس يعتقدون أن السلام في الشرق الأوسط ممكن، ونسبة أقل من الأمريكان يعتقدون أن العراق «لقمة سهلة»، ونسبة أقل من الفرنسيين يعتقدون أن الحرب المقبلة ستكون حربا تصحيحية بقدر ما سوف تكون حربا عالمية ثالثة. تلك هي الرؤى التي وصل إليها الانسان ليوم لأن الموت يزوره يوميا عبر شاشات التلفزيون وعبر الصحف اليومية، ولأن العالم لم يعد آمنا، فأي قنبلة يمكنها الانفجار في أي مم أو شارع. ما نريد الوصول إليه بكل بساطة هو الحرب.. فأي حرب تنفجر تعطينا انطباعا في الفشل، فشل ايقافها والحد من ضحاياها بينما الصراع في الشرق الأوسط هو قديم بمعنى أن الحرب فيه ليست حديثة، فكيف عجز العالم عن وضع حد لها كي يستطيع وضع حد للحروب الأخرى، مخطئ من يعتقد ألا علاقة للشرق الأوسط بالحروب المندلعة هنا وهناك.. الخيوط متشابكة، وكلماغض العالم النظر عنها كلما تمادى الموت في اتساع رقعته حولنا لأن شخصا مثل ارييل شارون يريد العالم «اسرائيلي» يبني عليه جدارا كبيرا يفصل بين الانسان والانسان، ولأن شخصا مثل طوني بليرمازال اصبعه حيا يسلطه على دول أخرى مستعدا للدخول الى حلف ما لمحابرتها، ولأن اسرائيل ستظل «محمية للغرب» صديقة الولاياتالمتحدة فلن يستطيع العالم سوى التصريح على جولان الموت اليومي ساكتا وغير قادر على إيقاف الحرب التي تندلع وتلك التي ستندلع قريبا. اسرائيل تقيم جدارا عازلا في الأرض الفلسطينية، وتزعم أن هذا الجدار مجرد حاجز أمني يهدف الى منع الفدائيين الفلسطينيين من الوصول الى الأراضي الاسرائيلية لتنفيذ هجماتهم. هذا الجدار كماتدعي اسرائيل لا يزيد عن الحواجز والاسلاك الشائكة، الموجودة على الحدود الفاصلة بين اسرائيل ولبنان وسوريا، واسرائيل ثم أهملت حقيقة أن هذا الجدار ليس مجرد سلك شائك، ولكنه جدار خرساني يستقطع أكثر من 45 في المائة من أراضي الضفة الفلسطنيية المحتلة ليضمها الى الجانب الاسرائيلي من الخط الأخضر الفاصل بين الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 والأراضي المحتلة عام 1948 المعروفة باسم اسرائيل. ويمكن القول ان هذا السور لن يحقق الكثير من الأمن للاسرائيليين، وانه على الحكومة الاسرائيلية البحث عن طرق أكثر فاعلية من خلال المفاوضات والتوصل الى اتفاق عام مع الفلسطينيين. وبسبب سياسة أرييل شارون وحكومته يبدو أن الشرق الأوسط سيغرق ثانية في مزيد من القتل ومن الدم. لا ننسى أن الاسرائيليين قادوا الحفل الدموي في قمة الكلام عن «شهر العسل» مع الفلسطينيين اسمه «خريطة الطريق»، لأن المسألة كانت كلها معقدة وغير واضحة، ولأن الاعتداءات الاسرائيلية كانت مستمرة حتى لو أراد شارون عبر اطلاق سراح بعض السجناء الفلسطينيين القول أنه يسعى الى «سلام القوة» على اعتبار أن العنف الذي يواصل الجيش الاسرائيلي ممارسته ضد الفلسطينيين كان يناقض خريطة الطريق نفسها. ونخشى جميعا أن تنتهي القضية الى عنف مطلق وكامل الأوجه في المنطقة حيث ستنفذ اسرائيل تهديدها القديم بإحراق الشرق الأوسط لأجل اخضاع الدول العربية الى «خريطة طريق» أخرى سيكون شارون البطل الوحيد فيها لأن الحكاية اليهودية بدأت بالتأكيد وستنتهي الى اغتيال كل شيء بما في ذلك حلم السلام الذي يراود ملايين البشر من سكان الأرض، والسؤال الذي يطرح نفسه دائما هو : متى سينتهي كابوس الشرق الأوسط؟ متى بإمكان الجميع أن يحققوا حلم الوطن من دون أن توقظهم الدبابات وطائرات الأباتشي وصوت «أرييل شارون» بجملته المملة «السلام نريده جميعنا.. متى سيكون السلام حقيقة وليس سببا في الحرب»؟ للتعمق في الاجابة على السؤال السابق، هو الإمعان في كيف سينظر الاسرائيليون الى علاقاتهم بجيرانهم الفلسطينيين بعد نصف قرن من الآن. هذا هو السؤال الذي يجب على الرئيس الأمريكي جورج بوش ومستشاريه طرحه سواء في المحادثات السرية أو في المناقشات العامة، فالعلاقة المتوترة بين الفلسطينيين والاسرائيليين تمر الآن بمرحلة حاسمة. ويبدو أن خطة السلام المعروفة باسم «خريطة الطريق» التي أعدتها الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة أعضاء ما يسمى باللجنة الرباعية، يبدو أنها لن تؤدي الى شيء. فإسرائيل تواصل اقامة البيوت للمستوطنين في الضفة الفلسطينية المحتلة، وتزيد من حصارها للمجتمع الفلسطيني، وتواصل قتلها للنشطاء الفلسطينيين، وهذه الممارسات جميعها تمثل انتهاكا لخريطة الطريق. كما أنها تزيد من صعوبة مهمة رئيس الوزراء الفلسطيني في مواصلة العمل على تنفيذ التزامات الجانب الفلسطيني، وهناك أيضا سياستان اسرائيليتان أخريان تمثلان خطرا كبيرا على مستقبل السلام. فإسرائيل تقيم جدارا عازلا ضخما حول الضفة الفلسطينية المحتلة. وهذا الجدار يستقطع مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية ليضمها الى اسرائيل في الوقت الذي يحول المدن الفلسطينية الى كانتونات معزولة، ويفصل الفلاحين الفلسطينيين عن مزارعهم على جانبي السور. ويتمثل الأمر الثاني في استمرار اسرائيل في اعتقال الآلاف من الفلسطينيين كرهائن بعد اعتقالهم بدون محاكمة ولا توجيه اتهامات لشهور عديدة أحيانا، فهل هذا هو الطريق لاقامة سلام طويل المدى بين الجانبين؟! الطريق لإقامة سلام طويل المدى بين الفلسطينيين والاسرائيليين هو أن يتعلموا من تجربة فرنسا التي تعرضت للغزو والاحتلال من جانب ألمانيا مرتين في القرن العشرين. فقد تمكن الفرنسيون وحلفاؤهم من خلال التعامل مع الغزو من استيعاب درس كيفية اقامة سلام طويل المدى بين الأعداء السابقين. ففي عام 1918 عندما تمكنت فرنسا وحلفاؤها بما فيهم الولاياتالمتحدة من تحرير الأراضي الفرنسية من الاحتلال الألماني الأول الذي تمّ في الحرب العالمية الأولى فرض الحلفاء عقوبات شديدة وطويلة المدى على ألمانيا التي خسرت الحرب العالمية الأولى وشعبها. وقد أدت هذه العقوبات والسياسات الى المساعدة في تفريخ زعيم مثل الزعيم النازي أدولف هتلر. ولكن في عام 1945 عندما تمكن الحفاء من تحرير فرنسا للمرة الثانية من الاحتلال النازي الذي تعرضت له أثناء الحرب العالمية الثانية تبنّى الحلفاء سياسات أكثر ذكاء تجاه ألمانيا المهزومة. وبعد ذلك وبفضل اصرار الرئس الأمريكي في ذلك الوقت هاري ترومان وكبار مستشاريه تمّ تكريس الجهود من أجل إعادة تأهيل باقي المجتمع الألماني وتخليصه من الإرث النازي، وإقامة علاقات جيدة مع جيرانه من الدول الغربية. وقد أثبتت هذه الطريقة نجاحا كبيرا حيث نجحت فرنساوألمانيا اللتين ظل العداء والخوف المبتادل بينهما هو السمة الرئيسية للعلاقات بين البلدين على مدى قرون طويلة، نجحت الدولتان في ايجاد الطريق لإقامة تعاون بناء طويل المدى. فقد أدرك الفرنسيون أنهم سيظلون يعيشون الى جوار الألمان، وأن هذه هي الحقيقة التي يجب أن تحكم الموقف. إذن هل يتمكن الاسرائيليون من تجاوز المآسي التي يزعمون أن الفلسطينيين سببوها لهم مع ملاحظة أن مثل هذه المآسي التي يزعمون لا تمثل شيئا مقارنة بما ألحقه الألمان باليهود أثناء الحرب العالمية الثانية. وفي نفس الوقت يتجاوز الفلسطينيون عما سببه لهم الاسرائىليون من مآس عديدة يصعب حصرها، وبذلك يمكن للشعبين الفلسطيني والاسرائيلي العثور على الطريق من أجل اقامة علاقات طويلة المدى قائمة على الاحترام المتبادل، ولكن هذا لن يتحقق إذا واصلت الحكومة الاسرائيلية فرض عقوبات جماعية صارمة ضد الفلسطينيين، وواصلت التنكّر للحقوق المشروعة للفلسطينيين والتي أقرّتها المنظمة الدولية. والحقيقة أن الأمريكان يتحملون قدرا كبيرا من المسؤولية عن تصرفات اسرائيل بسبب الدعم المالي والسياسي الهائل الذي تحصل عليه اسرائيل من الولاياتالمتحدة باستمرار، لذلك يمكن للرئيس بوش وكبار مستشاريه أن يسألوا الاسرائيليين عن الطريقة التي يرون بها علاقاتهم مع الفلسطينيين على المدى الطويل والبدائل الاسرائيلية لهذه العلاقات. والحقيقة المركزية في هذا الموضوع هو أن الفلسطينيين لن يتركوا أرض الأجداد التي يعيشون عليها تحت أي ظرف من الظروف، وسيظل الفلسطينيون بذلك أقرب الجيران للإسرائيليين. والسؤال هو : كيف يريد الاسرائيليون أن يتعاطوا مع هذه الحقيقة؟ فإذا كان الاسرائيليون أذكياء ومخلصين حقيقة في رغبتهم في أن ينتهي كابوس الشرق الأوسط، ورغبتهم في ازدهار الديمقراطية فعليهم أن يتركوا الفلسطينيين يعيشون في ديمقراطية الى جوارهم.. أما إذا واصل الاسرائيليون محاولتهم السيطرة على الفلسطينيين فسوف يدركون بعد فوات الأوان أن مثل هذه السياسات لا تحقق السلام، وسوف يرون أنهم بذروا المزيد من بذور الكراهية والصراع. والخلاصة أن على الولاياتالمتحدةالأمريكية تغيير مواقفها السابقة المنحازة لإسرائيل وممارسة المزيد من الضغوط على الشعب الفلسطيني، لأن انحياز أمريكا لاسرائيل يعني أن السلام سيظل ضائعا في منطقة الشرق الأوسط، ولا بدّ من الاقرار بمبادئ الحل العادل في المنطقة. إن إقرار الحل العادل في المنطقة يتطلب من شارون تغيير مسيرته السياسية لأنه معارض متطرف، فقد عارض الرجل اتفاقات أوسلو للسلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وكان يستغل كل فرصة لتشجيع اقامة المستوطنات الاسرائىلية غير المشروعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد احتفل شارون بانهيار اتفاقات أوسلو، كما أعلن عن سعادته برفض الفلسطينيين لعرض الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون غير المتبلور للسلام في شهر جويلية عام2000 وقد استفز الفلسطينيين عندما انتهك الحرم الشريف في سبتمبر 2000 عندما اقتحم الحرم في حراسة أكثر من ألف جندي اسرائيلي، وقد انتهت لجنة تقصي الحقائق الأمريكية التي شكلها الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت بيل كلينتون لتحديد أسباب الانتفاضة الفلسطينية المعروفة باسم لجنة ميتشل انتهت الى القول بأن زيارة شارون للحرم القدسي كانت عملا سيئا كانت آثاره واضحة. وكان من تداعيات دخول شارون الى الحرم القدسي، واشتعال الانتفاضة الفلسطينية، استقالة رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود باراك والدعوة الى انتخابات عامة مبكرة في اسرائيل حقق فيها شارون انتصارا واضحا ليصبح رئيس وزراء اسرائيل. وكان أول عمل له في منصبه الجديد هو تجميدكل اتفاقات السلام مع الفلسطينيين، فهل كانت مثل هذه الخطوة في صالح الشعب الاسرائيلي؟