كثر الحديث خلال الايام الماضية عن المخدرات وانتشارها في البلاد وبلوغ شرها حدا غير مسبوق وصل الى استهداف اطفال المدارس وهو ما يدفع الى البحث عن موقف الشرع من هذه الافة الخطيرة . حرمت الشريعة الاسلامية تناول المخدرات بانواعها سواء كانت نباتية او كيماوية سواء أكان التناول عن طريق الأكل أو الشرب أو التنقيط أو السعوط، أو الشم أو الحقن أو بأي طريق آخر، ذلك لأن المخدرات تعمل على إتلاف النفس والمال والعقل والدين، وكثيرًا ما تتلف العرض أيضًا، وهذه هي الضرورات الخمس التي أمر الإسلام بحفظها، وقد أجمع العلماء على تحريم المخدرات، قال ابن تيمية هذه الحشيشة الملعونة - هي وآكلوها ومستحلوها - الموجبة لسخط الله تعالى، وسخط رسوله، وسخط عباده المؤمنين، المعرضة صاحبها لعقوبة الله، تشتمل على ضرر في دين المرء وعقله وطبعه، وتفسد الأمزجة حتى جعلت خلقًا كثيرًا مجانين، وتورث من مهانة آكلها ودناءة نفسه، وغير ذلك ما لا تورث الخمر، فيها من المفاسد ما ليس في الخمر، فهي بالتحريم أولى، وقد أجمع العلماء على أن المسكر منها حرام . وقال الإمام الصنعاني: إنه التحريم على ما أسكر من أي شيء، وإن لم يكن مشروبًا كالحشيشة. ونقل الفقيه ابن عابدين آراء بعض العلماء فقال: ونقل عن ابن حجر عن بعض العلماء: أن في أكل الحشيشة مائة وعشرون مضرة دينية ودنيوية، ويحرم أكل البنج والحشيشة، وهي من ورق القنب، والأفيون لأنه مفسد للعقل، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وكذا تحرم جوزة الطيب لكن دون حرمة الحشيشة... وأفتى مشايخ المذهبين الشافعية والحنفية بحرمة الحشيش وتأديب بائعه، حتى قالوا: من قال بحله فهو زنديق، وتحرم جوزة الطيب لأنها مسكرة، والمراد بالسكر هنا تغطية العقل، لا مع النشوة المطربة، لأنها من خصوصيات السكر المائع، فلا ينافي أنها تسمى مخدرة. وقال الفقيه محمد الغزالي «من السخف تصور أن الشارع يحرم الخمور ويترك مواد أخرى أشد ضراوة وأعظم فتكا، وإذا كان أئمة الفقه الأقدمون لم يذكروا الحشيش والأفيون فلأن بيئاتهم لم تعرفه...، فلما ظهرت بعض المخدرات أيام ابن تيميه عدها لفوره من الخمور، وفى أيامنا هذه ظهرت عقاقير أخرى كالكوكايين والمارجوانا وغيرها، تغتال العقول، وتهلك المدمن وتستأصل إنسانيته فكيف تترك؟ وفي الحديث الشريف يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام). ويقول في حديث آخر: (إن من العنب خمراً، وإن من التمر خمراً، وأن من العسل خمراً، وأن من البر خمراً، وإن من الشعير خمراً، وأنهاكم عن كل مسكر ). وظاهر الحديث أنه يسوق نماذج، ثم يذكر القاعدة العامة، ونحن لا نهتم بالأسماء ولا بالمصادر، وإنما نهتم بالتشخيص العلمي للأشربة والعقاقير، فما ثبت تغيبه للعقل، أو ما أفقد المرء اتزانه الفكري، فهو محرم بيقين...إن القران الكريم: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ ﴾ [19] أي ائتمروا بأمره. ويأمرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن كل مسكر حرام ومن هنا علينا أن نأتمر بأمره دون أي جدال أو تردد. وقد اهتم الإسلام بوقاية أفراده بوجه عام من كل ما يضرهم ويوقعهم في المهالك، فجميع التشريعات التي وردت في الإسلام هي في مضمونها وفي تأكيد الالتزام بها وقاية من الهلكة، وهذا بالطبع يلزم فريضة الوقاية، ويوجب الحذر والانتباه على الإنسان، كما يوجب عليه الابتعاد عن الذنوب والمعاصي والمخاطر التي تؤدي إلى الهلكة وتوجب إنزال العقوبة من الله سبحانه. فأمر الوقاية وتدابيرها في الإسلام أمرٌ أصيل، ويندرج تحت عدة قواعد فقهية منها قاعدة (سد الذرائع) التي تقضي بإغلاق جميع السُبُل المؤدية إلى المحرم أو إلى الضرر، وقاعدة: (درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح)، وهكذا أخذ أمر الوقاية حقه من الاهتمام، كما أن التحذيرات التي حفلت بها كثير من الآيات القرآنية، والتي في حقيقتها لأفعال هي في الأصل مقدمة لأفعال محرمة . ولعل ذلك ما يمكن الاستناد عليه من طرف الحكومات لسن قوانين رادعة تضرب بقوة كل من تسول له نفسه افساد الافراد والمجتمعات بنشر هذه الافة المهلكة .