من الصعب التحلّي بالأمل في هذه الأيّام العصيبة الّتي تمرّ بها الأمّة العربيّة، وقضيّة العرب الأولى، فالربيع العربيّ تحوّل إلى رماد، وملايين الشباب العربيّ باتوا هائمين على وجوههم، تتناثر أشلاؤهم في البحار، وأضحت أوروبّا ذات التاريخ الكولونياليّ المتوحّش، ملجأً لمن نجا وتمكّن من عبور البراري والبحار، ناهيك عن الّذين قضوا في القصف، والحروب، وفي السجون، أو الّذين يرزحون تحت التعذيب والتذويب، في أقبية سجون الاستبداد. ولكن يتبيّن أنّ جمرًا أحمر، لا يزال تحت الرماد، نفث حرارته، معبّرًا عن رفض السكون والخضوع، فالبلد العربيّ، المشهور بثورته المؤزّرة ضدّ الاستعمار الفرنسيّ، يفجّر انتفاضة جديدة، بعد أن أعلن رئيسه المقعد، عبد العزيز بوتفليقة، عن الترشّح لولاية خامسة، مغلقًا باب الأمل بالتغيير أمام ملايين الشباب. وتأتي هذه الانتفاضة بعد شهرين من اندلاع الانتفاضة السودانيّة المستمرّة. تذكّر هذه الانتفاضة الجديدة، بانتفاضة عام 1988، الّتي طالبت بالحرّيّة، والديمقراطيّة، وإنهاء الاستبداد. كانت «جبهة التحرير الجزائريّة»، الّتي خاضت حرب التحرير ضدّ الاستعمار الفرنسيّ، ودحرته عام 1963، قد تحوّلت إلى حزب حاكم متفرّد بالسلطة، مستفيدة من إرثها الكفاحيّ، وهي تجربة عرفتها معظم دول العالم النامي بعد الاستقلال، تجربة فاشلة في بناء دولة مدنيّة ديمقراطيّة، تسير على مبدإ التناوب في السلطة. وينتج عن ذلك حكم الأوليغاركيّة، أي حكم الأقلّيّة، فيتغلغل الفساد، وتزداد الفجوات الطبقيّة، ويجوع الناس، ويفقدون حرّيّتهم، فيحتجّون. وعندما يُقابَل احتجاجهم السلميّ بالقمع، وتُزجّ القيادات الحزبيّة والمثقّفون في السجون، تموت السياسة، وتتروّض قيادات الأحزاب الّتي تنجو من الاعتقال والقمع والقتل، فيخرج الناس، عفويًّا، أو بفعل دعوة شباب متحمّس، إلى الشارع، وتلتحق بهم الجموع، وكذلك الأحزاب بعد تردّد. وهذا ما يحصل الآن في الجزائر، وكذلك في السودان، لقد انقلب «حزب جبهة التحرير الجزائريّة» على نتائج الانتخابات في أوائل التسعينات، الّتي فازت بها «جبهة الإنقاذ»، ودخلت البلاد في حرب أهليّة راح ضحيّتها 250 ألفًا من أبناء وبنات الشعب الجزائريّ. وبعد أن انتهت الحرب، وبعد مرور ثلاثين عامًا، لم تتحقّق نهضة في الجزائر فحسب، بل تفاقم الوضع، وازداد الفساد، والتأخّر، والمعاناة، تقول إحصائيّة إنّ سبعة ملايين جزائريّ هربوا أو هاجروا من الجزائر خلال هذه الفترة. لقد اعتمدت النخبة الحاكمة، الّتي رشّحت عبد العزيز بوتفليقة للولاية الخامسة، وهو أمر صدم الجزائريّين، الحرب على الارهاب تبريرًا لبقائها في الحكم، والاستفراد في تسيير البلاد، وهو تقليد بات عامًّا عند الطغاة.