مطلوب التقييم الموضوعي لبرامج التشغيل وتحسين مردوديتها وطاقتها التشغيلية بهدف فتح آفاق لطالبي الشغل خاصة بعد غلق باب الانتداب في الوظيفة العمومية. تونس(الشروق) شهد التسجيل في مكاتب التشغيل نقصا بأكثر من 57 الف طالب شغل جديد خلال اربع سنوات وفقا لمعهد الاحصاء. وقد لن يطرق أحد مجدّدا أبواب مكاتب التشغيل فهي «قاطرة لا توصل الى أي محطّة بل هي تقطع المسافات فحسب» على حد تعبير خميس المعطّل عن العمل منذ 5 سنوات. يباشر خميس، اسم مستعار، اليوم عمله كنادل في حانة بالعاصمة وهو الحامل لشهادة التصرّف في الإعلامية منذ 5 سنوات. وقد فضّل التحدث الينا باسم مستعار فنحن في نظره لن نغيّر بالكشف عن اسمه شيئا من يومه ومن حياته هو فقط استجاب لبحثنا عن قصّة صحفيّة قد يكون لها اثرا في من سيطّلع عليها حسب قوله. «اُغْلِقَ باب الوظيفة العمومية منذ اربع سنوات فنحن الدولة التي تشغّل اكبر عددا من الموظفين في القطاع العمومي في العالم بتجاوزنا عتبة ال700 الف موظّف واقتصادنا معطّل فلا يستطيع القطاع الخاص استيعاب الكم الكبير من المعطّلين عن العمل سنويا فتكتفي اغلب المؤسسات باستغلال الممرّات القصيرة التي توفّرها الدولة لطالبي الشغل للمرور نحو سوق الشغل واعني آليات التشغيل الهشّة لتوظيف المعطّل بشكل مهين والتمتع بالامتيازات التي توفرها الدولة» يقول خميّس هذه الخلاصة لواقع التشغيل بصوت غريب كان مزيجا بين السخرية والسخط. ثمّ يعود الى صوته الممازح وهو يقول جملته الأخيرة قبل ان يصافحنا ويغادر «عرفت منذ غادرت الجامعة وانا احمل شهادتي انني على عتبة حرب حقيقية وعليّ ان اربحها حتّى لا اخسر من احب لذلك لم انتظر طويلا حتى تراجع الدولة نفسها وتصلح هذا المسار الفاسد في سياسة التشغيل وانخرطت منذ البداية في العمل الهش لكنّي ربحت الكثير. ثقي بي انا أقول الحقيقة. انا اشتغل نادل واشتم فوضى السكارى كل مساء ولكنّي اعود سعيدا لان لي حبيبة تنتظرني في منزلنا ولي طفل جميل قادم فلا تفسدوا حياتكم بانتظار ما قد لن يتحقق». كلفة الادماج يقول محمد السكندراني الخبير في مجالات التشغيل والتكوين المهني إنّ السلطات جمّعت سنة 2009 البرامج النشيطة للتشغيل-والتي شهدت عديد التغييرات طيلة أربعة عقود-صلب آلية واحدة تحت اشراف وزارة التكوين المهني والتشغيل. تضم هذه البرامج الية تربص الاعداد للحياة المهنية وهو يهم طالبي الشغل لاول مرة والمحرزين على شهادة تعليم عال منذ مدة لا تقل عن ستة اشهر، عقود ادماج حاملي شهائد التعليم العالي وتهم طالبي الشغل المحرزين على شهادة تعليم عال والذين تجاوزت فترة بطالتهم 3 سنوات بداية من حصولهم على الشهادة المعنية، برنامج الخدمة المدنية التطوعية ويهم طالبي الشغل لأول مرة من حاملي شهائد التعليم العالي، عقود التاهيل والادماج المهني وتهم طالبي الشغل بمختلف مستوياتهم التعلمية والتكوينية وخبرتهم المهنية (باستثناء حاملي الشهائداالعليا) وعقود إعادة الادماج في الحياة النشيطة وبرنامج مرافقة باعثي المؤسسات الصغرى. هذه البرامج بلغ حجم نفقاتها، وفقا لمصدرنا، 750 مليون دينار خلال الفترة 2012 - 2016 إذ مرّت النفقات من 123 مليون دينار الى 169 مليون دينار أي بزيادة قدرها 37 بالمئة أي بمعدل تطور سنوي ب 7.3 بالمئة. كما بلغ وفقا للاسكندراني معدل كلفة الادماج لجميع البرامج النشيطة للتشغيل 5046 مليون دينار وكانت الكلفة الأكثر لبرنامج الخدمة المدنية التطوعية. وقد انتفع بهذه البرامج 607 الف و280 منتفعا 70 بالمئة منهم من حاملي شهائد التعليم العالي واستاثرت تونس الكبرى والوسط الشرقي بالنصيب الهام من عدد المنتفعين فيما بلغ عدد العقود الملغاة 195 الف و736 طالبا شغل وهو «رقم مرتفع جدا» على حد تعبير محمد الاسكندراني. الآفاق مجمل هذه البرامج، والتي هي عماد سياسة التشغيل للدولة، كان الهدف منها المساهمة في السلم الاجتماعي ومساعدة الشباب على اكتشاف الوسط المهني واكتساب كفاءات تكميلية تفتح آفاق التشغيل بالنسبة للمنتفعين بها، انكشف تنفيذها على نقاط ضعف كثيرة. أذ أوضح الخبير في التشغيل محمد الاسكندراني ان معدل الادماج ضعيف وان هذه البرامج لا تستهدف بعض فئات طالبي الشغل وانه لا يجري تشريك الأطراف الاجتماعية في صياغة وتقييم البرامج. كما انتقد غياب التقييم الموضوعي لهذه البرامج وكذلك ارتفاع حصة النفقات المخصصة للبرامج والمقدرة ب1.5 بالمئة من ميزانية الدولة والنقص في الموارد البشرية والمالية للهياكل المسؤولة عن تنفيذ هذه البرامج. واعتبر انه من الضروري «المراجعة الجذرية لهذه البرامج من اجل تحسين التشغيلية وتيسير تامين الشغل اللائق» وكذلك «وضع نظام تقييم ناجع من ذلك مؤشرات الرصد والتقييم وإنجاز الدراسات المعمقة لقياس المردودية الحقيقية للبرامج». وقد علمت «الشروق» من مصادر بوزارة التشغيل ان تقييم هذه البرامج هو واحد من النقاط التي يجري العمل عليها في اعداد الاستراتيجية الوطنية للتشغيل والتي من المفترض ان تكون جاهزة خلال العام 2020. ويعتبر اغلب المتابعين لملف التشغيل ان السلطات مطالبة بتقييم مردودية البرامج المعتمدة من اجل تيسير الاندماج في سوق الشغل والترفيع من الطاقة التشغيلية للبرامج المعتمدة بهدف فتح آفاق لطالبي الشغل خاصة بعد قرار تجميد الانتداب في الوظيفة العمومية حتّى لا تظل سياسة التشغيل سياسة ترقيعية و"القاطرة التي لا تؤدّي الى أي محطّة...هي تقطع فقط المسافات. شريف الخرايفي (أمين عام اتحاد أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل) هناك تهرّب من ملف التشغيل تونس (الشروق) حاورته أسماء سحبون ما هو تقييمكم، في اتحاد أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل، لمردودية برامج التشغيل ؟ آليات التشغيل التي يجري بها العمل والتي هي أساس سياسة التشغيل ماهي في الواقع سوى تهرّب من فتح ملف التشغيل. كان يمكن للمسؤولين ان يقولوا للمعطّلين عن العمل «ربّي ينوب» اثر قرار تجميد الانتدابات في الوظيفة العمومية. هذه الآليات هي مجرّد ذر رماد على العيون وهي تأجيل للبطالة وسياسة ترقيعية وقد نستمع أحيانا الى تصريحات تتحدث حول توفير مواطن شغل وانتدابات ولكن هي فقط مضمون دعاية حزبية باعتبار وان اصل سياسة التشغيل قائم على خلق مسكنات عبر خلق آليات تاجير ادنى يستفيد منه العاطل بشكل مؤقت ثمّ يعود الى صفوف المعطّلين. بماذا تفسّر هذه الاستمرارية في اعتماد برامج تشغيل ليست ذات مردودية كما ذكرت؟ لا يمكن الحديث عن البطالة والآليات الهشة دون الحديث عن النموذج التنموي الذي لا يلبّي الحاجيات الحقيقية لمطالب التونسيين بقدر ما يضمن مصالح أباطرة المال والذين لا يعنيهم التشغيل بقدر ما يعنيهم الربح والربح الأقصى. ففي تونس لم نر حكومات تكترث للانشطة المشغلة بل إننا متوقفون عند قطاعات غير مشغلة كما ان النوايا الرسمية متجهة نحو التخلّص التدريجي من الأعباء الاجتماعية بما في ذلك التشغيل والحال ان الدولة في كل اصقاع العالم تتحكم في التشغيل وتوجهه ولا ترفع يدها عن التشغيل ونحن حين نقول هذا الكلام للمسؤلين ونطلب ان لا ترفع الدولة يدها عن التشغيل يكون الرد «هذا كلام اشتراكي». ما اتضح في تونس واعتمادا على سياسة التشغيل القائمة هو ان القطاع الخاص تحول الى مصّاص دماء للمعطّلين عن العمل حيث يتم تشغيلهم وفقا للآليات الهشة مدة سنة او سنة ونصف ثمّ يُلقى بهم في صفوف المعطّلين مجددا مقابل امتيازات يحصلون عليها من الدولة في اطار سياسة الآليات الهشة. لأجل هذا قرر اتحاد أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل الانضمام الى شبكة التصدّي الى اتفاقية الاليكا (مشروع اتفاقية التبادل الحر والشامل والمعمق بين تونس والاتحاد الأوروبي) باعتبار وانها الرصاصة الأخيرة التي ستُطلق على صدور المعطّلين. فمسؤولونا يستعينون بالآليات الهشة لادماج المعطلين في اقتصاد في قبضة المافيا واذا ما اضفنا اتفاقية الاليكا هذا يعني اننا بلغنا مرحلة الخطر وزيادة. في اعتقادي هناك اهدار للمال العام في ملف التشغيل ولو كان المسؤولون يحترمون الضمير المهني لكانوا قيموا فشل الآليات ولكن ما نراه هو العكس حيث ان كل مسؤول جديد يأتينا بآلية جديدة فاشلة ويلغي ما سبق من آليات فاشلة. هل تمت دعوتكم للتشاور في اعداد الاستراتيجية الوطنية للتشغيل التي يجري اعدادها حاليا بوزارة التشغيل وفيها طبعا جانب تقييم مردودية برامج التشغيل؟ لا لم تتم دعوتنا وقد كنّا دعونا منذ 2012 ان يكون هناك حوار وطني جدّي حول التشغيل ولكن ما وصلنا اليه هو ان الوزارة تتعامل معنا كمركز اصغاء وهم يتعللون دوما بصعوبة الوضع ولكن حتّى الحوار أحيانا وبهذا الشكل يصبح امرا غير مجد. عموما الشباب كبر في قلبه حجم اليأس والإحباط وانا ادعو هؤلاء الى الاقبال المكثف على الانتخابات لاختيار برنامج تكون فيه آفاق أيا كان اللون السياسي.