هل يمكن للاعب كرة القدم أن يفتح عيادة طبيب ويفحص المرضى دون اختصاص؟ هل يمكن للخياط أن يصبح حلاقا ويعبث بالرؤوس والذقون؟ وهل يمكن لرائد الفضاء أو سائق الطائرة أن يصبح فلاحا ويبذر الأرض وهو غير ملمّ بفنون الزراعة والحراثة؟ هذه الأسئلة تكتسب مشروعيتها بعد اكتساح مجموعة كبيرة من الممثلين والمسرحيين والمحامين والمدونين والفنانين وغيرهم من ذوي الاختصاصات المختلفة البرامج التلفزية والإذاعية للإدلاء بآرائهم في شؤون البلاد والعباد وتحولهم إلى خبراء وحكماء في كل المواضيع دون استثناء. هذه الأسماء التي تدلي بدلوها في كل المواضيع تستغل وسائل الإعلام وخاصة منها السمعية البصرية للتعريف بنفسها أكثر، من خلال دخول البيوت والتحول إلى نجوم يهتف الشارع التونسي باسمها ويتندر بنوادرها ومواقفها ويجترّ تصرفاتها على الهواء حتى وإن خرجت عن حدود اللياقة والأدب. وفي نفس الوقت يستغل صاحب البرنامج الأسماء المشهورة في مجالات مختلفة ليضمن الإقبال والترويج لبرنامجه. في الحالتين نجد أن عين أحدهما على الآخر كل طرف ينتظر من الطرف المقابل تحقيق منفعة. طبعا هذا الموضوع الطويل العريض يحتاج إلى نقاش مطول. لكن علينا أن نقف عند مسألة على غاية من الخطورة وهي مضامين الرسائل الإعلامية التي تروجها هذه الأسماء وترسلها إلى المتفرج بغثّها وسمينها. فهؤلاء الذين هم دخلاء على الإعلام والصحافة ينزلون عليها تنزيلا باطلا. وهم وإن كانوا نجوما في مجالاتهم واختصاصاتهم لا يمكن لهم بأي حال من الأحوال أن يأخذوا مكان الإعلامي. إذ من المفروض أنه على قدر البساط نمد الأرجل وعلى كل شخص من هؤلاء أن يمدّ رجله على قدر بساط معارفه وإمكاناته. طبعا هذا التوظيف في غير مجاله يشبه الانتصاب الفوضوي والبناء العشوائي. وهو ما يسمح بارتكاب ثغرات وهفوات عديدة تعد حقيقة جرائم تجاه الذّوق العام وتجاه تنشئة الأجيال الصاعدة سواء بثقافة التمييع والتسطيح والتتفيه أو بثقافة البذاءة وكلام الشارع المكتسحة اليوم خاصة للفضائيات بلا رقيب ولا مجيب...