اقتحم عدّة نجوم سابقين عالم «السّمسرة» في اللاعبين واختار البعض الآخر مهنة التدريب بما فيه من «تمرميد» على يد «الفاسيبوكيين» ورؤساء الجمعيات. هذا في الوقت فضّلت فيه فئة ثالثة العمل في التحليل حِفاظا على السّمعة التي بنتها بالكثير من التعب والجهد. وهذا هو حال مدافعنا الدولي السابق منير بوقديدة الذي يتحدث في هذا الحوار بصراحته المعروفة وأناقته المعهودة عن الوضع العام للكرة التونسية. ويخصّص الجانب الأهمّ من خطابه لتشريح «أزمة» النجم الذي صنع شهرته وفتح له أبواب المنتخب والإحتراف في ألمانيا. ما هي أبرز المُلاحظات التي خرجت بها على هامش الجولات الستّ الأولى من مُنافسات البطولة؟ من الناحية التنظيمية سجّلنا العديد من النقاط السلبية في مُقدّمتها الفوضى العارمة التي ميّزت الرّزنامة. وقد شهدت الجولات الأولى الكثير من التقطّعات وهو ما يُؤثّر سلبيا في النسق العَام للبطولة ويُربك أيضا تحضيرات الأندية وحسابات المدربين. ولاشك في أن القائمين على شؤون الكرة التونسية في حاجة إلى مُراجعة البرمجة بشكل يضمن إجراء المُباريات بنسق عادي مع مُراعاة التزامات المنتخبات الوطنية والأندية المُشاركة في المسابقات الخارجية. وهُناك طبعا نقطة أخرى داكنة وشغلت الجميع في الجولات الأولى وهي أزمة النّقل التلفزي. فقد وقع حِرمان الجماهير التونسية من عدّة مُباريات دون أن تكون لها لا ناقة ولا جمل في الخلاف الحَاصل بين الجامعة والقناة الوطنية. وقد كان من المفروض التعامل مع هذا الملف بطريقة احترافية ودون الإضرار بمصلحة المُواطن التونسي الذي من حقه أن يشاهد مُبارياته المحلية وذلك أضعف الإيمان. وماذا عن الجوانب الفنية والتي نخشى أن تُصبح في ذيل الاهتمامات بفعل المشاكل الجانبية؟ لم يمض على انطلاق سباق البطولة سوى ست جولات. كما أن فضيحة النقل التلفزي حرمت الجماهير والإعلام والمحلّلين الفنيين من مُشاهدة العديد من اللّقاءات. وبناءً عليه فإن عملية التَقييم قد تَفتقر إلى عنصر الموضوعية وقد يكون من الأفضل تأجيل الحُكم على مُستوى بطولتنا إلى الجولات القادمة. وفي الأثناء يُمكننا الحديث عن بعض الانطباعات الأولية حول مردودية عدد من الجمعيات. الاتّحاد المنستيري مثلا شكّل مُفاجأة سَارة بعد انطلاقته المثالية ونجاحه في حصد نتائج طيّبة رغم اصطدامه بالمُراهنين التقليديين على اللّقب مثل النادي الصفاقسي والنجم السّاحلي والنادي الإفريقي. وأعتقد أن استمرار هذه المسيرة الوردية مشروط بتوفير الموارد المالية خاصّة أن تراكم الانتصارات سيُضاعف من حجم النّفقات. كما أن الفريق في حاجة إلى زاد بشري ثري بحكم أن سباق البطولة شاق وطويل. ومن جهته، حقق النادي الإفريقي نتائج مقبولة رغم أنه يعيش في ظروف قاسية وتتهدّده العقوبات بشكل يومي. ويستحقّ الإطار الفني بقيادة لسعد الدريدي الإشادة بحكم أن النجاح في مِثل هذه الظروف يحتاج إلى أعصاب من حديد. وبالحديث عن حامل اللّقب وهو الترجي نُلاحظ أنه استفاد كثيرا من الإسقرار الإداري والفني بقيادة حمدي المدب ومعين الشعباني. ومن جانبه يملك «السي .آس .آس» مجموعة طيّبة ويمكنه الذهاب بعيدا في سباق البطولة مِثله مثل النجم الذي يعيش أزمة عَابرة. يشهد النّجم موجة من الاستقالات وهُناك مخاوف حقيقية من شبح الفراغ فكيف تقرأ الأوضاع الحالية في بوجعفر؟ قبل الخوض في التفاصيل لابدّ من التأكيد على أنه لا وجود لأية جمعية بمنأى عن الأزمات. ولا يُساورني أدنى شك في أن المشاكل التي يعيشها النجم في الوقت الراهن في طريقها إلى الزّوال. ومن خلال معرفتي بالفريق يُمكنني التأكيد بأعلى صوت إن «ليتوال» لن تُواجه شبح الفراغ بحكم أنها مُحاطة بجماهيرها ومسؤوليها ولاعبيها السابقين. وقد تَحدثُ بعض الاستقالات والاختلافات لكن عندما يتعلّق الأمر بمصلحة الجمعية فإن كافة أبنائها سيضعون اليد باليد لإعادة الأمور إلى نِصابها. كيف تَفاعلت مع استقالة رضا شرف الدين؟ أتفهّم قرار رضا شرف الدين الذي استنزف طاقاته وتعرّض إلى ضغوطات كبيرة على امتداد فترة قيادته للنّجم الساحلي. وأظن في الوقت نفسه أن رئيس الجمعية تسرّع بعض الشيء وكان لِزاما عليه اختيار التوقيت الأفضل والأمثل للإنسحاب. ولا يختلف اثنان في أن النجم لا يتوقّف على أحد لكن هذه الحقيقة التاريخية لا تحجب أبدا الصعوبات التي تواجهها الجمعية على أرض الواقع. وسيكون من الصّعب ايجاد البديل في الوقت الراهن خاصّة إذا عرفنا أن كتلة الأجور تقدّر بحوالي مليار في الشهر الواحد. كما أنّنا قطعنا شوطا كبيرا في الموسم الرياضي وهو ما سيجعل مَهمّة البحث عن البديل صعبة ومُعقّدة للغاية وقد يكون الحل في بقاء شرف الدين مع ضخ دماء جديدة في الهيئة المديرة. تولّى لاعبنا الدولي السابق كريم حقي خطة مدير رياضي في النجم وسط ضجّة إعلامية كبيرة قبل أن يرحل من منصبه في ظرف أيام معدودة فما الحكاية؟ قُلت إن شرف الدين تسرّع بعض الشيء في الإعلان عن استقالته. وأتبنّى الموقف نفسه بخصوص كريم حقي الذي كان مُطالبا بالتحلي بالصّبر والصّمود في منصبه خدمة لمصلحة الجمعية التي أنهكتها الإستقالات. والحقيقة أنّني تفاعلت ايجابيا مع تعيين كريم حقي بحكم أنّه «كوارجي» ويملك كلّ المُؤهلات ليُساهم في تصحيح المسار واتّخاذ القرارات المُناسبة خاصّة على المستوى الرياضي (الإطار الفني - الزاد البشري...). ولا يُمكننا الحديث عن ملف حقي دون التعريج إلى حقيبة المُدير الرياضي. وأعتقد شخصيا أن هذه الخطة غير صالحة في بطولتنا بحكم أن صاحبها يحتاج إلى الكثير من الصلاحيات وهامش كبير من الإستقلالية ليُشرف على مختلف المسائل الرياضية. وهذا الأمر غير مُمكن في أنديتنا المُطالبة بتغيير العقليات والتشريعات وتأمين التمويلات وتوفير المُنشآت اللائقة هذا قبل إحداث خطّة «المدير الرياضي» أوغيرها من المَناصب التي تَتوافق مع الدوريات التي بلغت مرحلة متطوّرة في دنيا الإحتراف. في سِياق الحديث عن النجم تُلحّ عدة جهات على أن الفريق لم يسلم من شرور السياسة فضلا عن تورّط «الأخوة - الأعداء» في لعبة تصفية الحِسابات. فهل من ايضاحات؟ أنا «كوارجي» ومحلّل فني. وأفضّل الخوض في الرياضة لا السياسة وهي مرفوضة في النجم أو أية جمعية تونسية أخرى. ومن الضروري أن يكون النجم بمنأى عن التَجاذبات السياسية هذا طبعا إن كانت هذه المزاعم صَحيحة. كما أنّه لا مكان في النجم للصّراعات الجانبية. ومن واجب كلّ الغيورين على الجمعية وضع اختلافاتهم وخِلافاتهم جانبا خدمة لمصلحة «ليتوال» التي تملك زادا بشريا مُحترما وقادرا على تحقيق أحلام الجمهور. ولاشك في أن الحُضور القوي لأبناء النجم في التشكيلة التي هزم بها المنتخب نظيره اللّيبي في تصفيات ال»شان» تُقيم الدليل القاطع على القيمة الفنية العَالية للاعبي «ليتوال». من موقعك كمحلّل فني ونجم دولي سابق كيف تُقيّم أداء المنتخب مع المنذر كبيّر؟ بالعودة إلى اللّقاء الودي أمام الكامرون لاحظنا أن فريقنا ظهر بمستوى جيّد هذا في انتظار تحقيق الأفضل في المُباريات المُقبلة. كما أن منتخب المحليين نجح في مَهامه واقتلع الترشّح إلى ال»شان». بقي أن نشير إلى أنّني كنت من الداعين إلى حصر مَهام المنذر كبيّر في الفريق الأوّل مُقابل تكليف مساعده عادل السليمي أومدرب آخر بالإشراف على منتخب المحليين. وبهذا الشكل نضمن التوزيع الجيّد للمَهام وقد نُساهم في تكوين بديل واعد لخلافة المدرب الأوّل على المدى البعيد أوتعويضه في صُورة حدوث أيّ طارىء. ألا تُغريك الكرة بالعَودة إلى الميادين للإضطلاع بخطّة فنية أو استشارية؟ لقد اخترت العَمل في مجال التحليل وأحاول قدر المُستطاع تَقديم الإضافة مع التقيّد بمبدأ الحِياد والترفّع عن الانتماءات الضيّقة والإنتقادات المُسيئة للأشخاص أوالجمعيات. ويبقى التدريب أوالاضطلاع بخطّة فنية من السّيناريوهات المُمكنة خاصّة أنّني أتابع النشاط الكروي عن كثب واكتسبت خبرات كبيرة من خلال تجاربي الميدانية وعبر البرامج الرياضية.